شوف تشوف

الرأي

كلام لا يليق بك

عندما يصرح وزير يشرف على تعليم وتكوين حوالي 7 ملايين طفلة وطفل، من مواطني الغد، بأن أبناء الشعب يدرسون هذه السنة في أقسام مكتظة بسبعين تلميذة وتلميذ، ويسعى لتبرير ذلك بالفيضانات والهجرة، هو وزير يفتقر للشجاعة فقط ليعلن فشله. إن تصريح كهذا كان يمكن لوحده، لو كنا في بلد آخر غير المغرب طبعا، أن يؤدي لانعقاد اجتماع حكومي عاجل لبحث هذه المأساة، وإيجاد حلول عملية آنية، لاسيما وأننا في سنة يفترض أن تكون بداية فعلية لتنفيذ الرؤية الإصلاحية التي يسعى المجلس الأعلى للترويج لها. فعندما نجد وزيرا يعترف بهذه النسبة من الاكتظاظ في المدرسة العمومية التي مافتئ صاحب الجلالة محمد السادس يعلن تشبثه بفلسفتها، فهذا يعني حقيقة واحدة: أن تعليمنا بين أيادٍ غير آمنة يا سادة.
المصيبة هنا هي أن الحكومة متشبثة بقاعدة «اذهب أنت وربك فقاتلا»، والوزير يعتقد واهما أنه قادر لوحده على «أن يحقق العجزة»، مع أن التعليم وقضاياه ليس ملفا قطاعيا، يتوجب فيه على وزير معين، إيجاد حل لمشكلة «هجوم الخنزير البري على الضيعات الفلاحية في ابن سليمان»، أو إيجاد حل لمشكلة «هجوم البعوض على الأحياء المجاورة لنهر سبو»، بل هو قطاع حيوي ومصيري بالنسبة لهذه الأمة، قطاع يفترض مقاربة حكومية، لكونه أولى من كل الأولويات وليس مقاربة قطاعية.
هكذا، وبعد ستين سنة عن الاستقلال، نجد أنفسنا في مستوى الصفر ذاته. الاكتظاظ الذي تتسبب فيه الفيضانات والهجرة ونقص الموارد البشرية والخصاص في عدد الأقسام. والله عيب و«حشومة» أن نبرر هكذا تبرير.
فالهجرة كانت وستظل مرافقة لتاريخ البشرية، وهي جزء من تاريخ المغرب، قديما وحديثا، والفيضانات أيضا ظاهرة طبيعية كانت منذ عهد سفينة نبي الله نوح وستظل. فتقديم هذين المبررين لـ«تفسير» ظاهرة الاكتظاظ، إضافة إلى مبرري الخصاص في الموارد البشرية والأقسام، فهذا يشير إلى ظاهرة بشرية بامتياز، تسمى ظاهرة العجز التدبيري المزمن. والغريب أكثر هو أسلوب «المبني للمجهول» الذي استعمله الوزير في تصريحه. علما أن الاكتظاظ تتحمل مسؤوليته الحكومة، ويتحمل مسؤوليته الوزير، دون أن ننسى «الكسالى» الذين «يخططون» للخرائط المدرسية في النيابات والأكاديميات لإرضاء «أسيادهم» الذين يدرسون أبناءهم في المدارس الخاصة بـ«الثمن المناسب».
شخصيا، لا أعرف نوعية «المهدئات» التي يتناولها الوزير، بشكل يسمح له بأن يحافظ على هدوئه، وهو يفسر الاكتظاظ بالفيضانات والهجرة والتقاعد، وفي الوقت نفسه نجده «هادئا» أيضا في التعامل مع التقارير التي أنجزتها المفتشية العامة التابعة له، حول المسؤولين، السابقين والحاليين، الذين نهبوا المال العام المخصص للبرنامج الاستعجالي، والذي كان جزء كبير منه مخصصا لبناء المؤسسات التعليمية، قبل أن يتخذ وجهة أخرى. فما لم يذكره الوزير هو أن عدم حزمه هو وحكومته في تقديم الفاسدين المتكاثرين مثل الطحالب في مختلف أروقة وزارته، للمحاسبة على ما اقترفوه في حق منظومة تحملت الكثير من غبائهم وفسادهم.. هو السبب الذي جعل الاكتظاظ «ميزة» لهذا الدخول الدراسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى