
يونس جنوحي
قرار الولايات المتحدة الأمريكية تجميد ميزانية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، مسّ قارات العالم الخمس. ولم تظهر مدى قوة تأثير هذا البرنامج إلا بعد قرار «ترامب» تجميد التمويل، وقطع إمداد «الدولار» عن الوكالة.
ونشرت وسائل إعلام مقربة من الرئيس ترامب أن جورج سوروس، الملياردير الأمريكي من أصل مجري، سبق له أن تلقى 260 مليون دولار من الوكالة الأمريكية، واستخدم هذه الأموال لنشر الفوضى والتأثير على بعض الحكومات، بل وتحقيق مكاسب شخصية في كل من سيريلانكا وبنغلاديش وأوكرانيا وسوريا وباكستان والهند والمملكة المتحدة، وحتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا المبرر، الذي استندت إليه إدارة ترامب للتعجيل بتجميد دور وكالة التنمية الدولية، رافقته دعوات إلى التدقيق أكثر في أموال المساعدات الخارجية الأمريكية.
التقارير تقول إن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية منحت على مدى 15 سنة الماضية ما مقداره 270 مليون دولار لمنظمات ظهر أنها تابعة للملياردير «سوروس». ومن بين هذه المنظمات التي قدم التقرير جردا لها: معهد الشرق والغرب، الذي أنشأ شراكات مع مؤسسات تابعة للملياردير المجري وحصل على تمويل من الوكالة.
انكشاف خريطة التبرعات والأعمال الخيرية المسيسة جر انتقادات كثيرة على الإدارة الأمريكية السابقة، في وقت يعبر فيه آلاف الأمريكيين الغاضبين عن أسفهم على توقف برامج كان الهدف من إطلاقها مساعدة الفئات الفقيرة حول العالم وإنهاء الجوع في كوكب الأرض.
لكن من يكون جورج سوروس الذي تابع الأمريكيون أخباره طوال الشهر الماضي، وتأملوا صوره أكثر من صور ترامب الأخيرة؟
رجل بلغ الرابعة والتسعين هذا العام، لكنه لا يزال أكثر حيوية حتى من الرئيس السابق «جو بايدن». أمريكي أكثر من الأمريكيين، رغم أصوله المجرية.
درس الاقتصاد في لندن، وهو ما جعله شبه مقصي في البداية لأنه لم يكن خريج المدرسة الأمريكية في الاقتصاد خلال فترة الخمسينيات.
استقطبه الديموقراطيون في فترة من الفترات، لكن ما سلط عليه الأضواء اقتران اسمه ببرامج المساعدات داخل الولايات المتحدة. ثري تصل ثروته – بحسب التحديثات الأخيرة- إلى 8،6 ملايير دولار أمريكي، تبرع بما يعادل 64 بالمئة منها لصالح مؤسسات المجتمع المفتوح. حتى أن مجلة «فوربس»، الشهيرة بإحصاء ثروات الأثرياء حول العالم، منحته لقب: «المانح الأكثر سخاء». وهو لقب يؤخذ فيه بعين الاعتبار النسبة المئوية للتبرع من صافي رأس المال.
كارهو سوروس، من الجمهوريين خاصة، يقولون إن التبرع لم يكن سوى وسيلة من وسائل تهرب الملياردير المجري من الضرائب، والمراوغة لتقليصها. وها هي الإدارة الأمريكية اليوم توجه له الضربة القاضية بالإعلان عن تشديد معايير التبرع، خصوصا عندما يتعلق الأمر ببرامج المساعدات.
من المفارقات في شخصية الثري الأمريكي ذي الأصول المجرية أنه درس الفلسفة بعد أن تخصص في الاقتصاد، وهي مفارقة «غير أمريكية»، واشتهر وسط الأكاديميين بأنه رجل الاقتصاد الذي استعمل فلسفة «رأس المال» في تدبير الأزمات الاقتصادية التي خرج منها أكثر ثراء، مثل أزمة بريطانيا في التسعينيات.
الحكومات التي كشف التقرير أن أمنها وسياستها الداخلية كانا مستهدفين من خلال برامج الوكالة الأمريكية للتنمية، عبر ذراع مؤسسات الملياردير «سوروس»، دعت إلى ضرورة مراجعة برامج التمويل من المنظمات الدولية. فقد اتضح أخيرا أن الدولار لا يُمنح هكذا جبرا للخواطر، وأن الأمر يتعلق بفضيحة أخلاقية تورط فيها أثرياء بنوا جزءا من مجدهم المالي على تمويل ميزانيات الأعمال الخيرية للمناطق المنكوبة بسبب الحروب والنزاعات.
لا شيء مجاني في النهاية.. هذه هي الخلاصة.