بقلم: خالص جلبي
هذه رسالة جاءتني من أخت فاضلة من خط النار في غزة، رأيت أن أحافظ على كلماتها وردي عليها:
جهينة غزة: عام جديد دخل علينا.. قضينا أول لياليه تحت قصف صاروخي وقذف مدفعي رهيب.. كانت ليلتنا الماضية صعبة جدا، لم نعد نميز أي الليالي هي أشد وأقسى وأوجع.. صوت المدفعية بات أقرب إلى مسامعنا الليلة من كل وقت مضى.. وهذا يعني أن الاقتحام البري تجاوز ثلاثة أرباع خان يونس، وبقي بينه وبين المنطقة الإنسانية قيد أنملة.. وهذا يعني أن الخوف والرعب سيزداد.. أما قصف الطيران فقد كان الليلة جنونيا.. أما الزنانة (طائرة بدون طيار) فصوتها المزعج قادر على أن يطرد النوم من عينيك طوال الليل، وأن يجعلك تجلس على فوهة بركان وأن تحترق أعصابك وتصبح لهيبا يشتعل دون أن تنجح ولو للحظة واحدة في هدوء عارض أو سكينة تستجمع فيها ما تبقى منك.
بعد صلاة الفجر بكيت حرقة نتيجة قصف الطيران المتوالي والعنيف، وتساءلت لماذا يحدث كل هذا؟
هل هو عقاب من الله تعالى لنا بأن دمر غزة تدميرا؟ أم هو ابتلاء ليمتحن المؤمنين منا؟ أم هو سنة كونية وقانون إلهي أن لكل أمة أجل وكتاب؟
تساءلت أليس فينا رجل صالح يدعو فيستجيب الله له بأن يرفع هذا الكرب العظيم عنا؟ أم أن الدعاء لا يستجاب، لأن هذا أوان الفعل والعمل، فأمة المليار ونصف المليار مسلم كان يجب عليها نصرتنا، ولكنها لم تفعل، فلا يستجاب معها أي دعاء، سوى ما يدعوه الفرد لنفسه بأن ينجو هو وعائلته من حرب أكلت الأخضر واليابس.
وتساءلت من أين يأتيني هذا اليقين بأنني سأنجو من هذه الحرب أنا وعائلتي وأهلي، وأننا سنخرج منها سالمين غانمين لا فاقدين ولا مفقودين؟
وتساءلت هل الله راض عني أم غاضب؟ هل يحبني أم لا، عندما جعل هذه البقعة من الأرض مكاني ومقامي؟
وتساءلت أين الحقيقة في كل ما نسمعه ونشاهده ونعايشه؟
وتساءلت هل سيأتي ذلك اليوم الذي سأحمد الله فيه على نعمة الأمن والأمان والنوم؟
وفي خضم كل هذه التساؤلات والتي بدت بدون إجابات جازمة أو قاطعة .. بكيت واسترجعت وحمدت الله على نعمه التي أنا فيها.. فأنا أفضل حالا من كثير من أبناء شعبي المشرد في العراء وخيم النزوح.
جهينة من تحت القصف والنار
[01-03, 05:01] خالص جلبي: المكرمة جهينة غزة: وأنا أقرأ كلماتك الحزينة، مرت في مخيلتي أيضا صور حزينة عبر التاريخ من الفزع الأعظم. فلسطين حاليا محرقة لم تعرف الهدوء، إلا مع العهدة العمرية إلى مذبحة القدس الكبرى، مع الحملة الصليبية الأولى عام 1099 م. ففي عام 16 هـ، سافر الخليفة عمر بن الخطاب إلى القدس لتسلم مفاتيح المدينة. من شوال 15 هـ، الموافق نونبر 636 م إلى ربيع الأول 16 هـ، الموافق أبريل 637 م. الفتح الإسلامي لمدينة القدس، أكد توطيد السيطرة الإسلامية على فلسطين، والسيطرة التي لم تهدد مرة أخرى حتى الحروب الصليبية في أواخر القرن الحادي عشر وعبر القرن الثالث عشر. وبقيت الحمى المجنونة في سبع حملات، استغرقت 171 سنة مع أسر الملك لويس في المنصورة (بحار سفن الحملة الصليبية السابعة إلى مصر لويس التاسع ملك فرنسا. في 24 جمادى الأولى 646 هـ، الموافق في 25 غشت 1248م، أبحر لويس من مرفأ إيجو– مورت بالفرنسية Aigues-) Mortes): وتبعته سفن أخرى من المرفأ نفسه ومن مرسيليا. كان الأسطول الصليبي ضخما ويتكون من نحو 1800 سفينة محملة بنحو 80 ألف مقاتل بعتادهم وسلاحهم وخيولهم)، ثم حملة بيبرس الشركسي لتطهير فلسطين من بقايا القلاع الصليبية.
وبالمناسبة هناك معلومة لا يعرفها إلا الباحثون في ظلمات التاريخ، أن لمعان معركة حطين واسترداد القدس على يد الكردي صلاح الدين، انتهت بإعادة القدس على يد الملك الكامل، أخو صلاح الدين، إلى الملك الصليبي فريدريك الثاني بموجب اتفاقية يافا، وهي اتفاقية وقعت بتاريخ (22 من ربيع الأول 626هـ = 18 من فبراير 1229م) بين فريدريك الثاني والسلطان الكامل ناصر الدين محمد.. ثم هدأت فلسطين ستة قرون تحت المظلة العثمانية، حتى جاء الجنرال ألنبي، ثم تكلل الخسوف الكامل مع وعد بلفور، وتدفق الصهاينة مع غش عدد كبير من اليهود في العالم بأرض تفيض لبنا وعسلا (وفي 11 دجنبر 1917م دخل الجنرال إدموند ألنبي القدس سيرا على الأقدام، بعد انسحاب العثمانيين الذين دامت سيطرتهم على هذه المدينة 400 سنة كاملة 1517- 1917)، وهو ما نشاهده أيضا من قتلى يهود من فرنسا وبريطانيا وعجم وهنود. لقد أخطأ اليهود جدا في حماقة تاريخية، بزرع أنفسهم على ظهر بارجة أوروبية إلى بحر يتفجر بتسونامي من حين لآخر ويغرق أكبر بارجة، كما حصل مع حملة قوبلاي خان على اليابان عام 1266، 140 ألف رجل بقيادة أراكان، أعظم قائد عسكري مغولي، فاختفى في أيام، ولم يعرف السر إلا من قريب، فقد افترسهم التايفون الريح الإلهية. في قناعتي العميقة أن ياهو النتن غامر بعنقه في مستنقع لن يخرج منه إلا إلى السجن في أحسن أحواله مرذولا، حتى لو استفحل القتل والدمار، فالشعب الفلسطيني ماص للصدمات اعتاد الموت. ومن لم يهب من الموت، منح الحياة بدون تردد. ستمضي هذه الأيام النحسات فقد عاشتها شعوب كثيرة. رسالتك الأخيرة عن غزة سوف تنشر في جريدة «الأخبار»، وهذه أيضا مع تعليقي عليها. حاليا أنا أجهز لخطبة الجمعة القادمة عن عذاب المسيحيين في التاريخ، وكيف كانوا يحرقون مشاعل للوقود، وآخرون يلقون إلى الوحوش الجائعة كما جاء في فيلم «كوفاديس»، ومعناها اللاتيني إلى أين؟ وكانت رسالة لبطرس الرسول أن يعود إلى روما فلا يغادر كي يصلب هناك. عانى المسيحيون ثلاثة قرون، وهو المغزى العميق من سورة «البروج» تذكيرا بالمحارق، وسورة «الكهف» البشرى بالانتصار المكلل فقد دخلوا في نومة طالت 300 سنة ميلادية و309 هجرية، كما جاء في آية سورة «الكهف»، ليستيقظوا على النصر البهيج، لكن مع ذلك وهو الخوف الأكبر من المنزلقات، فقد ضاع كثير من المسبحيين في جدل لاهوتي عقيم، كما يكرر الناس جدلا بيزنطيا ويضحكون كناية عن العبث، أو بالتورط في حروب صليبية كما ذكرت لك. وورط الغرب اليهود مجددا في حملة صليبية ثامنة، ستنتهي بالفشل كما انتهت من قبل السبع المثاني. ولا ننس الفضيحة العظمى في محاكم التفتيش التي حكم عليها البابا السابق الراحل البولندي كارول فويتيالا (يوحنا بولس الثاني)، بأنها سبة وعار في جبين المسيح، وفتح الباب لبيريسترويكا داخل الكنيسة، وفتح الباب إلى 4500 ملف سري، لاطلاع الباحثين على قباحة محاكم التفتيش التي استمرت خمسة قرون، بدءا من عام 1478م بيد الإسبان وامتدت إلى أوروبا، قادها من إسبانيا المعتوه توركيمادا. حتى انفجرت الثورة الفرنسية وقطعت بريطانيا رأس الملك تشارلز الأول عام 1649 (تم إعدام تشارلز الأول بقطع رأسه، يوم الثلاثاء 30 يناير 1649، خارج دار المآدب في وايتهول)، ليبنى البرلمان وتحدد صلاحية الملك ولتولد الديموقراطية، ويحبس البابا والفاتيكان في دولة مساحتها أربعة كيلومترات، بعد أن كان يقسم العالم بين البرتغال وإسبانيا بخط وهمي عند جزر اللازور. اطمئني فالحفرة واسعة أمام التهام الحلم الصهيوني، أما اليهود فلم يجدوا في تاريخهم السلام كما وجدوه في أرض المسلمين، وحاليا أقل الأماكن أمنا في العالم هي دولة بني صهيون. أكرر أنا: كن مسيحيا لا تكن صليبيا.. كن يهوديا لا تكن صهيونيا… كن مسلما لا تكن داعشيا.. كن بوذيا لا تضطهد الروهينغا. بوركت اطلت عليك.
نافذة:
في قناعتي العميقة أن ياهو النتن غامر بعنقه في مستنقع لن يخرج منه إلا إلى السجن في أحسن أحواله مرذولا حتى لو استفحل القتل والدمار