شوف تشوف

الرأي

قفزة إلى السرطان

خالص جلبي
ما المانع أن نقتل الخلايا السرطانية باعتبارها خلايا نشيطة فتية وفوضوية بهذه الخدعة الحربية، طالما كانت تتغذى بـ«حمض الورق»؟ حقا إنها فكرة جريئة.
إن الخلايا السرطانية تقرض هذا الحمض وتلتهمه بشراهة ونهم، بعدما تحوله إلى شكل أبسط معروف باسم «حمض الفولينيك».
فلنحاول إعطاءها مادة تمنع هذا التحول لتموت جوعا، على ما تقترفه من جريمة مروعة سوف تنتهي بنقض البناء الإنساني كله، وهكذا اكتشفت مادة شبيهة بـالحمض «P.A.B.A» الذي يعتبر فيتامينا مغذيا بالطريقة التي ذكرناها، وبذلك أمكن السيطرة والمعالجة إلى حد ما بمادة (الأمينوبتيرين) في سرطانات الدم، ولعل القارئ يقول ولكن ماذا يحدث بخلايا الجسم التي تحرم من التغذية أيضا؟
والجواب أن خلايا السرطان نظرا لطيشها وفتوتها وسرعة عملها فإنها تموت بهذه الطريقة، ولكن خلايا الجسم فيها من الحكمة والخبرة والتجربة ما يجعلها تستفيد من الغذاء بطريق أو بآخر، وبذلك لا يحدث لها شيء.
ولكن آليات الجسم ليست بهذه البساطة، وإنما هي آلية بسيطة للقضاء على مرض مرعب لا تمكن السيطرة عليه حتى الآن، وهدفنا من هذا إطلاع القارئ على بعض النجاحات البسيطة الجزئية في مقارعة الأمراض (كما جاء في رواية «خبايا إيمانية في خلاياي السرطانية») للكاتبة الجزائرية (زهيرة بودهان)، وهي تروي تجربتها وشفاءها من الليمفوما درجة 2.
الدواء كسلاح تقليدي أو استراتيجي
لا يبقى الجرثوم مكتوف اليدين يتفرج على مصيره الخطير، بل يقوم بدراسة هذا الوضع المتبدل دراسة موضوعية. فهو يجمع المعلومات وينسقها، ويعرف المقاتل ونقاط الضعف، ثم يقوم بإفراز خميرة معطلة لهذا الدواء الذي فتك به، أو تسلل إلى داخله للنسف الداخلي كعمليات فدائية، أو الهجوم الخارجي لإذابة جداره الخارجي كما في البنسلين، أو بإماتته جوعا كما في السولفا، وبهذه الطريقة عصت وتمردت (المكورات العنقودية) على البنسلين بإفرازها خميرة البنسليناز، التي تدمر وتخرب البنسلين. وهذه الطريقة العلمية، التي يقوم بها الجرثوم لصد الهجوم من جمع المعلومات وتنسيقها وتحليلها وتقييمها وإيجاد الوسيلة المضادة. بعض الجراثيم تمكنت من التملص من تأثير الأدوية وزادت عنادها، مما حدا بالأطباء إلى خدعة جديدة لضرب الجراثيم بالمدفعية الثقيلة المركزة، وهي استدراج الجراثيم إلى أوساط غذائية خصبة، وهكذا يبذل لها الدفء والماء الزلال والخضرة، والغذاء الجيد، والراحة الممتازة، والخدمة الجاهزة كل وقت. فيميل الجرثوم بهذا الوسط إلى القيام بنشاطه والعيش بما يكشف هويته، ويعرف الخبير بشروط حياته ومزاجه، وسلوكه في هذه الحياة ونقاط ضعفه وقوته، فإذا سقي من السموم وهي هنا المضادات الحيوية، أو ما يعرفها الناس (الأدوية المضادة للالتهاب) فإن تأثره يظهر بها واضحا؛ فهذا يجعله يموت بسرعة وبشدة، وآخر ببطء وبضعف.
إن الجرثوم باعتياده على دواء معين يعتبره سلاحا تقليديا لا يخشى منه وبذلك يخف تأثره منه، في حين أن السلاح الجديد الذي ينزل ولا يعرفه الجرثوم يكون تأثره أكبر، وهذا الذي يحدث بين فترة وأخرى من اكتشاف مضاد حيوي جديد، ليصبح بدوره تقليديا مع الزمن، وهكذا يدور الصراع كأعنف ما يمكن بين الأطباء والجراثيم.
اللقاح وكشف السر الحربي
اكتشف الأطباء آلية لشن هجوم مضاد على الجراثيم والفيروسات بشكل خاص، وهي اللقاح. إن معنى اللقاح هو تدريب جنود الجسم أو ما يسمى في الطب بتشكيل «مضادات الأجسام» على المقاومة، بتعليمهم بشكل فني، وتدريبهم على معرفة خطة العدو مسبقا الممثل في الحمات الراشحة (الفيروسات) أو الجراثيم، وكيف سيشن الهجوم؟ وما هي النقطة التي سوف يبدأ منها الهجوم؟ وأي الثغرات سوف تفتح؟
وهذا مهم جدا في الحروب لأن معرفة خطة العدو تحبط خطته، وهكذا يفعل الجسم حينما يدخل الجرثوم للمرة الثانية، ولكن بشكل حقيقي غير مزيف، على خلاف المرة الأولى التي تعرف عليه الجسم بشكل مخفف أو مقتول. وبذلك يقضي عليه بمضادات الأجسام التي تشكلت سابقا، والتي أصبحت معدة وجاهزة تماما الآن للقيام بصد الهجوم وبشكل محكم، وهذا معنى آلية تأثير اللقاح في شلل الأطفال والكزاز والسعال الديكي والحصبة والسل والدفتيريا وسواها…
الردة الإفرنجية في العالم
غني عن الشرح أن نقول إن الجرثوم مهما كان ضعيفا، إذا وفرنا له المناخ دوما ليعيش ويرتع فإن التوازن يختل مهما حقنا المريض بالأدوية، وهذا الذي حدث للعالم اليوم مع الزنا؛ فعندما اكتشف الدواء الشافي انطلق ليغرق أكثر في الزنا، بعد أن حمى نفسه من ويلات الزنا المخيفة، ولكن جرت القاعدة أن من يمشي في الأرض الحرام لابد إلا وأن تصيبه العقوبة، وهذا الذي حدث الآن بمظاهر ردة إفرنجية في العالم مرة أخرى. فضلا عن الإيدز الذي ليس له علاج ناجع أو لقاح فاعل.
ولكن يا ترى ما هو الثمن الذي سوف يدفعه العالم حتى يكتشف عقارا جديدا؟ يكفي أن نعلم أن اكتشاف الأدوية القاتلة لجراثيم الزنا لم يتم إلا منذ نصف قرن ويزيد، بعد أن دفعت البشرية قائمة جبارة من الويلات والعاهات. وأمامها الآن قائمة حسابات جديدة، وما عند الله أشد وأبقى.
)لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى