ماذا بعد كرسي العجلات؟
يونس جنوحي
في الوقت الذي يراقب المتابعون لقضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مجريات تطورات المشاكل الاقتصادية وتحديات المناخ، وحتى مشاكل الحدود والصراعات، فإن الجزائر تصر على أن تجعل سياستها الداخلية دائمة الجمود، على إيقاع الحفاظ على التوجه نفسه القاضي بدعم عبد العزيز بوتفليقة.
لقيت الدعوة الرسمية من المغرب لطي صفحة الخلاف وبدء علاقات جديدة مع الجزائر، استحسان مراقبين دوليين قبل بضعة أشهر، لكن الطرف الجزائري لم يقدم إلى الآن أي إشارات تدل على حُسن النية.
بوتفليقة ينتمي إلى العهد القديم الذي كان فيه الرئيس الأسبق هواري بومدين، خصوصا عندما كان وزيرا للدفاع قبل بداية السبعينات، يخطط سريا لاغتيال الملك الحسن الثاني. وهي التفاصيل التي تحدث عنها قاتل مأجور من أمريكا الجنوبية، يقضي عقوبته في سجون فرنسا بعد تورطه في عمليات تجسس على دول كثيرة، والعمل لصالح أنظمة عسكرية وانقلابية، وأيضا تهريب السلاح. يلقبونه بـ«ابن آوى» لأنه كان ماكرا.. ما علاقة عبد العزيز بوتفليقة بالموضوع؟
الجواب أن بوتفليقة كان وزيرا للخارجية عندما كان بومدين، رفيقه في السلاح والكفاح والحكم، يخطط لاغتيال الملك الحسن الثاني سنة 1972 في المغرب وليس في مكان آخر، بالاعتماد على العميل القادم من أمريكا الجنوبية وبالتنسيق مع عسكريين عينهم بومدين بعدما أصبح رئيسا للجمهورية، لمتابعة الخطة معه.
بوتفليقة، الذي ينتمي إلى هذا السياق، ظل في قلب الحدث وداخل الدوامة وليس خارجها. كان مقربا من الرئيس بن بلة، وتعزز وجوده داخل دواليب الدولة مع الهواري بومدين الذي قوّى توغل العسكر في مؤسسة الرئاسة. رغم أنه كان مدينا للرئيس الأسبق بن بلة الذي كانت له علاقات طيبة مع المغرب.
بقي بوتفليقة وجها من وجوه الأزمة، فقد كان وزيرا للخارجية عندما كانت العلاقات مع الملك الحسن الثاني مقطوعة تماما. وبقي في المسؤولية عندما بدأت الأجواء تتلطف بعد رحيل بومدين من السلطة والحياة السياسية لبلاده. وزار المغرب مرات كثيرة في مناسبات مختلفة تجمع بين الانفراجات والأزمات.
وفي الثمانينات، كانت الجزائر غارقة في أزمتها الداخلية ولم تقطع الدعم عن البوليساريو رغم ضراوة الحرب على الجبهة. وفي التسعينات أصبح بوتفليقة سيد الصورة بامتياز، إلى أن جاءت فترة «الوئام المدني» ليصبح الشخصية الأولى في الجزائر، خصوصا بعد انقطاع أنهار الدماء بين العسكر وجبهة الإنقاذ.
في نهاية التسعينات، كان الملك الحسن الثاني يودع الحياة وهو يعلم أن الخلاف مع الجزائر لن يتم حله، ما دامت الوجوه التي عاصرت الأزمة، بل وكانت وجها من وجوهها، باقية في السلطة. رحل الكثيرون وبقي بوتفليقة.
في جنازة بن بلة سنة 2012، تعمدت الجزائر استفزاز المغرب في قلب مراسيم تشييع جنازة الرجل الجزائري الوحيد الذي كان صديقا حقيقيا للمغرب.
ها نحن أمام أصوات تدعو للتجديد لبوتفليقة ودعمه للبقاء في السلطة، رغم أن الرجل يعيش فوق كرسي عجلات ويتحرك، إن تحرك فعلا، بمشقة. هل ستفتح الحدود بين المغرب والجزائر في الولاية الخامسة لبوتفليقة، بعد أبريل المقبل؟ أم أننا نحتاج أولا إلى إنزاله من الكرسي.. كرسي العجلات طبعا..