قران بدون مأذون
حسن البصري
طرح جمع التربية الوطنية والرياضة تحت سقف وزاري واحد تساؤلات عديدة، خاصة في الوسط الرياضي، لكن إسناد الحقيبة الوزارية لشكيب بن موسى بدد غيمة القلق وأكد أن القضية فيها رائحة النموذج التنموي، وأن الرهان الجديد هو إحياء عظام الرياضة المدرسية وهي رميم، والسعي إلى ترجمة مضامين التقرير التنموي الذي ليس برنامجا حكوميا بل، بلغة الرياضيين، هو «تكتيك» يقود إلى الانتصار شريطة فهم تفاصيله من طرف اللاعبين، فالخطة دائما في حاجة لطرفين طرف يضعها وآخر يفهمها.
مصالحة الرياضة مع الدراسة من شأنها أن توقف نزيف الهدر المدرسي، وتنهي العمل بالقول المأثور «إلا مجابها القلم يجيبها القدم»، هذه القولة التي لطالما ركب الكسالى فوق صهوتها وهم يركضون بعيدا عن الفصول الدراسية، وساندها مدربون وسماسرة يرسخون في أذهان النشء صورة لعبة تقطر مالا، ويرسمون في مخيلاتهم ملامح منظومة تعليمية مكلفة لا تفتح أبوابها إلا لمن استطاع إليها سبيلا.
ظلت سطور التقرير التنموي تربط الرياضة بالتربية، فتبين أن القران بينهما مسألة وقت ليس إلا، وأن تعيين بن موسى سيضعه أمام امتحان تنزيل ما أوصى به فريق عمله، صحيح أن بن موسى لا يملك عصا موسى، لكنه مطالب اليوم بوضع وصفته في محك الممارسة اليومية.
ليست المرة الأولى التي تجتمع فيها الرياضة بالتربية والتعليم، فقد «تعاشر» القطاعان في أكثر من مجلس حكومي، لكن بدوافع سياسية. اليوم نعيد الخلطة استنادا إلى توصيات خبراء وليس بضغط زعماء أحزاب، ما قد يعني أن الدولة تتجه إلى وضع استراتيجية واضحة المعالم لقطاع عاش في جلباب فضفاض.
قبل أن يغادر سعيد أمزازي منصبه وقع اتفاقية شراكة مع وزير الشباب والرياضة عثمان الفردوس، قالا في ديباجتها إن الظرفية الحالية تفرض العمل بنظام «رياضة ودراسة»، وأنه آن الأوان لبعث الرياضة المدرسية وتحويلها إلى مشتل للكفاءات والمواهب. لم يكن الوزيران يعلمان أن مصير الاتفاقية سيصبح في يد وزير يجمع القطاعين، بعد أن تبين أن الرياضة والتعليم وجهان لعملة واحدة.
لطالما ضربنا ناقوس الخطر، ونبهنا من مغبة انتقال الرياضة إلى حرفة دخلت عالم الاحتراف وشجعت النشء على مغادرة الفصول الدراسية بحثا عن المال السائب في الملاعب، وحذرنا أيضا من تحول الدين إلى مهنة واحتراف بعض التلاميذ ضمن فرق تخوض مباريات التطرف وتتوزع بين بطولة الإفتاء والرقية الشرعية. بينما هرب ما تبقى من تلاميذ صوب التعليم الخصوصي الذي أعلن القطيعة مع الرياضة إلا من رحم ربي.
في ظل حالة العزوف أصبحت المدرسة فضاء للتأديب والتهذيب والإصلاح، لا فرق بينها وبين الإصلاحية في الشعار والبناية، لذلك نضحك على خيباتنا من مآل التربية والتعليم بعد أن سقط الشطر الأول من المنظومة فاكتفينا بالبكاء والتذمر على حائط الماضي.
ستعود حصص التربية البدنية إلى مدارسنا، سيرتفع معامل التنقيط ويصبح نجباء المدرسة أقرب إلى نجباء ملاعب المدرسة، سيكتشف مدرس التربية البدنية أنه ليس مجرد مدرب للياقة البدنية بل مدرس يزرع في النشء بذور التحصيل العلمي والتربوي، سينتهي العمل بقانون «الإعفاء من الرياضة»، الذي يمكن آلاف التلاميذ من تحويل حصص التربية البدنية إلى باحة استراحة معفاة من التقييم.
في زمن مضى كنا نبحث في استعمال الزمن عن ساعات حصص الرياضة، رغم أننا نمارس كرة القدم ونحن في الطريق إلى مدارسنا حيث نقذف بأحذيتنا كل ما يصادفنا من علب وقنينات فارغة، ونتنافس على حسن التسديد وعلى مداعبة النفايات الصلبة، وقد يستمر التنافس في الفصل الدراسي لمجرد تأخر وصول المدرس أو حين يختلس دقائق للحديث مع جارته الأستاذة، وعندما يأمرنا الناظر بإحضار ولي الأمر نبحث عن شخص قادر على أداء هذا الدور، ونتحمل من أجل اختيارنا صفعة دافئة على القفا.