في وساطة الاتحاد الإفريقي
يستطيع الرئيس الإيفواري حسن واترا أن ينجح في وساطته، لناحية عودة الوئام إلى العلاقة بين المغرب والاتحاد الإفريقي، إن ركز مساعيه على تغيير موقف المنظمة الإفريقية. فالمشكل في جوهره ليس قائما بين دولة ومنظمة، وإنما بين هذه الأخيرة ونفسها. كون انتهاك الميثاق الإفريقي في تحديد شروط عضوية الانتماء إلى المنظمة هو مصدر الأزمة.
في وقائع دالة على حيثيات ما حدث أنه في الوقت الذي كانت لجنة الحكماء الإفريقية في طريقها إلى وضع أرضية سياسية وقانونية لخطة التسوية السلمية التي اقترحها المغرب أمام قمة نيروبي لمنظمة الوحدة الإفريقية، وقع زيغ عن السكة. وانفرد السكرتير العام للمنظمة سيء الذكر آدم كودجو بطرح مسألة ضم الكيان الوهمي لما يعرف بـ «الجمهورية الصحراوية». نتيجة انحيازه لموقف الجزائر الذي عاكس شرعية الحل الإفريقي.
البقية متداولة، ومحورها أن ضم الكيان الوهمي تم عبر وسائل الإغراء وتوزيع الأموال، على رغم التحفظات التي أبدتها العديد من الدول الإفريقية الوازنة في المشهد الإفريقي، وجاء انسحاب المغرب لوضع حد للسيناريو الذي جرى الإعداد له، برسم فرض الأمر الواقع، على أساس أن ذلك «الاعتراف» الذي شكل خرقا سافرا للقانون الدولي، يمكن أن يقود إلى احتلال بوليساريو مكانا ما في الأمم المتحدة، إلا أن انسحاب المغرب أفشل تلك الخطة، حيث تمنت الرباط حظا سعيدا للدول المناوئة مع شريكها الجديد. ولم يخب الظن فقد تزامن الانسحاب المغربي مع بدء العد العكسي لانهيار منظمة الوحدة الإفريقية تدريجيا، إلى أن تم استبدالها بـ «الاتحاد الإفريقي».
بيد أن هذا الأخير أخفق في تلافي الثغرات العميقة التي أحدثت شرخا بين الدول الإفريقية، ولم تتأخر ردود الفعل، بل تكاثفت بصورة ملحوظة، من خلال توالي سحب الاعترافات وتعليق أنواع الارتباطات بين دول إفريقية عدة والتنظيم الانفصالي لجبهة بوليساريو. وشكلت مسألة سحب الاعترافات ظاهرة جديدة في السلوك السياسي المرتبط بالعلاقات، إذ اعتبرت إنصافا موضوعيا لموقف المغرب وانتصارا لقضيته العادلة المشروعة.
لم يكتف المغرب برصد هذه التطورات، بل سارع إلى تعزيز وتمتين العلاقات مع الدول الإفريقية، إلى درجة أنها أصبحت أكثر دينامية وتضامنا، وقفزت على معوقات «الاتحاد الإفريقي» لتستقر عند دعم مبادئ التضامن والحوار وإقامة شراكات بأبعاد استراتيجية متميزة، ما يؤكد مصداقية وفعالية الانتماء الإفريقي للمغرب، من دون الحاجة إلى تأشيرة مرور من طرف «الاتحاد الإفريقي» الذي غرق في تناقضاته، وعجز عن أن يكون ضميرا حيا وصوتا حقيقيا للدول الإفريقية.
تعزز انسحاب المغرب بخطوة لافتة، تكمن في نقل ملف التوتر القائم في منطقة الشمال الإفريقي إلى مجال اختصاصات الأمم المتحدة التي قدمت أكثر من مبادرة على طريق التسوية السلمية. وعندما شعر التيار المناوئ للمغرب بأن هذا المسار أبعد «الاتحاد الإفريقي» عن الاضطلاع بأي دور أو مسؤولية، جاءت المحاولات مكشوفة الخلفيات من أجل العودة من النافذة، كما تجلى ذلك عبر تعيين مبعوث للاتحاد إلى قضية الصحراء.
أبعد من أي وساطة قائمة أو محتملة، فإن الأزمة تتطلب مبادرة سياسية من «الاتحاد الإفريقي» نفسه، أقربها أن يبحث في وسيلة ليكون منسجما مع توجهات الشرعية الدولية التي تتبنى حلا سياسيا وفاقيا للمشكل. ومادام «الاتحاد الإفريقي» يوجد في صف مناقض لهذا المسار، فما عليه إلا أن يقدم الدليل على إمكان التزامه الحياد، أي أن يبدأ بتصحيح قرارات منظمة الوحدة الإفريقية الخاطئة.
لديه ما يكفي من السوابق في هذا الباب، ففي أكثر من مناسبة علق عضوية دول قائمة الذات، كما حدث مع موريتانيا ومع مصر، على رغم أنها كاملة العضوية. فبالأحرى عندما يتعلق الأمر بكيان لا يتوفر على مواصفات الدولة، لا الأرض ولا الشعب ولا السيادة. وبعد ذلك في الإمكان البحث في آليات عودة المغرب إلى «الاتحاد الإفريقي». وبين المرجعية القانونية التي تفيد بالحاجة إلى تصحيح انتهاكات صارخة لميثاق المنظمة، والمرجعية السياسية التي تحيل على فقدان الاتحاد الإفريقي شريكا قويا يحظى بالمصداقية، يمكن ملاءمة الحلين السياسي والقانوني.
لا يتوقف الانتساب الإفريقي للمغرب على عضويته من عدمها في الاتحاد الإفريقي، ولكنه يشمل التزامات سياسية واقتصادية وإنسانية ثبتت جدواها ونجاعتها في التعاطي والكثير من الأزمات الإفريقية، وفي تقديمه المثل تلو الآخر على مقتضيات ذاك الانتساب التي تهتم بمعالجة الإشكاليات الحقيقية للدول الإفريقية في التنمية والتضامن وبناء شراكات واعدة.
إن لم تكن هذه المواقف جميعها بمثابة تأشيرة انجذاب إلى المواقف الثابتة للمغرب، فهل يكون الانفصال والتوتر وتغذية نزعات التقسيم والانفلات وتفتيت الكيانات مبررا لاستمرار حالة الجمود الإفريقي؟