كوفيد 19 وأزمة البشرية جمعاء
المصطفى البوسعيدي
من كان يعلم أن وباء كورونا سيجتاح العالم بلا اعتراف بالحدود والجنسيات، فيروس انتشر بسرعة الريح في الهشيم، وما استطاع أحد صده أو إيقافه؛ حتى من يعتبرون أنفسهم يتحملون رسالة البشرية؛ ويُنصِّبون ذواتهم رمزا للمعرفة والوعي والثقافة، غابت حنكتهم.
لقد انتفت ثنائية المركز والهامش مع كورونا، وتنحت قضية الحراسة في الأرض والسماء؛ فلم تعد فكرة المخابرات؛ أو الفهم مع التحليل تجدي نفعا؛ كما غاب حس التفكيك والتأويل؛ لتستسلم البشرية في الصباح كما في المساء؛ وفي آخر الليل لمحنة الهول والرعب.
ما عدنا نعرف سوى كلمة «الحجر الصحي» التي أعدناها من قاموس المهملات، كلمة تفيد المكوث في البيت؛ بما هو معادل للمستشفى والسجن عن بعد؛ والتأمل في سر الوجود؛ بعدما توقفت العقول عن الوعي والاستيعاب، ما عدا السباحة في سرمدية الحدث.
أصبحت للموت حكاية مع البشرية هذه الأيام؛ وهو يتربص بها في كل مكان؛ كورونا لا يعرف الصغير ولا الكبير، كما لا يعرف الشمال ولا الجنوب؛ إنه طائر بلا أجنحة؛ وطيار بلا طائرة، وعقل بلا جسد؛ من ذا يستطيع تجسيمه؛ أو مواجهته؛ فهو جند يصعب الاقتراب منه؛ الناصح خائف؛ والمنصوح غير عارف. يا للهول من التعايش مع جانحة لا نعرف معناها؛ ولا قدرها ما عدا العودة إلى رب العزة والملكوت.
عدنا نعيش سذاجة أحلامنا بوعي الأشقياء؛ فتعثرت خطواتنا بين دروب القرية الهادئة؛ وكأنها تترجل لمواجهة الفاجعة الغيبية؛ كل ذات رهينة مصيرها الأليم، لا تفكير في الغير؛ سوى الترقب والتحسس عسى النصر من الله قريب؛ بعدما غاب حس الانتماء، وسلطة الرأي؛ وأنفة التضخم. كم أربكني سؤال أحد تلامذتي الذي خاطبني هاتفيا؛ أستاذ: ما مصير البكالوريا هذه السنة؛ وأنا الذي أحلم بتأبط الشهادة من أجل الدراسة في فرنسا؛ هل سيموت العام بلا ميعاد يذكر؛ فأجبته بلا تأكد: ما مصير فرنسا، وأنا وأنت؟ وغيرنا.. من يعلم؟ ومن؟
مات بعض الأحبة؛ كما ماتت بعض المخططات؛ وتبخرت بعض الأحلام بأراضي الهجرة؛ فاختلطت الأخبار؛ وتنوعت الزائفات؛ ولا أحد يشكل مصدر ثقة؛ سوى استمرار جائحة كورونا. ليتأكد الجميع أن وعد السماء لا تُبطله قرارات الأرض، وتعَدِّله اجتماعات الكبار؛ إن لم يكتمل وقته.
أمنياتي للجميع بالحفظ والصحة؛ ودعائي إلى لله بالرحمة لا العذاب؛ فنحن الضعاف وهو القوي؛ فما العلم ينفع؛ ولا التفلسف يقنع؛ ولا التظاهر يسرع؛ فمِنا لك ربي الدعاء، ومنكَ لنا الاستجابة، وما علينا إلا القول كما قال أسلافنا:
دعِ المقاديرَ تجْرِي فِي أعِنّتهَا ولا تَبِيتنَّ إلاّ خَالِيَ البــالِ
ما بين غمْضَةِ عَيْنٍ وانتبَاهتِهَا يُغيِّرُ اللهُ مِنْ حَالٍ إلىَ حَال