شوف تشوف

الرأي

لوثرة الإسلام

لوثرة الإسلام
المفكر أحمد كنعان أفادنا بالزلزال الذي يحدث الآن في المنطقة، والدعاوى التي تحوم حول التجديد ولوثرة الإسلام، ولاتخلو المقالة من فائدة أعرضها على القارئ للفائدة:
إن الراصد لحركة الدعاة لتجديد الدين الإسلامي خلال هذه الأيام يلاحظ تزايد هؤلاء يوما بعد يوم، بسبب ما في مصطلح «التجديد» ورغبة من هؤلاء في تأييد ما يزعمون من تجديد، وبالرغم من إنكارهم لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها). لكن هؤلاء الدعاة بدل أن ينطلقوا في التجديد من مفاهيم إسلامية، نراهم – على اختلاف مشاربهم – يلتمسون خطوات ثورة الإصلاح الديني في أوربا، التي قادها الراهب مارتن لوثر (1546-1483م) فمن هو مارتن لوثر؟:
إنه قسيس ألماني، كان أستاذا في اللاهوت المسيحي، وهو الذي أطلق شرارة الإصلاح الديني في أوربا، بادئا باعتراضه على «صكوك الغفران»، التي كان «البابا ليون العاشر» في روما يتاجر بالدين من خلالها، وقد نشر مارتن في عام 1517 رسالته الشهيرة المؤلفة من خمس وتسعين نقطة تتعلق أغلبها بالتحرر من لاهوت الكنيسة ومن سلطة البابا، والتحرر من فكرة «العقاب الزمني للخطيئة» وهي الفكرة المحورية التي تقوم عليها العقيدة النصرانية؛ وقد طالبه «البابا ليون العاشر» في عام 1520 بالتراجع عن هذه النقاط التي رأى البابا أنها تنسف العقيدة من أساسها، إلا أن مارتن رفض التراجع، وأصر على قناعاته، فاستعدى البابا عليه الإمبراطورية الرومانية ممثلة بالإمبراطور «شارل الخامس» وطلب منه نفي مارتن وحرمانه الكنسي وإدانة كتاباته بوصفها هرطقة تخالف قوانين الإمبراطورية!
وقد وجد دعاة اليوم إلى تجديد الإسلام ضالتهم في ثورة مارتن، فراحوا يدعون إلى ثورة مماثلة في الإسلام تحت عنوان «تجديد الدين»، ونورد في ما يأتي أهم الخطوات التي انتهجها مارتن في ثورته الإصلاحية، ونذكر الخطوات التي راح يخطوها اليوم دعاة التجديد في الإسلام لندرك مدى التشابه، بل التطابق بين هذه وتلك:
-1 لقد رفض مارتن «السلطة التعليمية» في الكنيسة الكاثوليكية، التي تجعل للبابا القول الفصل بتفسير الكتاب المقدس، واعتبر مارتن أن لكل مسيحي الحق في التفسير.
-2 أكد مارتن مقولة إن «الكتاب المقدس» هو المصدر الوحيد لمعرفة أمور الدين.
-3 عارض مارتن سلطة الكهنوت الكنسي، ودعا إلى التحرر من هذا الكهنوت بحجة أن جميع المؤمنين بيسوع المسيح يتمتعون بدرجة الكهنوت المقدسة، وبالرغم من عدم وجود كهنوت في الإسلام؛ فإن أدعياء التجديد في الإسلام يرون أن علماء الإسلام وفقهاءه يمثلون كهنوتا يجب التحرر منه، ولا يستثنون من هذا حتى فقهاء الإسلام الكبار الذين أجمعت الأمة على علمهم وفضلهم، فالإمام الشافعي (ت 150هـ/ 820م) أسس مبدأ في حرية الرأي فقال: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، وقال الإمام أبو حنيفة (ت 80هـ/ 767م): «هذا رأيي فمن جاء برأي خير منه قبلناه»، وقال الإمام مالك (ت 93هـ/ 795م ): «إنما أنا بشر أصيب وأخطئ، فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة». وقال الشافعي كذلك: «إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط، وإذا رأيت الحجة موضوعة على الطريق فهي قولي». وقال الإمام أحمد أيضا: «لا تقلدني ولا تقلد مالكا، ولا الشافعي، ولا الثوري، وتعلم كما تعلمنا».
-4 قدم لوثر ترجمة خاصة للكتاب المقدس بلغته المحلية بدلا من اللغة اللاتينية، التي كانت هي اللغة الوحيدة التي فرضتها الكنيسة الرومانية في قراءة الكتاب المقدس، فكسر مارتن بهذه الترجمة احتكار الكنيسة لفهم الكتاب المقدس، وقد تسربت أخبار أخيرا تفيد بعزم بعض اللوثريين العرب على إصدار نسخة خاصة من القرآن الكريم باللهجة العامية المصرية، بذريعة تقريب فهم القرآن الكريم إلى عامة المسلمين.
وهذا ما جعل بعض المراقبين المؤيدين لهذه النزعة اللوثرية يبشرون بقرب ظهور «مارتن لوثر الإسلام» أسوة بمارتن لوثر أوربا! بل بلغت الحماسة ببعضهم إلى حد تحديد اسم هذا الموعود، الذي يرون أنه سيخوض معركة الإصلاح الإسلامي حتى النهاية ويحقق لوثرية الإسلام! وقد بلغ من انتشار هذه الدعوة إلى لوثرية الإسلام أنها أصبحت عناوين صحفية في أوربا والولايات المتحدة، بل منحت نفسها حق اقتراح اسم المجدد الذي سيحظى بلقب «مارتن لوثر الإسلام»! وقد تزايد التصريح بهذه الدعوة في مواقف وتعليقات وأعمال أوربية وأمريكية عديدة، منذ أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001، مع تزايد التحذير من الدين الإسلامي وانتشار شائعة إرهاب الإسلام ونشر الخوف من الإسلام (Islamophobia) في العالم.
وغني عن القول إن الإسلام بطبيعته لا يرفض التجديد والإصلاح، ولا أدل على هذا من الحديث النبوي الذي أوردناه في مطلع هذه المقالة، ففيه إشارة واضحة، بل دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى تجديد الدين، كما أن التاريخ الإسلامي الطويل لم يخلُ في أية فترة من علماء مجتهدين مثل «الإمام الشاطبي» وغيره. ومن ثم فإننا مع الدعوة الملحة إلى تجديد الإسلام، لكن مع ملاحظة أن التجديد المطلوب في الميدان الإسلامي يختلف عن التجديد الذي استهدفته ثورة لوثر؛ فتلك الثورة استهدفت أساسا التحرر من سلطة البابا وسلطة الكنيسة الطاغية؛ أما نحن المسلمين فنجد في النص الإسلامي المرجعي مخزونا عظيما للتحرر من الهياكل السلطوية؛ وهذا ما يجعل التجديد المطلوب عندنا غير التجديد الذي أرادته اللوثرية الكنسية الأوربية! وإذا كان مارتن لوثر قد حرص على تحرير الجمهور المسيحي من قراءة النص الديني المرجعي عبر التحرر من لغة الكنيسة الرسمية؛ فإن المسلمين قد تحرروا ابتداء من هذا العائق اللغوي إذ نزل القرآن الكريم بلغتهم الأم، ما جعلهم على صلة مباشرة مع هذا النص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى