بعد إعلان المرشح الديمقراطي فائزا بالانتخابات الرئاسية الأمريكية بأغلبية أصوات مجمع الناخبين الكبار بالولايات المتحدة الأمريكية، أعلن الرئيس الجديد جو بايدن عدة سياسات وإجراءات سيتخذها مباشرة بعد تسلمه مهامه الرئاسية يوم الـ20 من يناير الجاري وخلال المائة يوم الأولى من مزاولته لمهامه. وأهم ما يميز السياسة التي يعتزم جو بايدن اتباعها التخلي عن النزعة الأحادية التي انتهجتها إدارة الرئيس دونالد ترامب.
سهيلة التاور
في بادئ الأمر، سيسلط جو بايدن الرئيس الأمريكي المنتخب تركيزه الأول على ما هو ضروري وطارئ، وبالنسبة لأمريكا والعالم السيطرة على جائحة فيروس كورونا ضرورة ملحة.
ويسعى بايدن إلى جعل اللقاح الأمريكي ضد كورونا في متناول جميع الأمريكيين، الشيء الذي يمكنه أن ينقذ آلاف الأرواح. وقد تعهد بشراكة جديدة بين القطاعين العام والخاص يطلق عليها اسم “مجلس فحوص الجائحة”، تكون مسؤولة عن تعزيز إنتاج أدوات الفحص وإمدادات المعامل، فضلاً عن تنسيق الحصول على تلك الخدمات. وتعهد بايدن أيضاً بإتاحة فحوص وعلاج ولقاحات فيروس كورونا مجاناً لكل الأمريكيين.
وتلقى الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن الجرعة الأولى من لقاح فايزر- بيونتك، وقال إنه أخذ اللقاح ليُظهر للأمريكيين أنه “آمن للتناول”. وبذلك انضم بايدن إلى عدد متزايد من القادة السياسيين حصلوا على اللقاح، بمن فيهم نائب الرئيس مايك بنس ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي.
وكان اللقاح الثاني ضد فيروس كورونا من إنتاج شركة موديرنا قد بدأ طرحه بعدما حصل على موافقة الجهات الصحية المسؤولة. وتفيد التقارير بأن أكثر من 500 ألف أمريكي تلقوا جرعة اللقاح حتى الآن.
وقال بايدن، الذي حصل على اللقاح على الهواء مباشرة أمام شاشات التلفزيون في مدينة نيوارك بولاية ديلاوير، “أفعل هذا لأثبت أنه يجب أن يكون الناس مستعدين عندما يكون اللقاح متاحا لأخذه”، مضيفا: “لا يوجد ما يستدعي القلق”.
وقال جو بايدن إنه سيطلب من الأمريكيين ارتداء الكمامات في أول 100 يوم له في المنصب للحد من انتشار فيروس كورونا.
وفي مقابلة مع شبكة “سي إن إن”، توقع بايدن تسجيل “انخفاض كبير” في حالات كوفيد-19، إذا ارتدى كل أمريكي الكمامة. كما أوضح أنه سيفرض ارتداء الكمامات في جميع المباني الحكومية الأمريكية قائلا: “في يوم تنصيبي، سأطلب من المواطنين ارتداء الكمامات لمدة مئة يوم. مئة يوم فقط، وليس إلى الأبد. مئة يوم”.
السياسة الخارجية
من وعود بايدن التي لا تنسى أنه منذ أول يوم له كرئيس، سيلغي قرار ترامب بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية، وهي خطوة أثارت انتقادات واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم في ظل وباء كورونا. ويعد الرئيس المنتخب بإرسال رسالة إلى الأمم المتحدة في يومه الأول يطلب فيها إعادة الانضمام إلى اتفاقية باريس، التي تهدف إلى مكافحة الاحتباس الحراري والتي تم توقيعها خلال فترة توليه منصب نائب رئيس باراك أوباما.
ووعد بإصلاح العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة. ويقول إنه سيعمل على التخلص من التعريفات المفروضة من جانب واحد على الصين، ولكنه سيجعل الصينيين مُحاسبين أمام تحالف دولي “لا تستطيع الصين أن تتجاهله”.
وقال بايدن إنه سيعيد الاتفاق النووي الإيراني من عهد أوباما، المعروف رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، التي انسحب منها ترامب في ماي 2018. ومنذ ذلك الحين، خضعت إيران تحت وطأة عقوبات تعتبر أشد ما واجهته على الإطلاق. وبعد عام من انسحاب ترامب، استأنفت طهران أجزاء من البرنامج النووي الذي فككته خطة العمل المشتركة الشاملة.
وقال بايدن لمجلس العلاقات الخارجية: “إذا عادت إيران إلى الامتثال لالتزاماتها النووية، فسأعاود الدخول في خطة العمل الشاملة المشتركة كنقطة انطلاق للعمل جنبًا إلى جنب مع حلفائنا في أوروبا والقوى العالمية الأخرى لتمديد القيود النووية للاتفاق”. وأضاف أن “القيام بذلك من شأنه أن يوفر دفعة أولى مهمة لإعادة ترسيخ مصداقية الولايات المتحدة، مما يوحي للعالم بأن كلمة أمريكا والتزاماتها الدولية تعني شيئًا ما مرة أخرى”.
ويُعتقد على نطاق واسع أن وعد بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي هو السبب وراء رفض إيران العودة إلى طاولة المفاوضات مع البيت الأبيض، في تحدٍ لحملة تعجيزية سعت إلى الحصول على مزيد من التنازلات من طهران. وقال وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، الذي لعب دورًا رئيسيًا في إبرام اتفاق 2015، مرارًا وتكرارًا إن إيران لن تتفاوض على اتفاق آخر.
ويمكن اعتبار انسحاب ترامب من الاتفاق النووي سمة مميزة للشرق الأوسط على مدى السنوات الأربع الماضية، وقد تؤدي عودته إلى دخول المنطقة في المجهول. فعندما سقطت معاقل داعش في السنة الأولى من رئاسة ترامب، بدأ البيت الأبيض في تحويل انتباهه إلى احتواء قوة إيران المتصاعدة، وحارب المقاتلون المدعومون من أمريكا وإيران، دون تنسيق بينهما، من أجل هزيمة داعش.
ومن جانب آخر، وعد الرئيس الأمريكي المنتخب بتمديد صلاحية أحدث معاهدة لضبط الأسلحة النووية بين روسيا والولايات المتحدة، وقال أيضًا إنه يعتزم إطلاع موسكو على نيته القيام بذلك كجزء من إحدى خطواته الأولى في منصبه.
كما وعد الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في اتصال هاتفي بتعزيز العلاقات مع بلادها، حسب ما أعلنه فريق بايدن لوسائل الإعلام. وأوضح بايدن لميركل عزمه إعادة إحياء العلاقات عبر ضفتي الأطلسي ككل من خلال التعاون مع الاتحاد الأوروبي والتعاون داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو).
فالعلاقات الأمريكية الألمانية تردت خلال السنوات الأربع التي تولى فيها دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة. وتأمل برلين الآن في تحسن العلاقات مرة أخرى في ظل إدارة بايدن.
العنصرية والهجرة
بينما كان ترامب يقول إنه لا يؤمن بأن العنصرية تمثل مشكلة هيكلية عامة في أجهزة الشرطة الأمريكية، وقد وضع نفسه بوصفه مدافعا صلبا عن فرض القانون، لكنه عارض تقييد أعناق المعتقلين لتحجيم حركتهم أثناء اعتقالهم، ووعد بتوفير مُنح مالية لتحسين الممارسات الشرطية اثناء عمليات فرض القانون.. ينظر بايدن (في المقابل) إلى العنصرية بوصفها مشكلة هيكلية عامة في أجهزة الشرطة، وقد جهز سياسات للتعامل مع التباينات العرقية داخل نظام العدالة الأمريكي، مثل المنح لتحفيز الولايات على تقليل معدل الحبس والاحتجاز. بحيث وعد بايدن بالعمل، خلال أول 100 يوم له في الرئاسة، على إقرار “قانون المساواة”، الذي يضيف بشكل فعال حماية جديدة للأشخاص عندما يتعلق الأمر بالتمييز على أساس الجنس أو الهوية الجنسية. وتمت الموافقة على مشروع القانون في مجلس النواب في نسخته الحالية في ماي 2019، وهو الآن عالق في مجلس الشيوخ. ومن المتوقع أيضًا أن يوقع بايدن على أمر يعزز التنوع والشمول بين مسؤولي الحكومة الفيدرالية، ومن المتوقع أن ينشئ وحدة جديدة في البيت الأبيض تتعامل مع المساواة بين الجنسين والمرأة على وجه الخصوص.
ورفض بايدن الدعوات إلى وقف تمويل الشرطة، قائلا إن موارد إضافية يجب أن توفر لها بدلا من ذلك، لضمان أدائها ضمن المعايير الصحيحة.
كما اقترح منع الأسلحة الهجومية، ووضع فحص شامل لخلفيات المشترين، وتحديد عدد الأسلحة التي يمكن للشخص الواحد شراؤها: بسلاح واحد في الشهر، وتسهيل عملية مقاضاة مصنعي الأسلحة وبائعيها الذين يتهاونون في ذلك. وسيمول دراسات بحثية أكثر في مجال منع عمليات العنف المسلحة.
ويعتزم بايدن أن يرسل إلى الكونغرس مشروع قانون بشأن الهجرة في اليوم الأول من ولايته، يتضمن سبيلاً للحصول على الجنسية لنحو 11 مليون مهاجر، يعيشون في البلاد بشكل غير قانوني، وهو هدف سعت إليه وأخفقت فيه العديد من الإدارات الأمريكية من الحزبين.
وتعهد بايدن بوقف عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين خلال الـ100 يوم الأولى في السلطة، كما يعتزم إلغاء قرارات حظر السفر التي فرضها ترامب، والتي تفرض قيوداً على المسافرين من 13 دولة، معظمها ذات أغلبية مسلمة أو دول أفريقية.
الجانب الاقتصادي
وعد جو بايدن بعد التحاقه بمهامه الرئاسية بأنه سيلغي عددًا قليلاً من التخفيضات الضريبية للشركات والأسهم الخاصة، على الرغم من أن هذه التغييرات تتطلب موافقة الكونغرس، وهو ما لن يوافق عليه بالضرورة، نظرًا لأن الجمهوريين من المحتمل أن يخدعوه خاصة إذا تمكنوا من الاحتفاظ بأغلبية في مجلس الشيوخ. وقال الرئيس المنتخب إنه سيكثف أيضًا تطبيق السياسة الضريبية الأمريكية الحالية، ويدعم أيضًا منح الحقوق للعمال النقابيين.
وفي الوقت نفسه، تتمثل ركائز خطة بايدن الاقتصادية، للخروج من الأزمة الاقتصادية التي أحدثها وباء كورونا، في نيتها إلزام الوكالات الحكومية بشراء سلع أمريكية الصنع واستخدام الخدمات الأمريكية، على أمل أن تساعد هذه الإجراءات في تحفيز الإنتاج المحلي. ولتنفيذ هذه الإجراءات، لن يحتاج إلى موافقة الكونغرس.
التصالح مع المنظمات
منظمة الصحة العالمية
تعهدت إدارة بايدن بالعودة على الفور إلى منظمة الصحة العالمية والسعي لقيادة الجهود التي تبذلها المنظمة لمحاربة فيروس كورونا. وقد كانت الولايات المتحدة تتمتع بنفوذ كبير في هذه الهيئة الهامة العاملة في مجال الصحة العامة، إذ كانت تساهم بنحو 15 بالمائة من ميزانيتها (تساهم ألمانيا بنحو 5.6 بالمائة). وفي 7 يوليوز 2020، أعلن الرئيس ترامب أن الولايات المتحدة ستنسحب من المنظمة التي تنسق، من بين أمور أخرى، إجراء تجارب اللقاحات على مستوى العالم، اعتباراً من يوم 6 يوليوز 2021.
الأمم المتحدة
هدد ترامب بالانسحاب من هيئة الأمم المتحدة، على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تنسحب حتى الآن سوى من منظمتين تابعتين للهيئة وهما مجلس حقوق الإنسان ومنظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونسكو). وقد أشارت واشنطن في الحالتين إلى معاملة حليفتها إسرائيل بطريقة غير عادلة من قبل هاتين الجهتين.
وفي 19 يونيو 2018، وصفت المبعوثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة آنذاك، نيكي هايلي، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأنه “منظمة منافقة تخدم مصالحها الخاصة وتحول حقوق الإنسان إلى مادة للسخرية”، مشيرة إلى ما وصفته بـ”التحيز المزمن ضد إسرائيل”، كما عبرت عن معارضتها لأن تكون الصين وكوبا وفنزويلا التي تنتهك حقوق الانسان أعضاء في المجلس. ودعت الولايات المتحدة إلى إجراء إصلاحات في المجلس، وكثيراً ما اصطدمت بأعضاء آخرين بسبب دفاعها عن إسرائيل. ويقول المنتقدون إنها تغض الطرف عن الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان.
وأشارت إدارة ترامب إلى مزاعم بوجود صراعات تدور حول تسمية مواقع التراث الثقافي العالمي – التي قالت الولايات المتحدة وإسرائيل إنها تجاهلت الروابط التاريخية اليهودية – كسبب للانسحاب من اليونسكو. كما أن تسمية المواقع تمس أيضا قضايا أعمق تخص السيادة الدولية بإعلان مدينة الخليل القديمة والحرم الإبراهيميّ (كهف البطاركة عند اليهود) مواقع فلسطينية.
وكانت الولايات المتحدة قد انسحبت من اليونسكو عام 1984 في عهد الرئيس رونالد ريغان، وانضمت إليها مرة أخرى عام 2002 في عهد جورج بوش الابن. وعلى الرغم من تجميد المساهمات الأمريكية في المنظمة لمدة تسع سنوات في ظل إدارة أوباما- بايدن، إلا أن الولايات المتحدة احتفظت بعضويتها.
وبالرغم من أن بايدن مؤيد قوي لإسرائيل ورحب بالاتفاقات الأخيرة الموقعة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، إلا أن إدارته ستضغط على الأرجح لوقف بناء المستوطنات الإسرائيلية وضمها، فضلاً عن أنها ستكون أكثر ميلاً للدفاع عن احتياجات الفلسطينيين في الأمم المتحدة.
منظمة التجارة العالمية والناتو
تشمل القضايا الأخرى التي سيضطر بايدن إلى التعامل معها: وضع العلاقات التجارية، سيما داخل هيئات مثل منظمة التجارة العالمية. وفي مرحلة ما سيسعى بايدن إلى رأب الصدع وتوسيع التعاون مع منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلا أن أهداف السياسة الخارجية ستظل قائمة.