![](https://www.alakhbar.press.ma/wp-content/uploads/2023/09/77_Plan-de-travail-1-copie-2.jpg)
يونس جنوحي
هم مُغامرون، أحدهم تجاوز سنه السبعين، قرروا أن يقطعوا المسافة من المغرب نحو ساحل العاج، إما راكبين دراجات هوائية أو على متن سيارة عتيقة الطراز أحيلت على التقاعد منذ سنوات.
ما يجمع هؤلاء جميعا، هو رغبتهم في عيش أجواء المنافسات القارية بطريقة استثنائية، تختلف عن إجراءات حجز تذكرة طائرة في الساعات الأخيرة التي تسبق المباراة الأولى للمنتخب المغربي والنزول في فندق لا يبعد كثيرا عن الملعب، والعودة مباشرة أو تأجيلها لمتابعة بقية مباريات المنتخب.
تجربة السفر برا نحو ساحل العاج، والتي بدأها هؤلاء المغامرون قبل أشهر، درس لكل من يريد فعلا اكتشاف القارة الإفريقية، خصوصا الذين يلوحون بشعار «أمنا إفريقيا»، هذه القارة التي لا يُطيق أبناؤها أنفسهم، ولا بعضهم البعض، لكنهم يتوحدون فجأة لمتابعة مباريات كرة القدم.
وأكبر دليل على هذا الأمر، أن مشجعين مغاربة يشاركون الرحلة مع مُشجعين جزائريين، ويتقاسمون معهم المغامرة بتفاصيلها، حلوها ومرها.
لكن السياسيين الجزائريين لديهم رأي آخر عندما يتعلق الأمر بترك الخلافات جانبا ومحاولة الاتحاد لمتابعة المنافسات القارية، التي تحقق فعلا التقارب بين الشعوب. إذ أن الجزائر استدعت سفيرها في مالي، قبل ثلاثة أسابيع تقريبا، وقررت الأسبوع الماضي فقط أن تُعيده، أي أن استدعاء السفير لم يستمر سوى أسبوعين فقط.
الإعلام الجزائري يقول إن قرار استدعاء السفير في مالي، تطبيق لـ «مبدأ المعاملة بالمثل»، والسبب أن مالي استدعت سفيرها في الجزائر قبل ذلك، وعممت بلاغا قالت فيه إن الجزائر تدخلت في الشأن الداخلي المالي.
السلطات في مالي وصل إلى علمها أن معارضي النظام، وبعض الشخصيات المعروفة بعدائها للحكومة المالية -هذا ما جاء في البلاغ- يجتمعون في الجزائر، واتهموا هذه الأخيرة بتسهيل إقامتهم وإيوائهم وظروف عقد اجتماعاتهم.
وما زاد الطين بلة، أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، استقبل بدوره شخصية دينية وسياسية من مالي، تعارض الحكومة المالية. يتعلق الأمر بخطيب وإمام اسمه محمود ديكو، لم يتورع عن إلقاء خطب يعلن فيها مباشرة معارضته للمجلس العسكري الحاكم ورفضه له، بل ويدعو أنصاره في أكثر من مناسبة إلى ضرورة معارضته.
عندما رفض الماليون التدخل الجزائري في شؤونهم الداخلية، استدعوا سفيرهم في الجزائر، وهو ما جعل الجزائريين يستدعون سفيرهم أيضا، على بُعد أيام فقط من انطلاق المنافسات القارية في كرة القدم، والتي يتابعها الجزائريون، كما الماليون، بنفس الشغف.
استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد تبادل تطمينات لا تخلو من لغة «البيانات» والمجاملات، لا يمكن أن يُعتبر حلا جذريا لمشكل الموقف من حكومة مالي الحالية، ولا من المجلس العسكري.
القارة الإفريقية، كما نقل هؤلاء الرحالة أثناء رحلتهم، تعاني كثيرا وتجر وراءها قرونا من التهميش ومخلفات التدخل الاستعماري في شؤونها. أغلب الدول الإفريقية التي يُلقي أبناؤها أنفسهم في البحر بدون تردد، هربا من الحروب الأهلية والانقلابات العسكرية، تتحمل الدول الأوروبية التي استعمرت بلادهم سابقا مسؤولية واقعها الحالي.
هناك دول إفريقية تُسيطر فرنسا على اقتصادها، وهو استنزاف لم يتوقف رغم تنديد اقتصاديين فرنسيين ديموقراطيين بالنموذج الاقتصادي الفرنسي الذي يتغذى على ثروات دول إفريقية كانت مستعمرات سابقة لفرنسا أيام القرون المظلمة، ورغم ذلك فإن إفريقيا لا تتوقف أبدا عن إبهار العالم.