شوف تشوف

سري للغايةسياسية

كواليس زيارات مكاتب عسكريين كبار لم يكونوا يخفون أسرار الدولة عن عبود

يونس جنوحي

بعض الحوادث التي عاشها هشام عبود شخصيا، تركت وقعا نفسيا كبيرا لديه، خصوصا وأنه عاشها داخل مكاتب شخصيات مرموقة في الدولة. إذ لم ينس مثلا قصة الضابط الذي دخل المكتب مرعوبا لأنه رأى في طريقه إلى العمل جثثا في أزقة الحي الذي يسكنه. وهي واقعة سردها لنا هشام عبود في سياق تأكيده أن بعض العمليات الإرهابية التي عرفتها البلاد لم تكن صنيعة الجنرالات، وأن جماعات إسلامية متطرفة كانت فعلا وراء عمليات انتقام. القصد هنا لم يكن تبرئة ساحة الجنرالات، وإنما لوضع سياق معين للاحتياطات الكبيرة التي كان يعيش داخلها بعض العسكريين. إذ إن تعليمات وُجهت لضباط في الجيش لكي يتخذوا إجراءات الاحتياط القصوى أثناء تنقلاتهم إلى منازل عائلاتهم، وطُلب منهم عدم مغادرة السكن الوظيفي إلا للضرورة.

كان هشام عبود يزور بعض زملائه القدامى في الجيش، رغم أنه غادر الحياة العسكرية وتفرغ تماما للصحافة حيث أسس تجربتين صحافيتين وقتها، لكنه لم يقطع صلة الوصل مع عدد قليل جدا من أصدقائه في الجيش. إذ كان مواظبا على زيارتهم في مكاتبهم، مؤكدا أن الزيارات كانت إنسانية فقط، ولم يكن يسعى من ورائها إلى الحصول على أي امتياز.

 

الحاج الزبير

يقول هشام عبود: «لم أقابل غير الزملاء والأصدقاء القدامى الذين كانوا يتشاركون معي نفس الآراء ويجدون نوعا من الارتياح عندما يتحدثون معي في جو من الثقة المطلقة، بدون احتياط ولا خوف. أحد هؤلاء كان الكوماندان الحاج الزبير.

في تلك المكاتب، لم يكونوا يُخفون عني الوثائق الإدارية السرية. ولم يكونوا يتحدثون بلغة مشفرة عن القضايا والأعمال السرية. وهكذا استطعت اكتشاف أولى عمليات الانتقام».

في هذا السياق اكتشف هشام عبود مثلا أن الجيش لم يكن مسؤولا عن بعض العمليات الإرهابية التي ذُبح خلالها الأبرياء، لأن عسكريين كانوا مهددين بالتصفية الجسدية، ولم تكن لديهم حسابات داخلية مع العسكريين التابعين لمافيا الجنرالات الـ11 الذين كانوا يسيطرون على كل دواليب الدولة.

هذا الكوماندان الذي كان صديقا حميما لهشام عبود لم يكن يخفي عنه أسرار العمل المكتبي ولا الوثائق السرية، وهو الذي كشف له أن بعض الجماعات المسلحة بدأت فعلا تنشط لإنشاء خط دفاعي، بحكم أن بعض وحدات الجيش، خصوصا في القرى، كانت تقود عمليات إبادة وارتكبت مجازر شنيعة في مناطق نائية باسم محاربة الإرهاب. بينما كان الغرض من كل تلك العمليات إضعاف شوكة جبهة الإنقاذ.

 

عملية البشير

يقول هشام عبود إنه عندما كان في مكتب صديقه الحاج الزبير، أخبره الأخير أن التحقيق في العملية التي وقعت في الحي الذي يسكنه الضابط التابع له، من اختصاص صديق مشترك آخر، من الطينة نفسها، وهو الكوماندان البشير. ورفع هشام عبود السماعة مباشرة داخل مكتب صديقه الحاج الزبير، واتصل بـ«البشير»، حيث كانوا يتحدثون بدون رتب عسكرية ولا تكلف، وحدد معه موعدا في مكتبه بعد ساعة.

يقول هشام عبود إن لقاءه بالبشير استمر زهاء خمس ساعات تحدثا فيها عن كل المواضيع تقريبا، لكنهما، على غير العادة هذه المرة، لم يتحدثا كفاية عن المسرح والموسيقى والأدب، بل كان الوضع السياسي للجزائر مستأثرا بأغلب وقت اللقاء. يقول هشام عبود إن صديقه الكوماندان البشير أخبره أنه مكلف بالتحقيق في بعض القضايا المرتبطة بالعمليات الإرهابية، وأنه لا يمارس أي تعذيب ضد المتهمين، وبعضهم ضباط في الجيش، لأن انتزاع الاعترافات منهم تحت التعذيب يقود دائما إلى طرق مضللة في البحث.

يقول هشام عبود إن هذه الطريقة التي يتبعها صديقه في التحقيق، حيث يتجنب العنف وتعذيب المشتبه فيهم، ويبحث عن أدق التفاصيل في أقوالهم، هي التي ساعدته على كشف خيوط عملية وضع قنبلة في مقر وزارة الدفاع، حيث استطاع توقيف الكوماندان الذي كان وراء العملية. هذا الأخير الذي انهار تحت ضغط الأسئلة الدقيقة التي طُرحت عليه واضطر إلى الاعتراف.

كما أن طريقته في التحقيق جعلته مؤهلا لكي يحقق في قضية أخرى، كانت تتعلق بثلاثة دبلوماسيين فرنسيين كانوا في الجزائر، وتم توقيفهم والتحقيق معهم على خلفية قضية تتعلق بأمن الدولة. ولم يكن ممكنا تعذيبهم لذلك أوكل الملف إلى الكوماندان البشير.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى