شوف تشوف

الافتتاحية

كرة العنف التي تكبر

تحول البساط الأخضر لملعب وجدة، يوم الأربعاء الماضي، إلى ساحة حرب حقيقية، بعد أن اندلعت أعمال عنف للجمهور الوجدي ضد قوات الأمن والممتلكات العامة والخاصة. طبعا هذه ليست المرة الأولى التي يطل فيها قمقم شغب الملاعب وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، رغم مرور ثماني سنوات على إصدار قانون مناهضة العنف بالملاعب ووضع استراتيجية ابتلعت 30 مليارا كان يعول عليها لإنهاء الفوضى داخل المدرجات، ناهيك عن عدد من المذكرات المشتركة بين وزراء الداخلية والرياضة والعدل، ومئات المتابعات القضائية لشباب يتحول إلى قنابل موقوتة تنفجر خلال كل مقابلة، سواء انتصر فريقها أو تعادل أو انهزم، فمهما كانت النتيجة فالفوضى العارمة واحدة.

إنه زمن أغبر نعيشه على جميع المستويات، تغيرت فيه القيم وفقدت فيه حتى الرياضة روح الأخلاق ومبادئ المنافسة الشريفة، وتحولت مقابلات كرة القدم من لحظة للبهجة والاستمتاع والترويح عن النفس بعد أسبوع شاق، إلى لعبة مملوءة بالحقد الاجتماعي. العنف غير المبرر أفقد هذه الرياضة النبيلة في بلدنا نكهة التسلية لتتحول إلى كرة ندم بسبب خروج أشباه الأنصار ليعيثوا فسادا في الأرض ورعبا وتدميرا لممتلكات الدولة والأفراد والتمتع بمشاهد عنف مستفزة.

نحن لا نذكر أن إجراء مباراة لكرة القدم بما تتطلبه من مقومات أمنية وتنظيمية، أمر يسير ويمكن التحكم فيه بسهولة، فالطبيعي أن تصاحب إجراء بعض المقابلات مشكلات يسيرة ومعزولة، ولكن أن يتطوّر العنف داخل الملاعب إلى ممارسة ممنهجة لا تنجو منها أي مقابلة، حتّى أصبح الجميع يشكو من هاته اللعبة، فهنا يجب أن ندق ناقوس الخطر ونعلن القلق والتخوف من تبعاتها الخيفة قبل أن تدخلنا في نفق مظلم.

وبدون شك أن حالة هيستريا العنف التي تجتاح ملاعبنا ليست موضة مستوردة، بل تعبر عن جزء من ثقافة مجتمعية لا تخلو من مظاهر العنف، سواء داخل الوسط العائلي أو وسط الفضاء المدرسي، أو في قلب جمعيات المشجعين، ومن خلال هذه القنوات يكتسب الفرد تنشئته المشاغبة وثقافته العنيفة التي يحولها إلى طوفان الغضب الجارف على كل ما هو داخل جدران الملاعب وخارجها، فلا يسلم اللاعبون ولا المسيرون الرسميون ولا الممتلكات الخاصة والعامة.

قلناها دائما ولن نمل من تكرارها: الحل لا يوجد فقط في بنود القانون الجنائي رغم أنه ضروري، ولا يوجد في كثافة الإنزال الأمني رغم أنه مطلوب. الحل لشغب الملاعب يوجد في الكتب المدرسية والتنشئة الأسرية والتربية المدنية داخل الأندية الرياضية التي ينبغي أن تلعب دورها كاملا، وإلا استمرت ملاعبنا في التحول إلى ساحات للحروب بجنود يرتدون سراويل ممزقة وتسريحات شعر غريبة، مسلحين بقاموس وشعارات يندى لها الجبين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى