شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

ماكرون… شطط وارتجال

 

جمانة فرحات

 

تبعث تصريحات/ مقترحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على التساؤل بشأن أهدافها الحقيقية، خصوصا التي تقع في خانة غير القابلة للتحقق. ما قاله، قبل أيام، بشأن احتمال إرسال أوروبا قوات إلى أوكرانيا كان الأحدث. ما هي إلا ساعات بعد قوله، حتى كان جميع «الحلفاء» والأعداء بالاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، بمن فيهم الإدارة الأمريكية، يتنصلون منه ويدحضونه قبل أن ينضم إليهم حلفاء فلاديمير بوتين في كيل الوعيد والتهديد، في حال اللجوء إلى هذا الخيار. وهؤلاء تحديدا يصب ما هددوا به في خانة الاستعراض لا أكثر، لأنهم يعون جيدا أنه لن يجد طريقه إلى التطبيق.

ولا يمكن افتراض أن الرئيس الفرنسي لم يكن يعرف حجم التحفظات على مثل هذا المقترح، وأنه عمليا غير قابل للتحقق، لكن ذلك لم يمنعه من رميه على الطاولة خلال حديثه عقب مؤتمر دعم أوكرانيا الذي استضافته باريس، قبل أيام…

ليس كافيا تفسير الأمر اختبارا جديدا للحلفاء وإظهارهم بموقع المترددين والعاجزين عن الذهاب بعيدا في دعم أوكرانيا، وإن كان ماكرون محقا في تعويله على أن لا شيء مستبعد في المعركة مع روسيا، إذ سقطت مع الوقت تحفظات أوروبية عديدة بشأن تسليح أوكرانيا، سواء بالدبابات أو الطائرات أو الصواريخ بعيدة المدى. وما هو مرفوض اليوم لا ضمانة بأنه سيبقى كذلك في المستقبل.

على الأغلب، يعيش ماكرون يوميا هاجس إظهار نفسه في موقع زعيم أوروبا على حساب باقي الدول، وتحديدا ألمانيا، وهو ما قاده للتصادم علنا معها في أكثر من قضية. لكن من الخطأ الاعتقاد أن هذا الطموح يقتصر على قضايا تتعلق بأوروبا أو ملف أوكرانيا. وما أدلى به عقب عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر بمثابة دليل إضافي… فبعد نحو أسبوعين على العملية، تمادى في إظهار دعمه لإسرائيل إلى حد أنه اقترح، عندما ظهر إلى جانب بنيامين نتنياهو في القدس، توسيع التحالف الدولي ضد تنظيم داعش لمحاربة حركة حماس. يومها، أخبرنا ماكرون بثقة زائدة أن «فرنسا مستعدة لأن يحارب التحالف الدولي ضد داعش، الذي نشارك فيه بعمليات في العراق وسوريا، حماس أيضا». ولم يتردد للحظة وهو يقول إن القتال ضد الحركة «يجب أن يكون بلا رحمة».

لم يجد مقترح ماكرون من يتبناه بين الحلفاء، حتى أن مكتبه اضطر، بعد هذا التصريح، إلى التوضيح أن «الفكرة فحواها الاستلهام من الائتلاف، وأن فرنسا مستعدة لتناقش مع إسرائيل وشركائها الأمور التي قد تكون ذات صلة بمواجهة حماس»، وأن «التحالف الدولي ضد داعش لا يقتصر على العمليات على الأرض، بل يشارك أيضا في تدريب القوات العراقية وتبادل المعلومات بين الشركاء ومكافحة تمويل الإرهاب». ولم يمض كثيرٌ من الوقت، حتى كان ماكرون يدعو، بعدها بأسابيع، إلى مؤتمر إنساني بشأن غزة بفرنسا.

يريد ماكرون أن تكون ولايته الرئاسية الثانية مليئة بأدوار تعيد للدبلوماسية الفرنسية بعضا من «أمجادها»، عقب سنوات من التراجع وتلقي الضربات بإفريقيا أو الشرق الأوسط، سواء من الولايات المتحدة أو روسيا وحتى الصين. ولا يمكن تجاوز الصفعة التي تلقاها من أمريكا وأستراليا في ما تُعرف بـ«أزمة الغواصات».

لكن حتى اليوم تصطدم جميع المحاولات بعقبات عدة، وغالبا ما تجد مقترحاته طريقها للتبخر لا التبني أو التطبيق. فقدان التأثير مرده ليس فقط إلى تراجع الدور الفرنسي، بل أيضا استراتيجية الارتجال التي يتبناها ماكرون، وتعود عليه بنتائج عكسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى