شوف تشوف

الرئيسيةحواررياضة

قصة تهنئة الراحل الحسن الثاني عبر الهاتف ولقائي بالملك محمد السادس في أكادير

غلطة العمر 49   عبد الحق عشيق (ملاكم أولمبي):

هل يمكن اعتبار مشاركتك في أولمبياد سيول عام 1988 بيد لم يكتمل علاجها غلطة العمر؟

حتى أكون حاضرا في الملتقيات الرياضية كنت أغامر أحيانا، لقد تعرضت لكسر على مستوى اليد في الألعاب العربية بسوريا، وذهبت إلى فرنسا وكنت أتمرن لكن مضاعفات الإصابة فاقت قدرة التحمل، لهذا أرسلتني الجامعة الملكية المغربية إلى طبيب اختصاصي في المستشفى العسكري، ومن غرائب الصدف أن أعيش أنا وشقيقي محنة الكسر نفسها. اقترح علي الطبيب إجراء عملية جراحية لكنني رفضت لأن المدة الزمنية التي كانت تفصلنا عن الألعاب الأولمبية بسيول لم تكن تتجاوز الشهر، إذن كان علي الاختيار بين المشاركة في حدث عالمي أو متابعته في التلفزيون وأنا في المستشفى.

 

طبعا اخترت المشاركة ولو على حساب صحتك..

كنت أغامر بصحتي فعلا، لكن حين أختار بين الفقر والميدالية أتحمل تبعات قراري، لهذا أجلت العملية الجراحية وأعلنت نفسي مشاركا ضمن البعثة المغربية المتوجهة لسيول، لأن هدفي كان تحقيق نتيجة لوطني أولا ولإنقاذ أسرتي التي كانت تعاني الفقر، ولولا الإصابة والإعداد السيئ لكنت صاحب الميدالية الذهبية الوحيدة للملاكمة على مر تاريخ المشاركات المغربية في الأولمبياد.

 

التحضير السيئ؟

نعم كان التحضير سيئا وكانت المعسكرات تتم في ظروف صعبة، حتى الحوافز المالية كانت منعدمة، وتلك حكاية أخرى. علما أن الاستعداد للأولمبياد يتطلب أربع سنوات على أقل تقدير لكن تحضيرنا لم يتجاوز ثلاثة أشهر.

 

رغم ذلك صعدت للبوديوم في سيول..

في ذلك الحدث الرياضي العالمي، كان حضور المغرب وازنا من خلال الأبطال المشاركين، أمثال عويطة ونوال وغيرهما من النجوم، بالنسبة لمشاركتي في أولمبياد سيول 1988، كانت البداية رائعة حيث توالت الانتصارات بفوز على ملاكم من السالفادور وآخر من فنزويلا وثالث من الصين، لأجد نفسي في نصف النهائي أمام ملاكم روماني كان من السهل علي تجاوزه لبلوغ المواجهة النهائية، لكنني أصبت بكسر. شعرت بألم في يدي وقلبي حاولت إكمال المواجهة لكن الطبيب منعني، ما حال دون مواصلة التباري لأكتفي بالميدالية البرونزية. وهنا لا بد من توجيه عبارات الشكر لسعيد عويطة الذي وضع رهن إشارتي طبيبه الدزاز الذي كان يعتني بيدي المصابة طيلة الأولمبياد. لم أحصل على الميدالية فقط بل تلقيت من الملك الراحل الحسن الثاني التهاني بمناسبة هذا التتويج.

 

ألم تخل دورة سيول الأولمبية من بعض الأخطاء؟

كانت ثمة مشاكل طبعا، فقد حطم العداء الكندي جونسون رقما قياسيا في سباق السرعة، لكن انفجرت بعد ثلاثة أيام أشهر فضيحة في التاريخ الأولمبي، حيث تبين أن العداء الكندي تناول منشطات فقدمت الذهبية إلى غريمه وشطب الرقم. لا تمر أية دورة من دون مشاكل، فقد سجلت ملاحظات حول التلاعب في نتائج الملاكمة، أبرزها تحول حلبة الملاكمة التي كانت تقام عليها مباراة الكوري الجنوبي والبلغاري إلى مسرح لفوضى كبيرة واشتباكات عدة.

 

ما المبلغ المالي الذي تقاضاه عشيق بعد الحصول على ميدالية برونزية؟

حوالي ستة ملايين سنتيم، لكن كما قلت لك فإن المكالمة الهاتفية والتهنئة الخاصة من الملك الراحل الحسن الثاني هي التي ظلت راسخة في ذهني. بعد ذلك لعبت بطولة العالم وشعرت بأنني بدأت أتقدم في السن وأن الوضع ليس كما هو الأمر في السابق، حينها بدأت أفكر جديا في العمل والحمد لله تم تشغيلي في شركة الحليب التابعة لـ”أونا” ثم مكتب استغلال الموانئ في فترة لاحقة.

 

عدت مجددا للتفكير في مستقبلك الغامض..

بعد أن فزت بعدة بطولات وميداليات في منافسات البحر الأبيض المتوسط في 1983 و1987، والألعاب العربية، وبعد أن تمكنت من نيل ميدالية برونزية في الألعاب الأولمبية بسيول بكوريا الجنوبية عام 1988، قررت أن أتحول إلى مدرب وأشرف على مدرسة لتكوين الملاكمين والبداية من أبناء الحي المحمدي. وبعد الاعتزال عشت ظروفا مادية صعبة وسط أسرة فقيرة بالحي المحمدي بالبيضاء.. لا زواج ولا أولاد ولا سكن ولا أفق. تحديت الظروف وأسست مدرسة للملاكمة لأبناء الحي المحمدي بقاعة تحت مدرجات مركب العربي الزاولي.

 

شاءت الصدف أن تلتقي بالملك محمد السادس في أكادير، حدثنا عن تفاصيل هذا اللقاء..

أنا أول ملاكم مغربي يحرز ميدالية أولمبية، وكنت كثير التفكير في مستقبل أسرتي لكن لقائي بالملك محمد السادس غير حياتي وحياة عائلتي نحو الأفضل. كان اللقاء في مدينة أكادير حيث شاءت الظروف أن يطلب مني البطل العالمي خالد رحيلو مساندته في الاستعداد للدفاع عن لقبه العالمي. تعرفت على خالد وصار صديقا لي منذ سنة 1988 حين شارك مع المنتخب الوطني للملاكمة في سيول، ومن هناك انتقل إلى الاحتراف لأنه يحمل جنسية مزدوجة مغربية فرنسية. كنا نستعد أنا وخالد وبعض الملاكمين بمدينة أكادير وشاءت الظروف أن يكون اللقاء بجلالة الملك محمد السادس في الفندق الذي نقيم فيه والذي دعاني واستقبلني بالقصر الملكي، هي أمنية العمر وذكرى غالية محفورة في ذاكرتي وفي قلبي، لما وجدته في ملك البلاد من عطف ورعاية ومساندة لرعاياه، خاصة الذين شرفوا المغرب في المحافل الدولية. تعاطف معي، واكتشفت أنه على اطلاع على تفاصيل وضعيتي فساعدني ماديا وفتح لي المجال لأعيش حياة أخرى أنا وعائلتي.. لقد أنقذني من الضياع ورد لي الاعتبار كملاكم وكمغربي رفع راية البلاد بكل فخر واعتزاز.

 

رغم أن القفاز انتشلك من الضياع، إلا أنك لا تشجع ابنتيك على ممارسة الملاكمة..

من الصعب اليوم أن توجه ابنك نحو رياضة تعشقها أنت، ثم إن الأصعب أن توجه ابنتك لرياضة كالملاكمة، رغم ذلك ابنتي تعشقها والابنة الثانية تمارس التنس في نادي الأعمال الاجتماعية التابع لـ”لوديب” المؤسسة التي أشتغل فيها. أنا أعترف بأن الملك والقفاز ورضى الوالدين هم المنقذون.  

 

تجمعك علاقة بلاعبي كرة القدم أكثر من الملاكمين، ما السر وراء ذلك؟

كما قلت لك كنت لاعبا في فريق الاتحاد البيضاوي ونودي علي لمنتخب الشبان وجمعتني المعسكرات والمباريات مع لاعبين من الوداد والرجاء والنادي القنيطري، والدليل على أنني كنت موهوبا في الكرة فقد كان اللاعب السابق للطاس «بؤسة» يلقبني بـ«بيلي» لأن بشرتي سوداء ومهاراتي عالية. وفي لقاءاتي مع البوساتي وأنفال وسحيتة وظلمي كنت أتلقى عبارات التشجيع، حتى أن ظلمي كان يشبهني بنجم هولندي أسمر يدعى «طها ماطا».

 

كلمة أخيرة

أستغل هذا العبور لأجدد الرحمات على شخص ساعد الأبطال الرياضيين المغاربة في المهجر، المرحوم بوزيان الذي وافته المنية بالديار الفرنسية في الشهر الماضي. هذا المناضل الذي فتح لي بيته وساعدني في بناء شخصيتي الرياضية، وكانت له غيرة على الحي المحمدي، كما أعزي أرملته لطيفة المناضلة الجمعوية العطوفة. كان بوزيان رحمه الله وزوجته سندا لناس الغيوان ولمشاهب والسهام وتكدة.  

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى