قانون الاحتكار والمضاربة
بعد مرور نصف سنة على خطاب العرش الذي دعا مباشرة، المؤسسات الدستورية، لمحاربة الاحتكار والمضاربات وتحقيق الربح دون اعتبار للمصلحة الوطنية العليا، لا شيء تحرك في الضرب على أيدي المتلاعبين بالأسعار، والدليل على ذلك موجة الغلاء التي تعيشها بلادنا دون وضع قانون ومؤسسات جديدة يلجمان المضاربين والمحتكرين الذين لجأ بعضهم إلى إتلاف وتخزين بعض الخضر من أجل استمرار موجة الغلاء وضمان أرباح غير مشروعة.
للأسف لم نستطع لحدود اليوم اعتماد قانون مستقل يحارب المضاربات والاحتكار والتخزين العشوائي، خصوصا في ظلّ ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية والخضروات واللحوم البيضاء. وفي كل موجة غلاء يتم الاقتصار على الخطاب والمشاهد الموسمية للجان لمراقبة الأسعار تطوف ببعض الأسواق المنتقاة بعناية دون تطبيق القانون المتواضع الذي نتوفر عليه في مجال محاربة الاحتكار، وهو ما ساهم بطريقة أو بأخرى في اهتزاز ثقة المواطنين بالسلطة ومدى جدّيتها في تفعيل هذه الخطوة.
والواقع أن هذه الإجراءات المناسباتية وغياب منظومة قانونية ومؤسساتية حقيقية في مواجهة المحتكرين والمضاربين والفاسدين جعلت خطاب مكافحة المضاربة مجرد مسكن للاستهلاك العام، ملّه المواطن المغلوب على أمره منذ سنوات، لأنه في آخر المطاف لا يعاقب أحداً ولا يعيد الأسعار إلى وضعها الطبيعي.
إن قيام بعض لوبيات التجار بتخزين المواد الغذائية أو إتلافها أو الزيادة في أسعار الخضر واللحوم والفواكه، أو التساهل في مراقبة الأسواق في زمن الأزمات، تعتبر تقصيرا متعمدا يتجاوز جني الأرباح بشكل غير شرعي وغير مشروع والإهمال في أداء المهام، بل هو جريمة تتوخى تحقيق أهداف سياسية مبطنة من شأنها أن تمس النظام العام وتتلاعب باستقرار الوطن.
لهذا نحن في حاجة ماسة لإعداد قانون متعلق بمكافحة المضاربة والاحتكار غير المشروع، يتضمن عقوبات زجرية في حال إثبات التورط في جريمة المضاربة، وللأسف هناك دول بجوارنا يمكن أن تؤاخذ عليها كل أشكال العبث والحماقات، لكنها تتوفر على ترسانة قانونية قوية في مواجهة المضاربين والمحتكرين يمكن اللجوء إليها كلما اقتضت الضرورة ذلك، لكن يبدو أن هناك من يخيفهم مثل هذا القانون لأنه سينهي اتجارهم بمآسي المواطنين.