لغز الأيام الأخيرة من حياة طبيب الحركة الوطنية
حسن البصري
في إحدى حلقات هذه الزاوية، تطرقنا لقصة الصيدلانية جانين بونا التي يعرفها أبناء كريان سنطرال الأقدمون بدعمها للطبقات ولعناصر الحركة الوطنية، وأشرنا في معرض الحديث عنها إلى علاقتها المتينة مع طبيبين الأول يهودي مغربي وهو الدكتور جورج بريسو، الذي كانت له عيادة قبالة المسجد المحمدي، والثاني مسلم وهو عبد الكريم الخطيب الذي كانت له عيادة في كراج علال.
اليوم نسلط الضوء على حكاية برسيو التي تستحق أن تروى، لأنها ذات حمولة إنسانية أولا ولأنه عانى في آخر أيامه بعدما أصر على الموت في المغرب.
عاش جورج بريسو وزوجته أولغا فورتيني حياتهما بين عين الذئاب حيث كانا يقطنان في فيلا شاسعة قبالة مسبح تايتي، والحي المحمدي حيث كانت توجد عيادته التي كانت مقصدا للعديد من المقاومين وأيضا بسطاء الكريان الذين وصفوه بطبيب الفقراء، وحين بلغ صداه إلى القصر حظي بمكانة خاصة لدى الحسن الثاني، وهو لايزال وليا للعهد آنذاك، حيث راسله عدة مرات ببطائق مجاملات وتهنئة في رأس السنة وغيرها من المناسبات.
عاش الزوجان بريسو وأولغا حياتهما الرتيبة حين تسللت إليهما الشيخوخة، فقد حرصا على ممارسة رياضة المشي بالكورنيش، وزيارة بعض الأصدقاء القدامى، وخاصة الطبيب الفرنسي جيرار بنيطاح الذي كان بمثابة رفيقهما، وحسب بعض المصادر، فإن برسيو كان خال جيرار.
حين تجاوز الطبيب برسيو عتبة السبعين، أغلق عيادته في الحي المحمدي وظل يهتم أكثر بصحته وصحة زوجته أولغا التي أصيبت بالعمى، حينها تسلل إليه الزهايمر وتغيرت حياته بشكل كلي، لاسيما وأنهما لم يرزقا بأبناء.
في فاتح شتنبر 2007، توفيت أولغا وظل زوجها بريسو مذهولا وهو يتابع الموقف الحزين، كان يبكيها بحرقة كلما منحه الزهايمر فسحة لفهم ما يحصل حوله، لكن حدث ما لم يكن متوقعا، إذ حضر جيرار مراسيم الجنازة، ليكتشف أن حارس الفيلا يملك وصية ببيع تركة الطبيب وزوجته له باعتباره خادمهما المطيع منذ ثلاثين سنة، وأنه كان يتعهدهما بالعناية طوال سنواتهما الأخيرة. تقدم الحارس بطلب استعجالي للحجر على الطبيب اليهودي، ليتم تعيين مفوض قضائي للسهر على تدبير ثروة جورج بريسو.
وحسب الإعلامي عبد العزيز الدرعي، الذي تابع القضية عبر ردهات المحاكم، فإن جيرار، قريب بريسو، كشف بدوره عن وصية مسجلة بالقنصلية الفرنسية بالدار البيضاء، تمنحه توكيلا بتدبير شؤون الأسرة، قبل أن يظهر شخص ثالث يحمل وكالة تؤكد أنه وارث للفيلا المذكورة.
في 19 شتنبر2011 توفي جورج بريسو ليتحول الأمر إلى صراع مفتوح بين طرفين، كل منهما يدعي أحقيته في ميراث الطبيب.
“كيف يمكن لرجل في التسعين من العمر، يعاني مرض الزهايمر على كرسي متحرك، وفي حالة ذهنية وجسدية متدهورة، أن يوقع وكالة أو وصية لشخص آخر؟”، يقول جيرار في رسالة موجهة للملك محمد السادس.
تجاوزت القضية حدود المغرب، بل إن المصالح الفرنسية واصلت تحرياتها وأبحاثها للوصول إلى حقيقة لغز ممتلكات بريسو، وانتهى الأمر بالكشف عن بيع فيلا أخرى في ملكيته بباريس، وزادت الوفاة الغامضة لجيرار، مفجر ملف السطو على ممتلكات الأجانب، من لغز القضية التي ألح الملك على أن يفتح تحقيق فيها.