مجالس معطوبة
كشف عدد الملفات المعروضة للتحقيق، أمام الفرق الجهوية للدرك والشرطة القضائية، أو تلك المعروضة على محاكم جرائم الأموال، حجم الفساد الذي يسري داخل المجالس الجماعات الترابية المنتخبة، كما يفضح طبيعة النخب التي تراهن عليها الأحزاب السياسية لتدبير وتسيير الشأن العام المحلي.
فبعد سنتين من تدبير مجالس الجماعات الترابية المنبثقة عن الانتخابات الجماعية، التي جرت يوم 8 شتنبر 2021، بدأت تظهر بعض الاختلالات المالية والإدارية الخطيرة، كان بعضها موضوع تقارير سوداء أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية. وفي هذا الصدد أحال وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، مجموعة من هذه الملفات التي تكتسي طابعا جنائيا على أنظار رئيس النيابة العامة، كما أحال ملفات أخرى على المجالس الجهوية للحسابات، كما نتج عن هذه الاختلالات تفعيل مسطرة العزل في حق مجموعة من المنتخبين ورؤساء الجماعات، فيما تم اعتقال ومتابعة آخرين أمام القضاء.
وهناك لائحة لرؤساء جماعات ومنتخبين سيتم عزلهم أو إحالتهم على محاكم جرائم الأموال، وذلك بعد إنهاء الأبحاث التي قامت بها الفرق الجهوية للشرطة القضائية المكلفة بالجرائم المالية والاقتصادية بولايات أمن الرباط والدار البيضاء وفاس ومراكش، وكذلك الفرق الجهوية للدرك الملكي، بخصوص العديد من الملفات التي أحيلت على النيابة العامة المختصة في جرائم الأموال، فيما لا زالت الأبحاث جارية بخصوص ملفات أخرى، بعضها يخص نوابا ومستشارين برلمانيين.
وبالرغم من أن المجالس الجماعية والجهوية أصبحت تتمتع باختصاصات وصلاحيات غير مسبوقة في ظل القوانين التنظيمية الجديدة، ما زالت العديد من المدن تتخبط في المشاكل اليومية، فيما توقفت عجلة التنمية ببعض المدن الكبرى، وذلك بسبب الصراعات بين مكونات هذه المجالس، على غرار ما يحدث بالدار البيضاء والعاصمة الرباط، والقنيطرة، وفاس، ومكناس، وتمارة، وغيرها…
أما المجالس الجهوية فتلك قصة أخرى، فقد أصبحت تتمتع باختصاصات واسعة في إطار مشروع الجهوية المتقدمة ووفق القوانين الجديدة المنبثقة عن دستور 2011، لكن يظهر من خلال الممارسة الميدانية أن هذه المجالس، وعندما نتحدث عن المجالس نتحدث عن مكوناتها السياسية، مازالت بعيدة كل البعد عن استيعاب فلسفة الجهوية المتقدمة التي انخرط فيها المغرب، وتعتبر خيارا استراتيجيا للدولة.
فقد تحولت الجهات إلى مجرد مجالس جماعية كبيرة، تناقش المشاكل البسيطة التي يمكن حلها من طرف الجماعات، عوض الانكباب على ممارسة الاختصاصات والصلاحيات التي خولها الدستور لمجالس الجهات، وهو ما يستدعي من الأحزاب السياسية الرفع من جودة النخب المنتخبة بمختلف المجالس.