شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

كنت نقابيا فأصبحت وزيرا

من منصات الخطابة النقابية إلى كراسي الاستوزار

لا يجادل اثنان في كون العمل النقابي واحدا من خنادق النضال المجتمعي الداعمة لموقف الطبقة الكادحة في صراعها ضد الباطرونا وكل أشكال الحيف والظلم والاستغلال، بل إن العمل النقابي يساهم في تحقيق السلم الاجتماعي والاقتصادي.

حسن البصري :

كما لا يجادل اثنان في كون العمل النقابي قد أفرز نخبا سرعان ما انتقلت من صف العمال البسطاء إلى الصفوف الأمامية للوجاهة النقابية، بل منها من عبرت نحو ضفة السياسة بعد أن جعلت من النقابة مجرد مدرسة للتكوين في الترافع.

من هنا ظهر تداخل بين العملين النقابي والسياسي خاصة حين تبنت كثير من النقابات مواقف سياسية، وفي جلسات الحوار الاجتماعي مع الحكومة، أو حين تقدم كثير من النقابيين للانتخابات كمرشحين أو من خلال دعم النقابات لأحزاب معينة يتقاسم معها الرؤى السياسية.

في كثير من الدول يتحول النقابي إلى سياسي والعكس صحيح، وفي كثير من الأحيان يتمسك النقابي بمهمته ويرفض دخول معترك السياسية، على غرار نوبير الأموي الذي رفض مقترح استوزار من عبد الرحمان اليوسفي حين كان وزيرا أول.

لكن عددا من الوزراء المغاربة ينحدرون من النقابات، أبرزهم أرسلان الجديدي والدويري والراضي وغيرهم كثر. الظاهرة تتجاوز المغرب ففي مصر يوصف سعد محمد أحمد الذي شغل منصب وزير لعقد من الزمن، وكان رئيسا للاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وأحد النقابيين القلائل الذين أثروا الحياة العمالية بعطاء متميز.

في أوربا يعد ليش فاليسا نموذجا لزعيم نقابي نذر حياته لخدمة الطبقة العاملة، حين أسس “اتحاد نقابات العمال البولندي”، وكان رئيسا له قبل فوزه في سنة 1990 بالرئاسة، وساهم في تحول بولندا إلى النظام الديمقراطي الرأسمالي.

في كل بلد عشرات النماذج التي تجسد الانتقال من منصات الخطابة في حشود العمال، إلى كراسي الاستوزار وحياة الدواوين.

 

حين جمع الراضي بين أمانة نقابة التعليم العالي والمهام البرلمانية

دخل عبد الواحد الراضي عوالم السياسة والنقابة مبكرا، كان أصغر نائب في البرلمان المغربي الذي دخله منذ سنة 1963، ولم يغادره إلا بوفاته حيث ظل حاضرا في كل الاستحقاقات التشريعية، بل إنه ارتقى إلى قمة هرم السياسة حين تولى منصب الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كما تأبط منصب وزير العدل ورئيس مجلس النواب، بل إن الراضي كان رجل التوافقات والتوازنات بين القصر والاتحاد الاشتراكي حين كان يشكل جبهة المعارضة.

ولد الراضي عام 1935 بمدينة سلا رغم أن أصول عائلته تنحدر من الغرب وتحديدا بمنطقة سيدي سليمان. تابع دراسته بالمغرب وبفرنسا وفي باريس بدأت علاقته بالاحتجاج والملفات المطلبية والتظاهرات الحاشدة.

في جامعة السوربون سينتخب عبد الواحد أمينا عاما لفيدرالية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بفرنسا، كما كان من مؤسسي ومسؤولي كونفدرالية طلبة شمال إفريقيا، وحين أنهى مساره التعليمي في فرنسا عاد إلى المغرب لممارسة التدريس في جامعة محمد الخامس بالرباط، كأستاذ لعلم النفس الاجتماعي، وأصبح الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي بين 1968 و1974، وهي الفترة التي ترأّس خلالها شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية.

قبل هذا التاريخ وتحديدا في سنة 1959، سيجمع الراضي بين العملين النقابي والسياسي، حين أصبح واحدا من مؤسسي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بل وانتخب عضوا في المجلس الوطني للحزب ثم عضوا في لجنته الإدارية ابتداء من سنة 1967.

عاش تفاصيل خروج الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من معطف حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، كان الراضي أحد قادته، وانتخب عضواً في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي منذ 1989، وفي سنة 2003 انتخب نائباً للأمين العام للحزب، ثم أمينا عاما له خلال المؤتمر الوطني الثامن للحزب بعد خمس سنوات.

تولى الراضي منصب وزير العدل، كما انتخب رئيسا لمجلس النواب وأصبح رجل دولة وذاكرة للسياسة المغربية والعمل النيابي والنقابي في المغرب، لاسيما أنه رافق العديد من زعماء الحركة الوطنية بينهم المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي.

في سيرته الذاتية التي أنجزها الكاتب حسن نجمي بعنوان “المغرب الذي عشته” يتحدث الراضي عن إشكالية الجمع بين العمل النقابي والسياسي فيقول: ” إن المرحلة من 1967 إِلى 1975، كانت إِحدى أصعب المراحل التي عشتها، فقد شاءت الظروف أن أكون في الخطوط الأمامية لمعارك الحزب كعضو في اللجنة الإدارية، والكتابة الإقليمية للاتحاد في الرباط، وأيضاً ككاتب عام للنقابة الوطنية للتعليم العالي، وكأمين عام لنقابة التعليم العالي كنت على اتصال دائم وقوي مع مسؤولي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ومع مسؤولي تعاضدية الطلبة في كلية الآداب..”.

 

أرسلان الجديدي.. نقابي الفوسفاط يصبح وزيرا للشغل  

اسمه الحقيقي محمد أرسلان ولقبه الجديدي، من مواليد سنة 1926 بمدينة الجديدة، داخل أسرة تنحدر من قبيلة توجد في منطقة الغربية ضواحي الزمامرة، على الحدود بين دكالة وعبدة.

بدأ الرجل مساره المهني معلما للغة الفرنسية بإحدى المدارس الابتدائية بضواحي أكادير، بعدما تلقى في العاصمة الرباط تكوينا كمدرس، وكان معلما للغة الفرنسية، لكنه لم يستمر طويلا في التدريس، بعد أن كثرت احتجاجاته على الوزارة، ولمس فيه رؤساؤه نزعة نقابية مستترة سرعان ما تفجرت حين قرر أرسلان مغادرة وزارة التربية والتعليم، واجتياز مباراة لولوج وظيفة بالمكتب الشريف للفوسفاط  في خريبكة.

وهو في عنفوان الشباب، سيحتضن الشاب أرسلان من طرف الاتحاد المغربي للشغل، النقابة التي كان يتزعمها المحجوب بن الصديق. ومع مرور الأيام اشتد عوده النقابي وراح يتزعم إضرابات صاخبة، أقلقت النظام وقتها، وهو الأمر الذي جعل الدولة تقرب منها هذا الشاب القادم من عمق بادية دكالة، وتدخله دواليبها، ليغرد داخل السرب وليس خارجه.. وهكذا سيعين الراحل الحسن الثاني أرسلان الجديدي مندوبا ساميا للإنعاش الوطني، ثم في ما بعد وزيرا للشبيبة والرياضة في حكومة كان يقودها محمد كريم العمراني، ثم وزيرا للشغل والتكوين المهني.

عاش الرجل معارك نقابية وسياسية، وظل كثير التنقل بين المدن والمداشر، خاصة بعد أن عين أمينا عاما للحزب الوطني الديمقراطي الذي انشق عن حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو ما زاد من محنة أرسلان وبدأ الإرهاق يتسلل إلى جسده.

بعد انتهاء الانتخابات الجماعية لسنة 1992، أصيب الجديدي بوعكة صحية، وحين اشتد به المرض نصحه طبيبه بالخلود للراحة بعيدا عن الصخب الانتخابي للجديدة، ألزمته وعكته إقامة دائمة بمسكنه في حي اليوسفية بالعاصمة الرباط.

حين علم الملك الحسن الثاني باختفاء أرسلان الجديدي عن الأنظار، أعطى أوامره من أجل التكفل به صحيا، خاصة وأن الكشف الطبي أكد ضرورة انتظامه في حصص تصفية الدم، وهو ما خضع له دون أن يلفت نظر أتباعه.

رغم ذلك ظل الرجل يتابع ما يقع في الشأن المحلي في الجديدة بالرغم من وصايا طبيبه الخاص وأفراد أسرته، بل إنه أصر على حضور حفل زيارة الرئيس البرتغالي ماريوس سواريس لمدينة الجديدة، حيث كان سعيدا وهو يرافقه إلى الحي البرتغالي.

كان محمد أرسلان الجديدي يمني النفس بنهاية في جوف إحدى مقابر الجديدة، لكن القدر ساقه في شهر يونيو سنة 1999، إلى مقبرة الشهداء بالرباط في جنازة تليق بقيمة الفقيد، وذلك قبل شهر عن وفاة صديقه الملك الراحل الحسن الثاني، الذي كان يستمتع بـ “قفشات” الدكالي أرسلان.

 

الدويري.. مؤسس نقابة الاستقلال أصغر وزير بأول حكومة

مواليد سنة 1926 بمدينة فاس، هو أحد الشخصيات البارزة في حزب الاستقلال التي جمعت بين الدراسة والسياسة والنقابة، تخرج من المدرسة المتعددة التكنولوجية سنة 1948، ومن المدرسة الوطنية العليا للمناجم في باريس سنة 1952. ويعتبر محمد الدويري من أصغر الوزراء الاستقلاليين الذين تولوا المسؤولية الحكومية في السنوات الأولى لاستقلال المغرب.

تابع محمد دراسته في ثانوية مولاي إدريس ثم انتقل إلى مدرسة البوليتيكنيك لمتابعة تعليمه العالي، بمنحة خاصة من محمد الخامس. وحين عاد إلى المغرب أصبح من صقور حزب الاستقلال وحصل على عدة حقائب وزارية منها منصب وزير الأشغال العمومية في سبع حكومات ما بعد الاستقلال ووزيرا للاقتصاد الوطني، وفي عهد الحسن الثاني عين وزيرا للتجهيز والإنعاش الوطني، وبعدها وزيرا للتخطيط والتكوين المهني قبل أن يسلم المشعل لابنه عادل الذي دخل الوزارة وهو في عز شبابه، وكان اسمه يطفو على سطح الشبيبة الاستقلالية بقوة.

ظل اسم الدويري حاضرا في فضاء حزب الاستقلال محفورا في أرشيف الحكومات السابقة، إذ أن محمد الدويري كان بدوره أصغر وزير في تاريخ الحكومات المغربية المتعاقبة منذ فجر الاستقلال، حيث إنه تولى الوزارة قبل أن يتم سن الثامنة والعشرين من عمره.

لم يقتصر حضور الدويري على العمل السياسي بل سيكون من بين مؤسسي نقابة الاتحاد المغربي للشغل، وسيتولى تأطير عمال ميناء الدار البيضاء، وفي الوقت نفسه أمينا لمالية اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال.

عاش الرجل معارك عديدة مع القصر ومع المحجوب بن الصديق، لكن ابنه عادل ابتعد عن خطوط التماس النقابية، واكتفى بالحضور الحزبي بل إن عباس الفاسي هو من اقترح عادل الدويري لحمل إحدى الحقائب الوزارية.

 

المسيوي.. معلم نقابي أصبح كاتبا للدولة في الخارجية  

ولد عبد العزيز في مراكش سنة 1944، من أسرة ذات أصول أمازيغية وانتماء عربي، استطاع أن يقطع مراحل صعبة، خلال مرحلة التعليم الابتدائي في مراكش، وعاش مع أبيه المتقاعد من سلك الشرطة، ولازم البيت إلى سنة 1960، حيث دخل المدرسة الإقليمية للمعلمين، ومنها تخرج ليصبح معلما في مجموعة مدارس “إيميني” بإقليم ورزازات.

في ليلة تأبين عبد العزيز المسيوي، خلال شهر أبريل من سنة 2011، لوحظ وجود عدد من الرياضيين ورجال الإعلام، ودار حديث عن توغل الرجل في مجالات التربية والتعليم والرياضة والإعلام قبل أن يخوض غمار السياسة.

وحين ووري جثمان الفقيد الثرى بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء، كانت كلمات التأبين تسلط الضوء على رجل متعدد الاختصاصات، بين ما هو رياضي ونقابي وسياسي وإعلامي تربوي واجتماعي، كما تولى بعض المهام السياسية، من بينها كاتب الدولة لدى وزير الخارجية مكلف بالعلاقات مع اتحاد المغرب العربي، وشغل لفترة طويلة مهمة مدير ديوان وزير الشباب والرياضة عبد اللطيف السملالي، ناهيك عن موقعه كنائب برلماني باسم الاتحاد الدستوري لمدة 18 سنة من 1984 إلى 2002، كما برز في مجال التشريع الرياضي بصفة خاصة، حيث أصدر مؤلفات سلط من خلالها الأضواء على القوانين المنظمة للمشهد الرياضي الوطني.

بدأ عبد العزيز مساره المهني معلما، في السلم السادس ككاتب ممتاز، خضع لمشيئة الإدارة وقام باجتهادات لتحسين وضعيته فانتقل سنة 1969 إلى إقليم سطات وترشح لاختبارات الباكالوريا فحصل عليها بعد سنتين، ولما ذهب إلى الوزارة قيل له إن الباكالوريا التي حصلت عليها لن تنفعك في شيء.

يقول عبد العزيز في إحدى حواراته: “قررت أن أواصل المشوار الجامعي، قضيت ثلاث سنوات في التحصيل إلى أن حصلت على شهادة الإجازة، في فترة لم تكن الوزارة تعترف بالمدرسين المجتهدين إلا إذا دفعوا عن حقوقهم مثلي. بعد أن تأبطت الشهادة قصدت مجددا وزارة التربية الوطنية، فوجدت الشرطة تخرج عددا من رجال التعليم بدعوى أنهم مجازون ولا تستطيع الوزارة تسوية وضعيتهم. حين علم الكاتب العام أنني حاصل للتو على شهادة الإجازة وأريد تحسين وضعيتي الإدارية انتفض في وجهي ونادى على رجال الأمن الذين اقتحموا المكتب بعد أن رفضت مغادرته، حينها أعيد التعامل معي كحالة خاصة، وتم إقحامي في إطار المتصرفين أو الممونين”.

كان المسيوي قياديا في النقابة الوطنية للتعليم التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل ووجد في الأموي وخيرات سندا له، “لو لم تكن لي تغطية نقابية لتم طردي”.

 

محمد أبيض.. من الشبيبة العمالية إلى الوزارة وأمانة الحزب

يعود تاريخ ميلاد محمد أبيض لسنة 1941، في ظرفية صعبة عانى فيها المغرب من انحباس المطر وتفشي المجاعات والأوبئة، ما دفع عائلته إلى الهجرة من بادية أولاد حريز إلى الدار البيضاء، حيث استقرت في درب البلدية، قبل أن تتوغل في عمق درب السلطان الذي كان يعيش في تلك الفترة حالة غليان وكانت الحركة الوطنية في أوجها.

يكفي التواجد في هذا الحي الشعبي العريق لتصبح سياسيا أو نقابيا أو فنانا أو رياضيا، لذا “ابتلى” أفراد أسرة أبيض بدون استثناء بحب الرجاء البيضاوي أولا، بما في ذلك الوالدة مباركة.

في بداية الستينات كان محمد عنصرا نشيطا في الشبيبة العمالية لنقابة الاتحاد المغربي للشغل، والتي كانت مكونا أساسيا من مكونات حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، لكن دخوله الحقيقي لمربع عمليات السياسة يرجع لسنة 1962 حين انضم للحملة الانتخابية للمعطي بوعبيد والتي مكنته من اعتلاء منصب رئيس بلدية الدار البيضاء.

دخل محمد أبيض بوابة السياسة من العمل النقابي، فقد كان أحد العناصر القيادية في الاتحاد المغربي للشغل، الذي أسسه وقاده الراحل المحجوب بن صديق. وكان محمد أبيض هو العضو الدائم عندما يتعلق الأمر بالتفاوض بين الاتحاد المغربي للشغل وهيئات أخرى. وكان يشغل منصب رئيس لمؤسسة الأعمال الاجتماعية للمكتب الوطني للكهرباء، حيث لعب دورا كبيرا في توفير الشغل لعدد من لاعبي الرجاء البيضاوي. وفي عام 1983 أصبح رئيسا لبلدية الدار البيضاء. وهو موقع مهد له الطريق إضافة إلى علاقته الشخصية مع المعطي بوعبيد ليتقلد في عام 1985، منصب وزيرٍ للصناعة التقليدية والشؤون الاجتماعية، وشغل ذلك المنصب حتى عام 1992. ولعل القليل يعلم أن الفنان التشكيلي محمد شبعة المعارض، اشتغل مسؤولا في ديوان الوزير محمد أبيض، بغاية تجديد النظرة إلى الصناعة التقليدية.

في 25 أبريل 2015 ودع محمد أبيض السياسة، تاركا مفاتيح الاتحاد الدستوري لمحمد ساجد، في ما اكتفى بالرئاسة الشرفية لحزب ظل يحكمه الرجاويون (المعطي بوعبيد، عبد اللطيف السملالي، محمد أبيض)، وقرر الرحيل عن الدار البيضاء للاستقرار في ضيعته بطريق أوريكا جنوب مراكش، رفقة والدته مباركة التي كان يحرص على أن تزور بين الفينة والأخرى الديار المقدسة.

قرر الوزير والأمين العام السابق لحزب الفرس أن يعيش حياته بعد الاستوزار بعيدا عن صخب السياسة، مهتما بضيعته الفلاحية، حيث أعاد أمه إلى أصولها لتشم رائحة الأرض.

في عام 1994، سيرحل الوالد علي أبيض إلى دار البقاء عن عمر يناهز 91 سنة، قضى جل أوقاته في الفلاحة والقراءة.

 

حقيبة التشغيل تدفع يتيم للاستقالة من أمانة النقابة

من مواليد حي سيدي عثمان في منتصف غشت 1956، أنهى دراسته الابتدائية والثانوية بمدينة الدار البيضاء. ليكمل دراسته الجامعية في كل من فاس والرباط، حيث حصل على شهادة الإجازة في علم النفس ويحصل على ماستر في ذات التخصص من كلية علوم التربية، قبل أن يعرج على الفلسفة ويصبح أستاذا لهذه المادة.

انخرط يتيم في القطاع النقابي وأصبح كاتبا عاما للاتحاد الوطني للشغل، ومنه عبر نحو ضفة السياسة حين انتخب برلمانيا بالدار البيضاء ونائبا لرئيس مجلس النواب، وهو حينها عضوا بالأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، بعد أن كان قياديا في الذراع الدعوي لحركة التوحيد والإصلاح.

قضى الرجل عشر سنوات على رأس الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، الذراع النقابي لحزب العدالة والتنمية، وحين عين عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة شرع في البحث عن بديل لتسليمه مفاتيح هذه المنظمة، في ظل تنافس حولها بين مستشارين برلمانيين وهما: عبد الصمد مريمي (الكاتب العام لقطاع الجماعات المحلية) وعبد الإله الحلوطي (الكاتب العام لقطاع التعليم داخل الاتحاد) وجامع المعتصم (مدير ديوان رئيس الحكومة). قبل أن يظفر هذا الأخير بهذا المنصب. وكان يتيم بمثابة عين حزب العدالة والتنمية وكذا حركة التوحيد والإصلاح داخل الذراع النقابي.

علاقة الفصيل الإسلامي بالسياسة ليس وليدة مرحلة بنكيران ومن معه، بل إن المسار السياسي لحزب الحركة الشعبية عرف مشاركته في التدبير السياسي في أول انتخابات جماعية في تاريخ المغرب، سنة 1960، كما ستتميز بمشاركته في الحكومة التي ترأسها محمد الخامس ثم الحسن الثاني، بتقلد أحد قادته المحجوبي أحرضان منصب وزير للدفاع. وتقلد عبد الكريم الخطيب، منصب وزير الشغل و وزير الشؤون الإفريقية بعد ذلك بسنة واحدة، ستمر سنوات ليعود الحزب لتقلد تدبير وزارة الشغل بعد انتخابات 2016 من خلال محمد يتيم الذي شغل سابقا كاتبا عاما لنقابة الاتحاد الوطني للشغل.

مباشرة بعد تعيين يتيم  وزيرا للشغل والإدماج المهني، سيقدم استقالته من المكتب الوطني للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، وجاء في بلاغ موقع من طرف محمد يتيم: “حيث إن من بين المهام المنوطة بوزارة التشغيل تدبير العلاقة مع الشركاء الاجتماعيين ومن بينهم المركزيات النقابية، ومن أجل أن أكون على مسافة واحدة من كافة الشركاء، فإنني قررت الاستقالة من جميع المسؤوليات والمهام في الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب”.

 

بنعتيق.. من نقابة الأبناك إلى تقلبات مناخ السياسة  

ولد عبد الكريم بنعتيق في 19 غشت 1959 بمدينة الرباط، حصل على الإجازة في الآداب من جامعة محمد الخامس بالرباط، كما نال شهادة الدراسات المعمقة في اللسانيات من جامعة السوربون بباريس (شعبة التواصل). وفي جامعة ليون سيحصل على دكتوراه الدولة في القانون. وأصبح باحثا في مركز الدراسات الدبلوماسية والاستراتيجية بباريس متخصصا في الاتصال.

بدأ عبد الكريم مشواره المهني كإطار بالبنك المغربي للتجارة الخارجية، ثم إطارا بالبنك الوطني لباريس بالمغرب، وخبيرا في الشؤون المالية والأبناك. بالموازاة مع ذلك كان بنعتيق خلال التسعينيات عضوا نشيطا داخل المكتب الوطني لشبيبة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إلى جانب عناصر قيادات أخرى أبرزها محمد الساسي ووقف في مواجهة تيار القدامى، كما اصطف إلى جانب الأموي من خلال قيادته لنقابة الأبناك، لينتقل بعد ذلك إلى جانب الحليمي الذي اعتبر أواسط التسعينيات العقل المدبر لخطوات الكاتب الأول الأسبق للاتحاد عبد الرحمان اليوسفي. من قطاع الشبيبة الاتحادية إلى التيار النقابي إلى جبهة لحليمي إلى الحزب العمالي الذي سيؤسسه بعد انتهاء ولايته الحكومية، بعد أن ظل عبد الكريم حاضرا في المربع النضالي وفي معاركه الصاخبة ضد التيارات المتشابكة، بل إنه خاض تجربة إعلامية حين أنشأ مع عبد اللطيف وهبي جريدة الجمهور وكانت صحيفة يومية لم تصمد طويلا.

سيجمد عبد الكريم علاقته بالنقابة والحزب، وظل يدير مركزا للوساطة والتحكيم متخصصا في القضايا المالية ومكتبا للاستشارة والاستثمارات بمدينة ليون بفرنسا. وفي شتنبر 2000 سيتم تعيين عبد الكريم كاتبا للدولة مكلفا بالمقاولات الصغرى والمتوسطة، قبل تعيينه بعد عام كاتبا للدولة في التجارة الخارجية. في 2017 سيعود إلى المشهد السياسي حين عينه الملك محمد السادس وزيرا منتدبا لدى وزير الخارجية مكلفا بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، في حكومة سعد الدين العثماني.

ظل بنعتيق يمني النفس بمنصب الكاتب العام للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ورفع من أجل ذلك شعار تغيير الأسس التنظيمية للحزب بشكل جذري، داعيا إلى “الانفتاح المجتمعي، وليس الانفتاح الانتخابي، مع إدماج المجتمع في اختيار قادة الحزب، وكذا التمييز بين الانتماء السياسي والتنظيمي. لا يمكن أن نتقدم إذا تم الاشتغال بمنطق البنية المغلقة، وأن من يفكر بمنطق الخلية والفرع والكتابات الإقليمية والجهوية، فقد تم تجاوزها”.

 

شفيق.. مفتش تعليم ونقابي أمازيغي يصبح وصيا على القطاع

ولد هذا المناضل التربوي الأمازيغي يوم 17 شتنبر 1926 في منطقة آيت وراين، غير بعيد عن مدينة صفرو، تابع دراسته بثانوية أزرو، وبعد استكمال دراسته عمل مدرسا في الفترة ما بين 1946 و1948، وبعدها عين أستاذا للتعليم الثانوي، ثم مفتشا في التعليم الابتدائي والثانوي في الفترة ما بين 1954 و1960، وخلال هذه الفترة كان رئيسا لجمعية قدماء تلاميذ ثانوية آزرو. عمل سنتين في هذه الجمعية وساهم في تحديد خطها الثقافي الداعي لتدعيم الهوية الحضارية للمغرب، وترسيخ الجذور الأمازيغية.

عمل مدرسا بثانوية مولاي يوسف بالرباط، وبالمدرسة العليا للأساتذة في الرباط، وهو أول عميد للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وصف بأبي الحركة الثقافية الأمازيغية في المغرب بسبب إسهاماته الثقافية واللغوية الأكاديمية.

تقلد مناصب عديدة، حيث عين عام 1960 مفتشا عاما للتعليم. وفي عام 1970 عين نائبا لكاتب الدولة في التعليم الثانوي والتقني والعالي، ثم كاتبا للدولة لهذه الوزارة، وهو المنصب الذي احتفظ به في حكومة 1972، ثم كلف بمهمة في الديوان الملكي، كما عمل مديرا للمدرسة المولوية، وعضوا في أكاديمية المملكة المغربية، وفي عام 2001 عينه الملك محمد السادس عميدا للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كما عين عام 2003 عضوا لدى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.

ولأنه قادم من قطاع التعليم فقد دعا في “بيان الأمازيغ” سنة 2000 إلى تعميم تدريس اللغة الأمازيغية في مدارس المملكة وإعادة كتابة التاريخ، وعبر عن رفضه لكلمة “برابرة” لحمولتها القدحية.

ويعتبر محمد شفيق، من الأوائل الذين استنهضوا الوعي بالبعد الأمازيغي في الهوية الوطنية المغربية، وله إسهامات عديدة ومهمة في هذا الصدد، أبرزها “المعجم العربي الأمازيغي” الذي صدر في ثلاثة مجلدات تطلب 27 سنة من العمل عليه، كما ساهم بمقالات ودراسات في مجلات عديدة منها مجلة “تيفاوت” التي أسسها، ومجلتا “أمازيغ” و”تيفناغ”، ومجلة أكاديمية المملكة المغربية.

 

الكنفاوي.. كاد الحسن الثاني أن يعينه وزيرا للشغل لولا ميولاته النقابية

في مدينة العرائش مسقط رأس عبد الصمد الكنفاوي يحمل زقاق اسمه كما تخلد مكتبة وسائطية ذكراه، وفي الدار البيضاء توجد قاعة الكنفاوي بالقرب من حديقة الجامعة العربية، بينما تحرص جمعية باسمه على حفظ هذا الرجل لمدة أطول في وجدان المغاربة، لكن أم المفارقات نتساءل: لماذا لاتحمل قاعة مسرح اسم عبد الصمد الكاتب المسرحي الذي ظل يرفض من أجل أب الفنون مناصب سامية في سلك الدولة؟

ظل المسرح يسكن دواخله إلى آخر رمق في حياته، فقد حرص على قراءة آخر الأعمال المسرحية، وسعد بزيارة رجال المسرح أكثر من زيارة كبار المسؤولين له وهو على فراش المرض، بعد أن ظل يخفي آلامه ويصر على ممارسة النضال السياسي والنقابي غير مهتم بالمرض الذي يضرب كبده.

لم يكن أحد من زملاء عبد الصمد الكنفاوي يعتقد أن الرجل الذي شغل مناصب دبلوماسية هامة، سيعتزل المناصب العليا وينخرط في الفن المسرحي، وحدها زوجته فالسيوني دانيال، هي التي تفهمت الوضع ورافقته في أصعب المعرجات التي مر بها سيما في صراعه مع المخزن الذي اعتبره عنصرا لا يمت للدبلوماسية بصلة، فقط لأنه كان يفكر بصوت مسموع.

لكن بعد حصول المغرب على الاستقلال شرعت أول حكومة في رصد الكفاءات المغربية، فكان نصيب عبد الصمد منصب دبلوماسي رفيع، إذ عين ملحقا ثقافيا في قنصلية المغرب ببوردو، إلا أن الرجل ظل يتردد على مسارح بوردو وباريس وستراسبورغ ثم موسكو، إضافة إلى مرور عابر ببوينيس أيريس.

في سنة 1961 شارك عبد الصمد في إضراب تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، احتجاجا على طرد مجموعة من الدبلوماسيين، ولأن الإضراب حسب الدولة ليس من “شيم القناصلة”، فقد غضبت الخارجية من الكنفاوي وغضب هو أيضا منها ليتم تسريحه، ويعود سعيدا إلى الخشبة، لكن اسمه كان ممنوعا في الإذاعة.

عاد الكنفاوي إلى المناصب الحكومية بعد أن هدأت الغضبة، وتقلد منصبا قياديا في مكتب التسويق والتصدير، وكاتبا عاما في فترة ثانية بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، دون أن يدير ظهره للمسرح.

كان الرجل بوهيميا يسهر الليالي وهو يحاور ملكة إلهامه، وهو ما دفع الملك الحسن الثاني، ليقول لأرسلان الجديدي، حين كان هذا الأخير وزيرا للشغل، “لو لم يكن عبد الصمد بوهيميا لعينته بدلا عنك على رأس قطاع الشغل”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى