لبابة زوجة المعطي بوعبيد التي عاشت في القصر الملكي
حين كان هنري فورد مخترع السيارات يردد قولته الشهيرة “وراء كل رجل عظيم امرأة”، اعتقد خصومه أن الرجل به مس من جنون العشق والهيام، قبل أن يكشف للناس عن الدور الذي لعبته زوجته في مساره، وكيف شدت أزره في الوقت الذي كان كثير من رفاقه وأهله يعتبرون حبه للاختراع مجرد ضربة شمس.
مع مرور الأيام، حصل تعديل بسيط لكنه جوهري في هذه المقولة، فانسحبت كلمة “عظيم” لتحل بدلها “مشهور”، قبل أن تصبح المرأة صانعة مجد الرجال تارة وصانعة نكباتهم أيضا. “الأخبار” تكشف عن دور زوجات المشاهير في تعبيد طريقهم نحو النجومية، وكيف تقمصن دور المستشارات، في زمن كانت فيه المرأة مجرد كومبارس في منظومة الأسرة.
تطبع المعطي بوعبيد بالفكر الغربي دون أن يفرط في ما يربطه من وشائج بالمغرب، إذ عاش فترة هامة من شبابه في مدينة بوردو الفرنسية حيث درس القانون وعاد إلى المغرب حاملا شهادة الدراسات العليا في القانون الخاص، مما مكنه من ولوج عالم القضاء كوكيل للملك في مدينة طنجة، لكنه تألق بشكل لافت في مجال المحاماة الذي شغل فيه منصب نقيب لهيئة المحامين بالدار البيضاء، قبل أن يتأبط مجموعة من الحقائب الوزارية ويصل إلى قمة المناصب الحكومية حين جمع بين وزارتي العدل والوزارة الأولى، فضلا عن مناصبه السياسية كقيادي في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ثم كأمين عام للاتحاد الدستوري، ناهيك عن مسؤوليات أخرى خاصة رئاسته لفريق الرجاء البيضاوي.
ظل المعطي يحظى، لولايات برلمانية عديدة، بثقة سكان دائرة درب الجديد بالبيضاء بالمدينة القديمة، مصرا على تمثيل الرجاء في معقل الوداديين، لكن والده اختار أن يحمله المسؤولية الزوجية مبكرا، حين زوجه وهو في سن الرابعة والعشرين بفتاة مقربة من القصر الملكي تدعى لبابة، درست في المدرسة المولوية مع الأميرات بعدما اختارها محمد الخامس رحمه الله، وقد تعرف عليها المعطي أثناء إقامتها في مدينة البيضاء، إلا أن علاقتها بالقصر لم تحل دون ارتباطها بالمناضل الاتحادي المعطي بوعبيد، بل إنها كانت تشكل، على حد قول ابنها سعد، «صلة وصل بين المعطي والمرحوم الحسن الثاني». وقيل إنها هي التي دفعته لقبول مقترح الملك الراحل الحسن الثاني برئاسة حزب الاتحاد الدستوري سنة 1983.
تلقت الزوجة تعليمها على يد الفقيه الركراكي الذي درسها إلى جانب الأميرات، وهو الذي كان يكلف من طرف الملك الراحل الحسن الثاني لإخبارها ببعض القرارات، بل إن الفقيه هو من اتصل بها ليقترح عليها استوزار زوجها المعطي في منصب الوزير الأول.
حسب سعد بوعبيد، فإن الزواج لم يتأسس على علاقة عائلية كما كان عليه الأمر في تلك الفترة التاريخية، وحين تقدم المعطي نحو والد زوجته عبد السلام العلوي بن إدريس، سليل عائلة القاضي بن ادريس وكشف عن نواياه، تلقى على الفور الموافقة لما عرف عنه من طموح ورغبة ونباهة فكرية، إذ إن الزواج تم من الوسط القانوني، بل إن شقيقها هو المهدي العلوي الذي شغل منصب سفير للمغرب في ليبيا لسنوات.
وتقول الروايات التاريخية إن زوجة المعطي ظلت توصف بـ«ضابطة إيقاع» وبوصلته في حياته السياسية، إذ لم تتردد في تقديم الاستشارة حين يطلبها، بل إن قربها من القصر الملكي جعلها أكثر أهلية لإسداء النصح في بعض المواقف الحساسة، كما أن الملك الراحل لم يجبر الزوجة على تغيير مواقف زوجها مما جعل الود ينساب تحت جسر العلاقات بين الرباط والدار البيضاء.
ولعبت الزوجة دورا كبيرا في وجود المعطي ضمن الصفوف الأولى من متطوعي المسيرة الخضراء، بل كانت تود مرافقته إلى الصحراء للمشاركة في حدث تاريخي لولا التزامات أسرية قاهرة، إذ توجهت رفقته إلى أحد مكاتب التسجيل في الدار البيضاء وسجل نفسه كمتطوع دون صفته ومكانته الاعتبارية والسياسية بالخصوص.
ظلت الزوجة صلة وصل بين المعطي والقصر، وحين مرض الرجل وتسلل المرض إلى جسده، غضب الملك الحسن الثاني من زوجة بوعبيد، لأنها أخفت المرض عن القصر، وقال لها: «الرجل ملك للمغرب وليس ملكا لك وحدك». كان من ثمار هذه العلاقة الزوجية ابن وبنت، سعى جاهدا لتلبية طلباتهما بالرغم من زحمة التزاماته واختناق مواعده، مما جعل الأم أقرب الناس إليهما، لكنه لم يكن يخلف الوعد معهما حين تظهر فسحة في أجندته، إذ يقضي معهما إجازة قصيرة بين البحر والغابة، ملحا على عشقه لـ«الحريرة» التي تعدها الزوجة، لكنه كان صارما معهما مصرا على تذكيرهما بالضوابط القانونية، وبأن مركز والديهما لا يعفيهما من المساءلة. ولقد غضبت زوجته حين أشعر المعطي يوما شرطي مرور بعدم توفر ابنه على رخصة سياقة، وطالبه بالقبض عليه وهو ما حصل.