لست رجلا
جهاد بريكي
لا يستطيع أحد إنكار حجم المتعة والراحة التي تتبع جلسة مساج أو عناية بالبشرة والشعر واليدين والرجلين أو حتى بعد حمام لطيف يفوح برائحة الخزامى وماء الورد.. استرخاء لا يشبهه شيء. اعتدنا نحن النساء أن نفرغ كل توترنا والتنفيس عن أنفسنا من البشاعة التي نصادفها كل يوم، نجد في هذه الجلسات وهذه الأماكن نوعا من العزاء، ونوعا من الاهتمام الذي ينسينا شيئا من عبوس الوجوه ولؤم القلوب. لكن لا يعتبر ذلك شيئا معيبا إذا قام به الرجل!؟ أليس من حقه هو أيضا أن يهتم بجسده وبشرته ورائحته وشعره وأظافره ومسام وجهه!؟
الجواب تجده عندما تصادف حجم الهجوم والسب واللعن لكل رجل يقوم بهذه الأشياء، اتهامات بالجملة بالدياثة والمثلية والتشبه بالنساء والخروج عن الملة. وكأن الرجل خلق ليكون وحشا ضاريا أشعث أغبر يجري في البراري لا يوقفه شيء سوى رغبات الأكل والنوم والجنس.
منذ أن وعينا بأنفسنا ونحن نعتقد أن الرجل يكون رجلا إذا كان صوته عاليا صاخبا وعلى جبينه انعقدت كل أشكال الغضب وفي كلامه قسوة وغلظة، يمضي عابسا ويعود ساخطا. وعكس ذلك هو أقرب للمرأة منه للرجل. متوتر، يعالج مشاكله بالرفس واللكم، لا يكترث لا لهندامه ولا لجسده ولا للأوساخ المتكدسة تحت أظافره. وأي محاولة منه لتغيير الوضع تجعله محط شكوك وأسئلة في أذهان المجتمع! أي ثقل ذاك الذي يضعونه على هذا الكائن فيصبح حتى اهتمامه بشكله ونظافته ورائحته وراحته وجسمه وألوان قمصانه سبة ومدعاة للريبة.
نموذج الرجل هذا الذي ما زال عالقا في أدمغة العديد من النساء والرجال، والذي لا يسمح للرجل بأن يعيش طفولته وأن يلعب ويقفز ويجري، خوفا من ضياع الرجولة وفقدان الهيبة ولا أن يمارس طقوسه في الاعتناء بمظهره ولغته ومفرداته وتعامله مع النساء، هو نموذج فظيع يكرس للعنف واللامبالاة، فيتهم كل لين لطيف بأنه مخنث، وكل رقيق أنيق الكلام بأنه «عنيبة». عدا عن أن الطامة هي اعتقاد راسخ لدى عدد كبير من النساء بأن عكس هذا النموذج لا يصلح لأن يكون شريكا تعتمد عليه، ففي رواسب التربية التي تلقتها المرأة أن الرجل ما لم يكن فظا غليظا لن يستطيع حمايتها ولا أن يكون سندا مؤهلا لتحمل مسؤولية بيت وأسرة، وإذا لم يصفع خدها ويدمي جبينها غيرة عليها فهو لا يحبها. فتجدهن يبحثن عن صاحب العضلات المنتفخة، والتي تمنحهن نوعا من الشعور بالأمان، والمتجهم الوجه الذي يعربد ليل مساء إذا تأخرت وجبة الفطور، والذي لا يتحرج من سبها بأقذع الصفات وسب المارة في الطريق إذا اعترضوا سيارته أو أزعجوا مروره. معتقدة أن هذا هو النموذج الرجولي الحقيقي والصائب. وتنسب كل هذه السفاهة لكونه رجلا، ومنهن من تفتخر بأنه سريع الغضب ويده تسبق كلامه، منتشية برجولته وفحولته.
يتعرض الرجل في مجتمعاتنا لقيود كثيرة، تماما كالأنثى، قيود تجعله مجبرا على أن يقتفي أثر الغابرين، في أن يكون سيدا وقائدا وجلادا وحاكما مستبدا، وإن لم يفعل، أو اكتشف أن رجولته لا تعني بالضبط أن يكون نسخة لأبي جهل ونيرون، أصيب بلعنات القيل والقال، واتهم بانسلاخه عن الرجولة. إذا كان واعيا بأن لزوجته وأخته وأمه وابنته حقهن في أن يكن كما شئن وأن يمارسن حياتهن كما تمليه عليهن قناعتهن، اتهم بأنه ليس رجلا، وإذا دافع عن وجهة نظر مصدرها أنثى اتهم بأنه ليس رجلا، وإذا اعترض على تجاوزات المجتمع في حق إناثه اتهم بأنه ليس رجلا، وإذا كتب الشعر لحبيبته ليس رجلا، وإذا أبكاه العشق على ضفاف النهر ليس رجلا وإذا دخل المطبخ ليس رجلا، وإذا اهتم بالأطفال أثناء سفر زوجته ليس رجلا أو إذا تجاوز لحبيبته عن أخطائها واختار أن يحافظ على عش بيته – كما يطلب من الأنثى دائما أن تفعل- ليس رجلا.. وكأن الرجولة حظ من قبل بالانصياع لمجتمع تقليدي متنمر يجبر الرجال فيه على أن يرتدوا أقنعة الغلظة والشدة والعنجهية ليكونوا كذلك.
لقد شغلني الموضوع عندما وجدت إحداهن تحدث صديقاتها عن زوج صديقة يسمح لها بممارسة هواياتها الرياضية كما تحب ويستمتع معها بجلسات العناية بالبشرة ويغني معها ويكتب لها الشعر ويهتم بنظافة البيت وشؤونه ولا يتحرج من أن يظهر كل ذلك في العلن، ختمت كلماتها بأن قالت: لقد نضب المجتمع من الرجال. لا أدري هل تعتقد أن الذي يقمع حرية إناثه ولا يتحرج في ملء البيت بقاذوراته هو الرجل الذي تتحسر على ضياعه، أم أن غيرة النساء جعلتها تكفر بالمنطق!؟
في دراسة أجراها عالم الاجتماع الأسترالي مايكل فلود حول الفروق التي تسود بين الرجال المتبنين للنموذج التقليدي للرجولة والرجال الذين لا يؤمنون بهذا النموذج، أبرز من خلال دراسته على ألف رجل، أن 47 في المائة من الرجال المتبنين لهذه المفاهيم ارتكبوا أفعالا عنيفة ومارسوا التنمر اللفظي والبدني خلال فترة شهر مقابل سبعة بالمائة فقط من الجانب الآخر، 46 بالمائة من الرجال المتبنين للمفاهيم التقليدية قالوا تعليقات ذات محتوى جنسي لنساء لا تربطهم بهن معرفة سابقة، سواء في العلن أو على الإنترنت خلال شهر سابق على إجراء الدراسة، مقابل سبعة بالمائة في المجموعة المقابلة. ليؤكد الخبير الأسترالي في سلوكيات العنف ضد النساء والجنس والهوموفوبيا، بأن دراسته توافق عددا كبيرا من الدراسات الأخرى التي وجدت أن الرجال الذين يعتنقون أفكارا مهيمنة عن الرجولة أكثر قابلية للتعرض لمخاطر صحية والانخراط في سلوكيات اجتماعية سيئة.
وربما لو نظرنا إلى تاريخ الأنبياء والمصلحين والأولياء والعباد، من مختلف الديانات والمعتقدات، لن نجد أبدا أحدا منهم قد اتسم بالرجولة التي اجتاحت مجتمعاتنا، رجولة الشراسة والغلظة والعنف، على العكس كانوا من اللين واللطف ما جعل الناس يلتفون حولهم ومن الأناقة والرقة ما جعل رسالاتهم تعبر الآفاق.