إعداد: إكرام أوشن
المراهقة مرحلة تتخللها الأزمات النفسية الناتجة عن التغييرات الفيزيولوجية التي ترافقها تغييرات فكرية. ففي هذه المرحلة يبدو المراهق غير راضٍ عن مظهره ويعيد النظر في القيم الاجتماعية والعادات والتقاليد التي نشأ عليها، ويتهم أهله بعدم التفهم وبالحد من رغبته في الاستقلال.. لذا فإن ثورة المراهق مهمة، ولذلك على الأهل أن ينظروا إليها بطريقة إيجابية، لأنها تحمل روح التغيير ما يعطي دينامية للحياة الاجتماعية. وهذه الثورة بإمكانها أن تكبر أو العكس حسب رد فعل الأهل والمحيط، ولكن من الضروري أن تكون موجودة. فالمراهق الذي لا يعيش مرحلته وما تحمله من تناقضات، قد يعود ويعيشها في سن متأخرة.
لماذا يشعر بعض المراهقين بالملل؟
هناك أسباب نفسية مرتبطة بالكآبة المرضية، وثمة أسباب اجتماعية أي حين لا يقوم المراهق بأي نشاط اجتماعي خارج إطار المدرسة. فالمجتمع الذي لا يوفر للمراهقين وسائل ترفيهية، من قبيل النوادي الرياضية أو الاجتماعية التي تقدم خدمات إنسانية، أو نواديَ خاصة بالشباب يلتقون فيها ويمارسون هواياتهم المفضلة من قبيل الموسيقى أو الرسم أو المسرح، فمن الطبيعي أن يشعر المراهق الذي يعيش في هذه المجتمعات بالملل. وبالتالي فمن الضروري توظيف الوقت في شيء له مردود معنوي ينعكس إيجابًا عليه.
صحيح أن الشعور بالضجر مفيد أحيانًا لأنه ضجر وجودي، بمعنى أنه يساعد المراهق على التفكير في حياته ومستقبله شرط أن لا يفصل نفسه عن محيطه الاجتماعي. ولكن حين يؤدي الملل إلى الانزواء وعدم التواصل مع الأصدقاء الحميميين، فمن الضروري معرفة الأسباب فربما تعرّض المراهق لعنف من أحد أصدقاء «الشلة». ولكن في الوقت نفسه على الأهل ألا يلحوا على ابنهم أو ابنتهم لمعرفة الأسباب أو يبدوا رأيهم في الموضوع، بل عليهم أن يتركوا له (ها) مبادرة التحدث عنه، طالما أن الأمر مجرد مشكلة عابرة.
يعترض الأهل وأحيانًا يشعرون بخيبة أمل حين يسمعون ابنتهم المراهقة مثلا تقول إنها تشعر بالملل رغم توفير كل متطلباتها؟ فمن الخطأ الشائع توفير الأهل كل متطلبات المراهق بشكل مبالغ فيه، ما يحرمه متعة التحدي. فحين تتاح له كل الأمور من دون قيد أو شرط وفي سن مبكرة، فلن يعرف قيمة ما يحصل عليه ويشعر بالملل الذي ربما يؤدي به إلى تجربة أمور تكون نتائجها سلبية على سلوكه الاجتماعي، من قبيل الانحراف مثلا. فبعض الحرمان المادي ضروري شرط أن يرافقه حوار بين الأهل والمراهق.
ما علاقة مواقع التواصل الاجتماعي بشعور المراهق بالملل؟
لا يمكن تجاهل دور الشبكة العنكبوتية وتطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي، في حياة المراهقين بعامّة. وأشارت التقارير الأخيرة إلى أن 75 بالمائة من المراهقين يستعملون خدمة «اليوتيوب»، وغيرها من تطبيقات الشبكة العنكبوتية بشكل دائم. ولكن لا يمكن القول إن استعمال المراهق لتطبيقات التواصل الاجتماعي يبعد الملل، لأنها أصبحت من الأمور الروتينية التي يستعملها المراهق بشكل تلقائي أثناء قيامه بعدّة أمور، مثلا تجد مراهقًا يدرس وفي الوقت نفسه يستعمل تطبيق «السيلفي» مثلا وينشره على موقعه الخاص. ومع ذلك تجده أحيانًا يضع تعليقا مثل «أنا أشعر بالملل». إذن هذه الأمور لا تبعد الملل بل أحيانًا وعن طريقها يعبّر المراهق عن مشاعره. علما أن تجنيب المراهق الشعور بالملل يتطلب إشراكه في نشاطات تتطلب مجهودًا فكريًا أو جسديًا، من قبيل ممارسة الرياضة التي يحبّها أو أي هواية أخرى لديه.
ما تأثير الملل على المراهق؟
يولد الملل طاقة سلبية يمكنها أن تؤدي بالمراهق إلى الاتجاه نحو السلوكيات غير المقبولة أو الخطيرة مثال التدخين وشرب الكحول، والتعرّف إلى أصحاب السوء، والانضمام إلى جماعات مشبوهة، وما شابه ذلك. ويمكن أن يؤدي الملل أيضا إلى شعور المراهق بالقلق والاكتئاب والميل إلى الانعزال والاندفاعية والإجرام، وجميعها أمراض نفسية تتفاقم لتصل بالمراهق إلى مرحلة خطيرة.
لتفادي ملل المراهقين
✹ الحصول على وظيفة: يتمتع المراهق بطاقة كبيرة وإذا تمّ إرشادها بالعمل، فالنتيجة ستكون إيجابية له إن لناحية الخبرات والمهارات التي سيكتسبها، وإن لناحية المجتمع، فإننا نسعى للحصول على أعضاء فعّالين ومنتجين.
✹ الرياضة: من خلال الانضمام إلى ناد أو فريق، فالشعور بالانتماء والسعي وراء هدف مشترك يعطي طاقة إيجابية.
✹ العمل الاجتماعي: عبر التطوّع في الجمعيات الأهلية أو الكشفية للمساعدة في جميع المجالات، مثال تعليم الأيتام، ومساعدة المسنين، وتنظيف الشواطئ وما شابه.
✹ تنمية الهوايات: يكون ذلك بأن يمضي المراهق وقته في القيام بما هو ممتع له وربما يساعده في ما بعد ليكون مجاله العملي، مثل الرسم أو الموسيقى أو البرمجة وما شابه.
✹ الرحلات والأنشطة الترفيهية: هناك العديد من النوادي والجمعيات التي تنظّم هكذا رحلات لاستكشاف الطبيعة ولتمضية الوقت في تقصي حقائق الأشجار والنباتات واستكشاف المحيط وما شابه.
✹ العمل المنزلي: تحدّد مجتمعاتنا الشرقية دور العمل في المنزل بالأم ومن يساعدها إذا وجد، ولكن ذلك غير صحيح، ولا يجوز أن تقتصر المساعدة على البنت المراهقة، بل المراهق أيضًا فهو فرد من الأسرة وإشراكه في المسؤوليات المنزلية مهم جدًا لتدريبه لما بعد حين يصبح هو صاحب المسؤولية. ودليلنا على ذلك أن أهم الطباخين هم رجال، وأهم مصممي الأزياء أيضا هم من الرجال، ولهذا يجب ألا نفرق بتقسيم العمل المنزلي بين المراهق والمراهقة.
✹ الكتابة: على المراهق عندما يقع في براثن وحش الملل، أن يبدأ في كتابة مشاعره وأن يصف إحساسه، ويكتب حتى وإن كان الكلام غير منسق ولا جيد.. المهم أن يخرج المراهق إحساس الملل الذي يسكن داخله على الأوراق، وعندما يمزق هذه الأوراق ستتمزق معها مشاعر الملل.
✹ التخيل: من أهم أسباب الإحساس بالملل رفض المراهق للواقع الذي يعيشه، وهنا إذا استطاع المراهق أن يفكر ويتخيل مستقبله وما شكله وكيف يمكنه أن يخطط له وما هو الواقع الذي يود عيشه، فهذه الحالة من التخيل تولد الطاقة الإيجابية في نفسه وتجعله قادرا على مواجهة الملل القابع بداخله.
✹ مساعدة الآخرين: من أفضل الطرق للقضاء على الملل البدء في الخروج من القوقعة والدخول في الحياة الاجتماعية، فعندما يستطيع المراهق أن يرسم بسمة على وجه أحد أو أن يساند شخصا ويقدم له المعونة، وقتها لن يجد الملل مكانا في نفسه أو في حياته.