شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

ليس دفاعا عن الملك عبدالله

د. خالد فتحي

توجد الأمة الإسلامية والعربية والشرق الأوسط في منعطف خطير جدا. منعطف برهانات مصيرية ووجودية غير مسبوقة. ظهر ذلك واضحا وجليا في المشهد الذي جمع ترامب بالملك عبد الله عاهل الأردن خلال اللقاء الصحفي المثير للجدل الذي ترأساه معا.. لقد رأينا هناك، وأمام الكاميرات رئيسا بمعية أو في مواجهة ملك.. كانا بمثابة شخصيتين متناقضتين: شخصية مندفعة متعطشة للظهور بعد أن عادت للحكم بعد انقطاع، وشخصية دبلوماسية جدا، لها تقديراتها الخاصة، وتتصرف بلباقة وحصافة عالية.. التوتر والغضب كانا باديين على الملك، وهذا أمر إيجابي يحسب له يعكس عدم رضاه البالغ عن تصريحات ترامب. ولذلك، ورغم كل شيء، ورغم التأويلات المغرضة التي لجأ لها البعض، يمكن أن نقول إنه قاوم الضغوط، ولم يفرط بالقضية الفلسطينية، ولم ينسق وراء الرغبة الجامحة لترامب لتمرير تهجير سكان غزة وامتلاكها.

ولذلك، فإننا لنتعجب من كل هؤلاء المحللين العرب الذين لا يملكون إلا سلاح البلاغة، كيف لهم أن ينتظروا من الملك أن يعارض صراحة ترامب في عقر داره؟ هل كانوا يريدون منه مثلا أن يبين عن عنترية خرقاء في مثل هذا الموقف الصعب الذي حشر فيه بشكل مفاجئ؟ أم كانوا يتطلعون منه أن يستبق باسم الأردن قرارا المفروض فيه أن يكون قرارا جماعيا للدول العربية؟

لقد كان من الأجدر بكل من يتحدث من برجه العاجي في كل صغيرة وكبيرة ويفتي في كل شيء، أن يتريث، وينصف، ويناقش تصريحات الملك في سياق هذه المطامع التي ما فتئ يعبر عنها ترامب بعد دخوله البيت الأبيض، حتى ضد حلفائه، حين دعا كذلك لضم كندا للولايات المتحدة الأمريكية، أو لما أراد الاستحواذ على جزيرة كرينلاند الدانماركية، والاستيلاء على قناة بنما، أو هدد الأوربيين أصدقاءه التاريخيين بحرب تجارية لا تبقي ولا تذر، من قبل حتى أن تتفتح شهيته أكثر ويتوجه للمسلمين وللعرب بهذا الاقتراح الغريب.

كان عليهم أن يستحضروا أن ترامب يمثل حالة مختلفة لا زال يحار في التفاعل والتعامل معها أغلب قادة العالم.

لم يساير الملك إذن الرئيس في شطحاته، ولذا لا يمكن أن نزعم أنه باركها، أو أنه رضخ لها، فقد فضل عوض ذلك أن لا يصطدم به وأن يوجه له رسائل مبطنة، إن لم يكن بمقدوره هو استيعابها، فقد استطاع العالم أن يستوعبها.

قال له كلاما عاقلا ينضح شهامة وإنسانية. وهو أن الأردن مستعد لاستقبال 2000 طفل فلسطيني للعلاج، وكأنه ينبهه إلى ما تحتاجه غزة المكلومة الجريحة الآن، ويذكره في نفس الوقت بالفظاعات التي كانت خلال الحرب عليها، والتي ينتظر ممن ساند إسرائيل التكفير عنها، ويظهر له استعداد الأردن للقيام بواجبه كدولة جوار مسؤولة تجمعها بفلسطين أواصر الدم والتاريخ والمصير المشتركين. بل لقد زاده من الشعر بيتا، لما طلب منه أن ينتظر الرد العربي الذي ستفرج عنه القمة العربية المزمع عقدها بالرياض، بالإضافة إلى ما ستسفر عنه الخطة المصرية بشأن إعمار غزة من إجراءات عملية. لقد قام الملك بإرجاء موقف الأردن إلى ما بعد لقاء الزعماء العرب، لأنه أراد أن يقتسم العرب جميعا هذا القرار. وهذه مقاربة مقبولة جدا في ظل الملابسات الحالية للقضية.

لم يكتف الملك بذلك، بل غرد بعد اللقاء على “تويتر” موضحا ومؤكدا الموقف الأردني الواضح جدا. للملوك بالتأكيد أسلوبهم الخاص المختلف، فرغم تفاوت الثقل السياسي والاستراتيجي بين أمريكا والأردن، تبقى مثل هذه القاعدة قائمة وصحيحة.

أبدا لن تكون المنحة الأمريكية مقابلا لتصفية القضية الفلسطينية، هذا ما فهمته من موقف الملك عبدالله، وهذا ما أكدت عليه كل أطياف الشعب الأردني ملكا وبرلمانا وشعبا. فلماذا جلد الذات الذي تخصص فيه البعض، ولماذا المسارعة إلى المزايدة والى التخوين وإلى الكلام الحماسي البلاغي المنفلت الملقى على عواهنه؟ لننتظر إذن ما ستسفر عنه التحولات، بل لماذا لا نبني على موقف الملك عبدالله موقفا أكثر وضوحا وحزما يصدر هذه المرة باسم الأمة العربية فيكون أكثر ثقلا ووجاهة. الملك اختار أن لا يساير ترامب، وبالتالي هو فضل التدرج في إعلان الموقف العربي الرافض للمخطط الأمريكي. هذا الموقف الذي كان من المفروض أن يأتي لاحقا وبأسرع وقت ممكن. ولذلك رجائي للمحللين العرب أن يخلقوا بداية أجواء مثل هذا الرد الشجاع، لا أن يشيعوا روح الهزيمة في الأمة. الكرة في ملعبهم أيضا. عليهم شحذ الهمم ونشر ثقافة النصر. ليس هناك أمريكا فقط من أعلنت طمعها وتحرشها بغزة، بل هناك أيضا تركيا التي أخذت بدورها تطالب بغزة بوصفها وريثة الخلافة العثمانية التي كانت ذات يوم تبسط نفوذها على فلسطين وعلى غالبية أجزاء الوطن العربي.

إننا نمر بفترة حالكة جدا. وإذا كنا سنواجه الولايات المتحدة الأمريكية، فإننا حتما لن نربح المعركة بولايات عربية متفرقة. والسلام.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى