قوانين الطبيعة وكوارث البشر
حديثنا عن أزمة الثقافة يصبح مجرد كلام إذا تعلق الأمر بكل ما يقال في الندوات واللقاءات والأنشطة المسماة «ثقافية»، لكن عندما نجد من ضمن «متعلمينا» وبعض أنواع «مثقفينا» من يسعى جاهدا للربط «المنطقي» بين ما يحدث في عالم الطبيعة وما يحدث في عالم البشر. عندها نفهم بأي معنى مازالت القرون الوسطى تسكننا. ثم إلى أي حد لم نحسم في البديهيات التي حسم فيها العقل البشري الحديث منذ قرون. فعندما نجد من يربط بين زلازل مدن الشمال، وكذا الجفاف الذي يضرب المغرب هذه السنة، وكذا «همهمات السماء» التي يسمعها البيضاويون كثيرا هذه الأيام. يربط كل هذا الذي يحدث في الطبيعة، بما يعتبره «انتشارا للمناكر»، عندها سيكون شعورنا بخسائرنا الثقافية فادحا.
هكذا كثر الوعاظ والفقهاء والمفتون هذه الأيام، فبمجرد توالي عدد من الظواهر الطبيعية، يسعون فيها لربطها بما يحدث في عالم البشر. مع أن الكوارث الحقيقية لم تكن أبدا طبيعية. ففي كل بقاع العالم هناك فيضانات وعواصف وجفاف وزلازل، إنما الكوارث الحقيقية هي لامبالاة الإنسان في مواجهتها، أما أن نتعامل معها بكونها «انتقاما إلهيا» لبشر، مكتفين بذلك دون غيرها التعاملات البشرية المعروفة، فتلك أم الكوارث. وهذا ما يقع في مغربنا هذه الأيام. فما حدث من فيضانات في جنوب المملكة السنة الماضية هو أمر طبيعي محض. أما الكارثة فهي تعامل الدولة مع تلك الجهات بمنطق المغرب غير النافع. وماتزال إلى اليوم لم تقم بأي خطوة استعدادا لفيضانات قد تكون قادمة. الأمر نفسه في زلازل الشمال، ففي دول شرق آسيا، أضحى التعامل مع هذه الظواهر الطبيعية أمرا طبيعيا أيضا، لكنهم لا يعتبرونها كارثة. إذ وحدنا، وأمام عجزنا وتكاسلنا ولا مبالاتنا، تتحول مثل هذه الظواهر إلى كوارث.. وهي كوارث فعلا عندما نجد أنه وبعد مرور 12 سنة على زلزال الحسيمة المدمر، ماتزال الحكومة لم تضع بعد استراتيجية لمواجهة الكوارث. ماتزال تمني النفس ألا تقع الكوارث. مع أن قوانين الجيولوجيا والمناخ والبيولوجيا والفلك وغيرها لا تتعلق بما نتمناه، بل بفهمنا لها أولا، ثم سعينا، ككل الأمم المتحضرة للتحكم فيها. وإلا أي شيء هي الحداثة غير فهم الطبيعة للتحكم فيها. أما محاولتنا لفهم قوانينها في عالم المجتمع والأخلاق فهذا ما يجعلنا في عالم طبق الأصل عن مجتمعات القرون الوسطى.
فعندما كان ابن رشيد، رحمه الله، يفسر الكتب الطبيعية لأرسطو، كان مقتنعا بكونها تمثل العلم، ولا قيمة لديانة أو لغة صاحبها. والأمر نفسه فعله كانط في العصر الحديث، فقد حاول هذا الفيلسوف الحديث الفصل بين عالم الأخلاق الخاضع في نظره للعقل، وعالم الطبيعة الخاضع لقوانين موضوعية. وكل خلط بين هذين العالمين يؤدي أولا لضياع العلم، وثانيا لمفارقات لا حصر لها، نظير ما يحدث عندنا. وكأن الطبيعة لا تنتبه لما يقوم به البشر إلا في المغرب. بينما ما يقوم به البشر في إسرائيل، أي في الدولة التي يعتبرها أغلبنا، دولة مغتصبة وعدوة، يلقى «مساندة» مطلقة من الطبيعة، وإلا لو كان الأمر غير هذا لسمعنا عن زلازل وبراكين وتسوناميات مدمرة في حيفا وتل أبيب.. ولكنها لم تقع. وليست للأمر علاقة بما نريده ونتمناه نحن كبشر، بل لأن قوانين الطبيعة هي دوما هنا وهناك، وفي كل كواكب هذا العالم اللامتناهي قوانين نفهمها ونتحكم فيها.