إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
أمام العجز الدائم الذي تعرفه الميزانية، لم تجد الحكومة من أي حل لتغطية ثقوب الميزانية، سوى تنويع الضرائب وتوسيع قاعدة المستهدفين بنيران الضرائب الجديدة التي يتضمنها مشروع قانون المالية لسنة 2020، والتي ستمس شريحة واسعة من الفئات الضعيفة والمتوسطة، فضلا عن مواصلة السياسة التقشفية، مقابل تخفيف العبء الضريبي عن رجال الأعمال وأصحاب الثروات الكبيرة، وإعفاء بعض الفئات الغنية من أداء الضرائب، رغم الأرباح التي يحصلون عليها سنويا.
توجه انتقادات حادة إلى الحكومة الحالية التي تفتقت عبقريتها في الإبداع الضريبي، من خلال توسيع الوعاء الضريبي لتغطية العجز المزمن للميزانية، وفرضت ضرائب متنوعة على الفئات الضعيفة أصلا والفئات ذات الدخل المحدود، في حين لم تقدر المس بكبار رجال الأعمال وأصحاب الثروات الكبيرة، فالمواطن بالنسبة إلى هذه الحكومة هو «الحائط القصير» الذي يسهل القفز عليه، كما علق على ذلك برلمانيون خلال مناقشة قانون المالية في اجتماع لجنة المالية بمجلس النواب، في حين أن المناظرة الوطنية للإصلاح الجبائي أكدت على ضرورة الإصلاح الجبائي في شموليته وليس فقط على حساب المواطنين البسطاء. والمثير في الأمر أن الحكومة وأغلبيتها رفضت إدخال تعديلات تروم تخفيف العبء الضريبي عن الطبقة المسحوقة، كما رفضت فرض الضريبة على الثروة.
ضرب القدرة الشرائية للمواطنين
كشف خبير اقتصادي وجود تناقضات في مشروع قانون المالية، أبرزها رفع الضريبة على القيمة المضافة على بعض المواد الاستهلاكية الأساسية واستثناء بعض مواد الكماليات والرفاهية، بحيث «وجدنا بعض المواد الأكثر استهلاكا من طرف الفقراء ارتفعت الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة إليها إلى 10 في المائة، في حين أن واضعي المشروع يرفضون رفضا باتا الرفع من نسبة الضريبة على القيمة المضافة على مواد الرفاهية إلى 30 في المائة، بدعوى أن ذلك سيكون له تأثير على تزايد ظاهرة تهريب هذه المواد»، وتساءل الخبير «كيف يمكن تهريب طائرة خاصة أو سيارة فارهة أو باخرة خاصة أو يخت سياحي، وهذه كلها أشياء أكثر من الكماليات أو الحاجيات الأساسية؟». وأبرز أن فرق الأغلبية البرلمانية قد تقدمت خلال السنة الماضية بمقترح تعديل في هذا الصدد، إلا أن الحكومة في شخص وزير الاقتصاد والمالية آنذاك، رفض هذا المقترح بالمبررات نفسها. وهكذا أستغرب لمشروع قانون المالية الذي يرفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة لبعض المواد إلى 20 في المائة، ويرفض رفع هذه الضريبة بالنسبة إلى السيارات الفخمة والطائرات الخاصة واليخوت الفارهة وما شابهها، والتي تصل أثمنتها إلى مئات الملايين من الدراهم.
واتخذت الحكومة إجراءات لضبط كتلة الأجور، من خلال العمل على تنسيق الجهود بين مصالح وزارة الاقتصاد والمالية وجميع القطاعات الوزارية، من أجل جمع وتحديد المعلومات الكفيلة بضبط توقعات نفقات الموظفين (أعداد الموظفين المعنيين بالترقية في الرتبة والدرجة، أعداد الموظفين الذين سيحالون على التقاعد،…)، وذلك في أفق تفعيل مقتضيات مشروع القانون التنظيمي لقانون المالية بإلغاء الطابع التقديري لهذه النفقات وحصرها في الغلاف المالي المرخص به في إطار قانون المالية، على غرار باقي النفقات، وحصر مقترحات القطاعات الوزارية بشأن إحداث مناصب مالية جديدة في الحد الأدنى الضروري لتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، مع العمل على تفعيل آلية إعادة الانتشار لتعبئة الفرص المتاحة بهدف تغطية العجز الفعلي على المستوى المجالي أو القطاعي، مع التقيد بعدم برمجة نفقات الموظفين في ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة التابعة للقطاعات الوزارية.
رواية الحكومة
وأكد محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، أن مشروع قانون المالية لسنة 2020 خصص ما مجموعه 91 مليار درهم لقطاعات التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والصحة، وذلك موازاة مع إحداث 20 ألف منصب مالي موزعة على 4 آلاف منصب لقطاع الصحة، و16 ألف منصب لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، منها 15 ألفا لفائدة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. واعتبر بنشعبون أن الاعتمادات المرصودة لهذه القطاعات في إطار مشروع قانون المالية 2020 تمثل ما يناهز 30 في المائة من الميزانية العامة للدولة دون احتساب الدين، مشيرا إلى أن المناصب المالية المخصصة لها تمثل 46 في المائة من مجموع المناصب المفتوحة في إطار المشروع، والتي بلغت 43 ألفا و676 منصبا ماليا، بما في ذلك المناصب المفتوحة لفائدة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. وأبرز الوزير أن مشروع قانون المالية يتضمن تدبيرا هاما موجها بالأساس إلى القطاع الصحي، عبر تمكين المواطنين من الحصول على اللقاحات الكافية، حيث ينص هذا التدبير على إعفاء اللقاحات من الضريبة على القيمة المضافة.
وأوضح بنشعبون أن «بلادنا بذلت في السنوات الأخيرة جهودا كبيرة للمحافظة على التوازنات الاقتصادية والمالية، لكن يبقى تعزيز الاستقرار والتطور الاقتصادي والحفاظ على هذه التوازنات محفوفا بمجموعة من المخاطر، تكمن أساسا في تباطؤ النمو العالمي وتقلبات أسعار الطاقة بالنظر إلى المخاطر الجيوسياسية القائمة»، وتنضاف إلى هذه المخاطر، حسب الوزير، كلفة تحمل أعباء مالية إضافية مرتبطة أساسا بتفعيل مضامين الحوار الاجتماعي، وتحمل نفقات المقاصة، والتحويلات المالية لفائدة الجهات، والكلفة المالية لإصلاح أنظمة التقاعد، ومواكبة مختلف الأوراش الإصلاحية والاستراتيجيات القطاعية. وأكد بنشعبون أن هذه الالتزامات المالية سينتج عنها تزايد لحاجيات تمويل الخزينة برسم سنة 2019 بما يناهز 16 مليار درهم، وهو ما يتطلب توفير موارد إضافية من أجل التحكم في مستوى عجز الخزينة.
وقال وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة إنه سيتم إحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يسمى «صندوق دعم تمويل المبادرة المقاولاتية» ترصد له 6 ملايير درهم على مدى 3 سنوات في إطار الشراكة بين الدولة وبنك المغرب والمجموعة المهنية للأبناك، وأبرز أن هذا الصندوق، الذي يأتي تفعيلا لتوجيهات الملك محمد السادس في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الحالية، سيخصص بالأساس لدعم الخريجين الشباب وتمكينهم من الحصول على قروض بنكية لتمويل مشاريعهم، وكذا دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة العاملة في مجال التصدير، وخاصة نحو إفريقيا، وتمكين العاملين في القطاع غير المنظم من الاندماج المهني والاقتصادي .
من جهة أخرى، لفت بنشعبون إلى أن مشروع قانون المالية يقترح مجموعة من التدابير الرامية إلى دعم الاستثمار وتخفيف الضغط الضريبي على المقاولات، سيما تخفيض السعر الهامشي للضريبة على الشركات الصناعية من 31 إلى 28 في المائة برسم رقم معاملاتها المحلي، موازاة مع تخفيض السعر الحالي للحد الأدنى للضريبة من 0.75 إلى 0.50 في المائة. وشدد على أنه ستتم مواصلة تفعيل الإصلاحات الرامية إلى تحسين مناخ الأعمال، التي كان لها أثر كبير في تحسين ترتيب المغرب في تقارير السنوات الأخيرة لممارسة الأعمال للبنك الدولي، موازاة مع العمل على إخراج الميثاق الجديد للاستثمار وإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار. وسيتم أيضا، حسب المسؤول الحكومي، إيلاء أهمية قصوى لإصلاح الإدارة تفعيلا للتوجيهات الملكية، وذلك من خلال إخراج القانون المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، خاصة في ما يتعلق بتحديد الآجال القصوى لرد الإدارة على الطلبات المتعلقة بالاستثمار، مع التأكيد على أن عدم جوابها داخل هذه الآجال يعد بمثابة موافقة من قبلها.
وبعد أن أكد بنشعبون أن الحكومة ستولي عناية خاصة لدعم المقاولات المتوسطة والصغيرة والصغيرة جدا، من خلال مواصلة التدابير الرامية إلى تصفية دين الضريبة على القيمة المضافة المتراكم خلال السنوات الماضية، وتسريع آجال استرجاع هذه الضريبة وتقليص آجال الأداء وتحسين الولوج للتمويل، أشار إلى أنه تم وضع إطار مرجعي يمكن المقاولات المبتدئة والصغيرة والمتوسطة من التعرف على كل آليات وتدابير الدعم التي تضعها الدولة رهن إشارتها، فضلا عن إصلاح هذه الآليات والرفع من نجاعتها وتبسيط مساطرها، مبرزا في هذا السياق أنه تمت المصادقة من طرف الحكومة على مشروع قانون التمويلات التعاونية، وسجل أن الحكومة موازاة مع كل هذه التدابير والمجهودات لدعم القطاع الخاص، ستواصل المجهود الإرادي لدعم الاستثمار العمومي الذي ستسجل الاعتمادات المخصصة له ارتفاعا بـ 3 ملايير درهم ليبلغ 198 مليار درهم. كما تعتزم الحكومة، يشير الوزير، إطلاق إصلاح هيكلي للمؤسسات والمقاولات العمومية بما يمكنها من المساهمة بشكل فعال في دعم دينامية النمو وخلق فرص الشغل، وذلك موازاة مع مواصلة تنزيل مقتضيات إصلاح القانون التنظيمي لقانون المالية، وتكريس الترابط بين نجاعة الأداء ومبادئ التقييم والمحاسبة، وأبرز أن سنة 2020 ستتميز بدخول مجموعة من المقتضيات حيز التنفيذ، ويتعلق الأمر بإدراج مساهمات الدولة في التقاعد وأنظمة الاحتياط الاجتماعي ضمن نفقات الموظفين.
فشل الحكومة أمام اللوبيات
وخلافا لذلك، يرى نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي، أن حكومة العثماني «أعلنت فشلها أمام لوبيات الفساد واقتصاد الريع، ذلك الشعار الرنان الذي منحها ثقة ملايين الناخبين، بالرغم من الإصلاحات الدستورية الكبيرة»، مشيرا إلى أن المغرب ما زال يحتل الرتبة 73 عالميا في مؤشر الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية العالمي، والتي أكدت أن الفساد يعتبر التحدي الرئيس في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يستمر تضارب المصالح في الهيمنة على مفاصل الاقتصاد. وتساءل مضيان بالقول «أين الحكومة إذن من ملف إصلاح التقاعد، الذي ما زال يرزح تحت تهديد عجز بنيوي يهدد بالقضاء على تقاعد مئات الآلاف من المتقاعدين في أفق 2026، كما تقول تقارير الحكومة نفسها، بالرغم من الاصلاح الجزئي الذي أدى فيه الموظف العمومي تكلفة كبيرة جدا؟»، مضيفا: «أين الحكومة من ملف إصلاح الإدارة التي لا تزال ترزح تحت وطأة الرشوة والبيروقراطية وتعقد المساطر وضعف النجاعة وسوء انتشار الكفاءات؟ وأين هي من الحكومة الرقمية ومواكبة التطور المعلوماتي الدولي؟ وأين الحكومة من ملف إعادة توزيع الثروة؟».
وقال مضيان إن الحكومة فقدت بوصلة الأولوليات، وضاعت شعاراتها الاجتماعية أمام هاجس التوازنات الماكرو -اقتصادي، بالرغم من التوجيهات الملكية المستمرة التي ما تنفك توجهها نحو القضايا الاجتماعية، مشيرا إلى أن الحكومة «أسقطت رهان تحقيق العدالة الضريبية بمزيد من الإنهاك الضريبي للطبقات الفقيرة والمتوسطة، التي باتت أمام انحسار إبداعكم، ملجأكم للرفع من المداخيل دون مراعاة لغلاء كلفة المعيشة وهزالة الأجور، حتى أصبحت بلادنا تتصدر مستوى التضريب على المستوى العربي، في مقابل استمراركم في سياسة الإعفاءات الضريبية بملايير الدراهم لقطاعات بعينها، دون إخضاع هذه الإعفاءات التي استمرت لسنوات طويلة لأي تقييم علمي يحدد أوجه مساهمتها في إنعاش الاقتصاد»، وأضاف: «انهزمتم أمام اقتصاد الريع والفساد الذي وعدتم المغاربة أنكم ستحققون بمحاربته نقطتي نمو إضافية، فإذا بكم لم تتمكنوا من تجاوز عتبة 3 بالمائة التي تقل عن متوسط النمو بإفريقيا والذي يتجاوز 4.3 بالمائة، بل إنكم لجأتم إلى سياسة عفا الله عما سلف مرة أخرى، بالرغم من إضرارها الكبير بالهيبة الأخلاقية للدولة ودستورها وقانونها، وما سيمثل ذلك من تشجيع على مزيد من تهريب الأموال العمومية إلى الخارج».
إجراءات تقشفية وضرب القدرة الشرائية للمواطنين
يتضمن مشروع قانون المالية لسنة 2020 المعروض حاليا على أنظار مجلس المستشارين، مجموعة من الإجراءات الضريبية التي تثقل كاهل المواطنين وتضرب ما تبقى من قدرته الشرائية، في حين يتضمن إعفاءات ضريبية تعتبر بمثابة هدايا تمنحها الحكومة للأغنياء وكبار رجال الأعمال والمنعشين العقاريين.
وفي الوقت الذي رفعت الحكومة خلال السنوات الثلاث الأخيرة من قيمة الضرائب على بعض المواد الاستهلاكية، وخاصة المواد الأكثر استهلاكا من طرف الفقراء، من قبيل «الشاي» و«العدس»، و«اللوبيا»، و«الأرز» و«الشعرية» و«الزبدة»، نجدها في قانون المالية للسنة المقبلة، تخفض من رسوم الاستيراد على المواد التي تستهلكها الطبقة الغنية، حيث قلصت من رسوم الاستيراد المطبقة على الأسماك المحضرة أو المحفوظة من 40 في المائة إلى 10 في المائة فقط، من قبيل «الكافيار» و«التونة» و«بونيت مخطط البطن» و«بونيب الأطلنطي» المعروف بـ«ساردا» (darda spp)، وكذلك شرائح تسمى «حقويه» من بونيت مخطط البطن (ايوثينوس، كاتسووانوس، بيلاميس).
ولجأت الحكومة إلى تخفيض رسوم استيراد المواد التي تدخل في صناعة البسكويت والحلويات والشكولاته، بتطبيق الحد الأدنى المحدد في نسبة 2,5 في المائة، وهذه المواد هي السكر المكرر والحليب المجفف والقمح اللين المعد لصناعة البسكويت، ومواد اللوز والبندق والفول السوداني، وبعض الدهون النباتية الخاصة، مقابل ذلك سيتم فرض ضريبة على القيمة المضافة بتطبيق سعر 20 في المائة على التمور الملففة المنتجة بالمغرب، بعدما كانت معفاة من هذه الضريبة، ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعارها بالأسواق بنسبة 20 في المائة، رغم حدة المنافسة التي تواجهها مع التمور المستوردة من تونس والجزائر وغيرها، كما يقترح قانون المالية الرفع من رسوم الاستيراد من 2,5 إلى 30 في المائة على بعض المنتجات المصنعة وشبه المصنعة، ومنها ثلاجات التبريد من حجم يتراوح ما بين 50 و100 لتر، ما سيؤدي إلى ارتفاع ثمنها في السوق، بعد مضاعفة نسب الرسوم بأكثر من 10 مرات.
وفي الوقت الذي تدعو الحكومة إلى الاقتصاد في الطاقة، ولجأت خلال السنة الماضية إلى فرض الساعة الإضافية على المغاربة، رغم الأضرار الصحية التي يمكن أن تتسبب فيها، نجدها تتناقض مع نفسها في قانون المالية، من خلال الرفع من رسوم استيراد مصابيح الإنارة الكهربائية «LED» التي تقتصد في استهلاك الطاقة الكهربائية، من 2,5 إلى 30 في المائة، ما سيؤدي إلى ارتفاع ثمنها في السوق، بسبب مضاعفة رسم الاستيراد بأكثر من 10 مرات، وبالتالي لجوء المواطنين إلى استعمال المصابيح العادية.
ولم يحمل مشروع قانون مالية 2020 النفس الاجتماعي المرجو خلافا لما تروج له حكومة سعد الدين العثماني. فقد أبانت الميزانيات المخصصة في المشروع للقطاعات الاجتماعية عن تراجع الحكومة عن جعل القطاع في صلب أولياتها، إذ أنها واصلت التخلص تدريجيا من دعم المواد الأساسية من خلال التقليص من نفقات صندوق المقاصة والاعتمادات الموجهة للصندوق والتوجه نحو تحرير أسعار المواد الأساسية، بعد تجربة تحرير أسعار المحروقات التي بدأ بها عبد الإله بنكيران في حكومته سنة 2015، والتي انخفض معها الدعم المخصص لصندوق المقاصة من 29 مليار درهم، إلى أزيد من 17 مليار درهم خلال السنوات التي تلت قرار التحرير، وبعدما حددت الحكومة العثماني اعتمادات صندوق المقاصة في قانون مالية 2019 في 17.6 مليار درهم، عادت لتخفضها من جديد إلى 13.6 مليار درهم في مشروع قانون مالية 2020، ما يوحي باستمرار منحى التحرير للأسعار خلال السنة المقبلة خلافا لما كانت الحكومة تنفيه في كثير من المناسبات.
وسبق لرئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، أن أعلن في مذكرة توجيهية، عن وضع إجراءات تقشفية ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2020، ترمي إلى تقليص النفقات، وذلك لمواجهة التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني، في ظل تراجع معدل النمو وارتفاع عجز الميزانية. وأوضح العثماني في مذكرة توجيهية تتعلق بإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2020، أنه رغم الجهود المبذولة للمحافظة على التوازنات الاقتصادية والمالية، فإن تعزيز الاستقرار والتطور الاقتصادي والحفاظ على التوازنات الاقتصادية، يبقى محفوفا بمجموعة من المخاطر، تكمن أساسا في تباطؤ النمو العالمي وتقلبات أسعار الطاقة بالنظر للمخاطر الجيوسياسية القائمة، كما تنضاف إلى هذه المخاطر، كلفة تحمل أعباء مالية إضافية مرتبطة أساسا بتفعيل مضامين الحوار الاجتماعي، وتحملات المقاصة، حيث تتحمل ميزانية الدولة برسم السنة المقبلة حوالي 13,6 مليار درهم، مشيرا إلى اعتماد نظام للتأمين ضد الارتفاع الكبير للأسعار.
وأكد رئيس الحكومة على أن إعداد مقترحات الميزانيات برسم مشروع قانون المالية لسنة 2020 يجب أن يأخذ في الاعتبار مجموعة من التدابير انسجاما مع الجهود التي بذلها المغرب للمحافظة على التوازنات الاقتصادية، ودعا مختلف القطاعات إلى التقيد بعدد من التوجهات الرئيسية لإعداد مقترحاتها برسم مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، تتمثل أساسا في التحكم في نفقات الموظفين، واللجوء إلى آليات التمويل المبتكرة، وتنفيذ مختلف الإصلاحات، كما أوصى العثماني بترشيد النفقات المرتبطة بتسيير الإدارة ومواصلة التحكم في نمط عيشها. وأبرزت المذكرة أيضا ضرورة إعادة النظر في طريقة تدبير اعتمادات الاستثمار من خلال ترشيد الطلبات المتزايدة على مستوى الاعتمادات، مع إعطاء الأولوية للمشاريع موضوع اتفاقيات وطنية ودولية موقعة أمام الملك.
عبد اللطيف الشنتوف: المادة 9 من مشروع القانون المالي آلية تشريعية لإفراغ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الدولة والجماعات من إلزاميتها
في سابقة في تاريخ العلاقة بين السلطة التنفيذية والقضائية، خرج القضاة لتوجيه انتقادات لاذعة لمشروع قانون المالية الذي أعدته الحكومة وينتظر المصادقة عليه في المؤسسة التشريعية بغرفتيها (النواب والمستشارين)، وقد دفعت المادة 9 من مشروع القانون المالي، والتي تمنع الحجز على ممتلكات الدولة، القضاة إلى الخروج من أجل انتقادها باعتبارها «تمثل مساسا باستقلالية وهيبة القضاء». وفي هذا السياق، يرى عبد اللطيف الشنتوف، رئيس نادي قضاة المغرب، أن النقاش الذي ينبغي التركيز عليه اليوم وإيجاد أجوبة له للرأي العام القانوني والحقوقي هو «مضمون المادة التاسعة من مشروع قانون المالية لسنة 2020، لأن من شأن إقرارها إفراغ الأحكام القضائية من محتواها، في غياب آليات أخرى تمكن المتقاضين من تنفيذ أحكامهم في مواجهة الإدارة، وضرب مبدأ المساواة بينهما (الإدارة والمتقاضي) في مرحلة التنفيذ على خلاف مرحلة التقاضي».
ويرى الشنتوف أنه «وحتى في ظل وجود إمكانية الحجز على أملاك الدولة – وفق الشروط القانونية- ومع ذلك هناك إشكال كبير في تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة، فما بالك إذا تم إقرار المادة 09 المذكورة»، مضيفا إلى أن «جلالة الملك أشار في خطاب افتتاح السنة التشريعية إلى ضرورة تنفيذ الأحكام القضائية، ووجوب أن تعطي الإدارة القدوة في ذلك»، معتبرا أنه «من منطلق حرص نادي قضاة المغرب كجمعية مهنية للقضاة على الدفاع عن استقلالية السلطة القضائية، وتحصين دور القاضي في حماية حقوق وحريات المواطنين أفرادا أو جماعات، ومن منطلق إيمانه العميق بأهمية مؤسسة تنفيذ الأحكام والمقررات القضائية، ودورها المحوري في توطيد «الأمن القضائي» وقيمتي العدل والإنصاف اللتين تشكلان ركيزة من أهم ركائز دولة الحق والقانون، أكدنا على أن ما تضمنته مقتضيات المادة التاسعة من مشروع قانون المالية لسنة 2020، من منع لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الدولة والجماعات الترابية عن طريق الحجز، يشكل مسا واضحا بمبدأ فصل السلط واستقلالية السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما هو منصوص عليه في الفصلين 1 و107 من الدستور.
وأكد المتحدث أن «مقتضيات المادة المذكورة آلية تشريعية لإفراغ الأحكام والمقررات القضائية الصادرة في مواجهة الدولة والجماعات الترابية من محتواها وإلزاميتها، وذلك خلافا للفقرة الأولى من الفصل 126 من الدستور»، مبينا أن هذا النص الدستوري الذي ينص على «أن الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع، دون تمييز بين أطراف الدعاوى المتعلقة بها»، مشددا على أن «المقتضيات المذكورة، وفضلا عن مخالفتها لأحكام الدستور، فإنها ومن جهة أخرى، مخالفة للتوجيهات الملكية السامية التي ما فتئت توصي بضرورة وأهمية تنفيذ المقررات القضائية وجريان مفعولها على المحكوم ضدهم، بما في ذلك الإدارة وكل مرافق الدولة، في إطار المبدأ الدستوري القاضي بمساواة الجميع أمام القانون والقضاء». وذكر الشنتوف بأن نادي قضاة المغرب «دعا السلطة التشريعية إلى إعادة النظر في مقتضيات المادة التاسعة أعلاه، لما تشكله من تراجع واضح عن المكتسبات الحقوقية الدستورية، ومس باختيارات المجتمع المغربي، ملكا وشعبا، في بناء مقومات دولة الحق والقانون؛ والدعوة من جهة أخرى، الإدارة إلى إعطاء القدوة في تنفيذ المقررات القضائية واحترام مقتضياتها».
واعتبر القضاة في بيان لنادي قضاة المغرب أن ما تضمنته مقتضيات المادة التاسعة من مشروع قانون المالية لسنة 2020، من منع لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الدولة والجماعات الترابية عن طريق الحجز «يشكل مسا واضحا بمبدأ فصل السلط واستقلالية السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما هو منصوص عليه في الفصلين 1 و107 من الدستور»، مضيفين أن «مقتضيات المادة المذكورة آلية تشريعية ترمي إلى إفراغ الأحكام والمقررات القضائية الصادرة في مواجهة الدولة والجماعات الترابية من محتواها وإلزاميتها، وذلك خلافا للفقرة الأولى من الفصل 126 من الدستور، الذي ينص على: «أن الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع»، دون تمييز بين أطراف الدعاوى المتعلقة بها، أكانت من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص».
واعتبر قضاة المغرب أن مضامين المقتضيات المذكورة، مخالفة لأحكام الدستور، و«معاكسة للتوجيهات الملكية السامية، التي ما فتئت توصي بضرورة وأهمية تنفيذ المقررات القضائية وسريان مفعولها على المحكوم ضدهم، بما في ذلك الإدارة وكل مرافق الدولة، في إطار المبدأ الدستوري القاضي بمساواة الجميع أمام القانون والقضاء»، فيما دعا القضاة إلى إعادة النظر في مقتضيات المادة التاسعة من مشروع قانون المالية «لما تشكله من تراجع واضح عن المكتسبات الحقوقية الدستورية، ومس جسيم باختيارات المجتمع المغربي، ملكا وشعبا، في بناء مقومات دولة الحق والقانون»، معتبرين أن «الإدارة مطالبة بإعطاء القدوة في تنفيذ المقررات القضائية واحترام مقتضياتها».
ـ(*ّ) رئيس نادي قضاة المغرب
العثماني يهدي إعفاءات ضريبية لرجال الأعمال والمنعشين العقاريين
كشف تقرير حول النفقات الجبائية المرفق لمشروع قانون المالية لسنة 2020، أن حكومة سعد الدين العثماني، منحت هدايا ضريبية لرجال الأعمال والمنعشين العقاريين، بلغت قيمتها حوالي 28 مليار درهم، واستحوذ قطاع العقار على نصيب الأسد من حصة الإعفاءات الضريبية.
وكشف التقرير، أن عدد التدابير التي تم إحصاؤها قد انتقل من 295 تدبيرا سنة 2018 إلى 293 تدبيرا سنة 2019، منها 236 تدبيرا كانت موضوع تقييم لسنة 2019، وتشكل حصة التدابير التي تم تقييمها 81 في المائة في مجموع التدابير التي تم إحصاؤها سنة 2019. ويتضمن التقرير، جردا لما مجموعه 293 تدبيرا من التدابير الاستثنائية المؤهلة كنفقات جبائية لسنة 2019، حيث تتمثل هذه التدابير في اعفاءات كلية أو جزئية أو مؤقتة، وتخفيضات وإسقاطات وخصوم وضرائب جزافية وتسهيلات مالية. وأشار التقرير إلى انخفاض إجمالي للنفقات الجبائیة بنسبة 3 في المائة خلال سنة 2019، ویرجع ذلك أساسا إلی تراجع النفقات الجبائیة المتعلقة بالضریبة على الدخل (915 ملیون درهم) والضریبة على القیمة المضافة (368 ملیون درهم)، بالإضافة إلی ذلك، ارتفعت النفقات الجبائیة المتعلقة بالضریبة على الشركات والرسوم على عقود التأمین، حیث سجلت على التوالي زیادة قدرها 328 ملیون درهم و180 ملیون درهم.
وبالنسبة لسنة 2019، يكشف تحليل بنية النفقات الجبائية عن رجحان النفقات الجبائية المتعلقة بنوع الإعفاءات الكلية التي تمثل نسبة 58 في المائة من الإعفاءات الإجمالية مقابل 57 في المائة سنة 2018، في حين تأتي في المركز الثاني النفقات الجبائية المتعلقة بالتخفيضات بنسبة 29 في المائة من الإعفاءات الإجمالية مقابل 31 في المائة سنة 2018، وسجل التقرير هيمنة النفقات الجبائية المتعلقة بالقطاع العقاري بنسبة 16 في المائة، وقطاع الطاقة بنسبة 18 في المائة وقطاع الأمن والاحتياط الاجتماعي بنسبة 18 في المائة، وقطاع الصادرات بنسبة 10 في المائة.
وأوضح التقرير أنه عندما نتحدث عن النفقات الجبائية، فتلقائيا هناك طرف مستفيد، إما من الشركات أو الأسر أو حتى الخدمات العامة، وفي عام 2019، استفادت الشركات من أكبر حصة من النفقات الجبائیة بمعدل 49 في المائة، ثم تلیها الأسر بحصة 46 في المائة من النفقات الجبائیة، ثم المرافق العمومیة بنسبة 3 في المائة، وتبقى بنیة توزیع النفقات الجبائیة حسب نوع المستفید متسقة مع بنیة سنة 2018، حیث تبقى الأسر والشركات في المقدمة مثل معظم البلدان الناشئة والمتقدمة. وأشار التقرير إلى أن النفقات الضریبیة، تعتبر إحدى الآلیات التي توظفها الدولة من أجل تخفیف العبء الضریبي على بعض الفئات من الملزمین أو الأنشطة الاقتصادیة، مما یتیح للدولة إمكانیة تحقیق أهدافها الاستراتیجیة في جمیع المیادین الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة وغیرها. وللإشارة فإن النفقات الضریبیة تأخذ أشكالا تتنوع بین تخفیض معدلات الضرائب والإعفاء التام، وبالنظر لما تحدثه الاستثناءات الضریبیة من نقص مهم في المیزانیة العامة للدولة، فإن انعكاساتها على هذه الأخیرة تكون مشابهة للآثار التي تخلفها النفقات العمومیة على هذه المیزانیة، لذا سمیت بالنفقات الجبائیة، وتنحصر النفقات الجبائیة المعمول بها في التدابیر الضریبیة التي تخرج عن نطاق النظام الضریبي المرجعي الذي یشمل مختلف الأنظمة الأساسیة للضرائب المعروفة باسم «النظام العام».
3 أسئلة لعبد الخالق التهامي : «مشروع قانون مالية 2020 استمرار للمشاريع السابقة والوضعية المالية أصبحت مقلقة»
- هل يمكن القول بأن مشروع قانون مالية 2020 قد زاغ عن البعد الاجتماعي؟لا يمكن القول بذلك ولا أن نقول إن الحكومة من خلال هذا المشروع للقانون المالي لسنة 2020 قد أغنت الغني وأفقرت الفقير، بل إن هذا المشروع للقانون المالي للسنة المقبلة يمكن أن نعتبره صورة طبق الأصل لمشاريع القوانين المالية للسنوات الفارطة. وحسب تقديري، فإن مشروع القانون المالي هذا ما هو إلا استمرار للقوانين المالية السابقة، إذ إنه لم نسجل أي تغيرات كبرى في التوجهات المالية للحكومة من خلاله، خصوصا حتى في الشق المتعلق بدعم القطاعات الاجتماعية والجانب المالي المخصص للمقاصة، على اعتبار أنه لم يصدر بعد السجل الاجتماعي الموحد الذي يمكن أن تعتمده الحكومة في هذا الجانب، وبالتالي فإن مشروع القانون تضمن محاولة من الحكومة للتركيز على قطاعات التعليم والصحة والتكوين المهني، على اعتبار الخطاب الملكي الأخير الذي أوصى بالتركيز على هذه القطاعات ومنها التكوين المهني، غير هذا فهو لم يتضمن مستجدات مغايرة لما جاءت به قوانين المالية السابقة، بل إنه ليس هناك برامج في مشروع القانون المالي للسنة المقبلة خصصت للاهتمام بالفقير بالتحديد، بل تم الابقاء على صندوق المقاصة، وصندوق التنمية المجالية، وهو الأمر الذي يدفعنا إلى ن نقول إن الحكومة لم تحدث أي تغيير في برامجها ولا توجهها المالي، كي نقول إنها أغنت الغني وأفقرت الفقير أو نقول إنها تبنت توجها اجتماعيا.
- ماذا بخصوص إبقاء الحكومة على عدد كبير من الحسابات الخصوصية في مشروع القانون المالي؟يجب التأكيد على أن موضوع الحسابات الخصوصية (الصناديق السوداء) التي لا تخضع للرقابة والمحاسبة المالية، كان رهانا لدى أغلب الحكومات السابقة التي حاولت التقليص من عدد هذه الصناديق والخفض منها، غير أنه في المغرب لم تستطع بعد أي من الحكومات بما فيها الحكومة الحالية القضاء على تلك الصناديق، خصوصا التي تبقى اعتماداتها وأوجه صرفها غير واضحة وغير دقيقة، وهذا الأمر اعتبر أنه من النقاط السوداء في مشروع قانون المالية ليس للسنة المقبلة, بل أيضا للسنوات التي مضت، وهذه نقطة سلبية قديمة وليست وليدة مشروع قانون مالية 2020. وفي اعتقادي الشخصي فإنه يجب العمل على معالجة هذه النقطة السلبية، على اعتبار أن قانون المالية يجب أن يكون دقيقا من حيث صرف المالية العمومية، ومراقبة هذا الأمر والحسابات الخصوصية قد لا تتيح آلية المراقبة الدقيقة لهذا الجانب.
- ماهي الإشكالات الاقتصادية التي تطرحها مستجدات مشروع القانون، خصوصا المادة 9 منه؟ لقد شغلت هذه المادة حيزا مهما في النقاش، ويمكن القول خصوصا في ما يتعلق بتأثيرها على الاقتصاد الوطني والاستثمار الذي من شأنه إنعاش الاقتصاد. وأعتقد أن الحكومة كانت تملك عدة طرق لتمرير مقتضيات كهذه، غير أنه وبخصوص التأثير على الاستثمار، فيجب التأكيد على أن نقص الثقة في التشريع والمنظومة القضائية لا محالة سيؤثر على الاستثمار الخارجي، على اعتبار أن «الرأسمال جبان»، وهناك مستثمرون أجانب يخشون القضاء المغربي والإدارة المغربية، وهذا الأمر يؤثر على جلب الاستثمار، ويمكن بطبيعة الحال للإصرار على تمرير هذه المادة وما تحمله في طياتها أن يؤثر على ثقة المقاولات في القضاء، هذا إذا ربطنا أيضا بأن مشروع قانون المالية يعطي إشارات بأن الوضعية المالية أصبحت مقلقة على مستوى المديونية، وعلى الحكومة أن تراعي ذلك، بل الأكثر من هذا أن المؤسسات الدولية المالية بدأت تدق ناقوس الخطر، وهذا الإشكال مطروح بقوة وعلى الحكومة أن تعي هذا الأمر وتوليه الاهتمام الضروري.