لا يحتاج المرء إلى كثير من الجهد، ليشتم رائحة الانتهازية والاتجار بالقضية الفلسطينية من طرف النظام العسكري الجزائري، خلال الزيارة الأخيرة لرئيس السلطة الفلسطينية إلى الجارة الشرقية. والحقيقة التي يدركها الفلسطينيون أن المغرب لم ولن يتاجر يوما بالقضية الفلسطينية، مع العلم أنه منذ الملك الراحل الحسن الثاني كانت المملكة من أكثر الدول التي قدمت الغالي والنفيس، وتدخلت في السر والعلن، وتعرض ملوكنا للاستهداف بسبب أدوارهم الجريئة من أجل إيجاد حل لهذه القضية، في الوقت الذي كان فيه نظام مثل الجزائر ينفخ في الكير ويقاوم بالهتافات.
وعبثا يحاول اليوم النظام الجزائري الذي يعاني عجزا مدقعا في شرعيته، التعويض عن مشاكله الداخلية بمحاولة استغلال سياسوي فج للقضية، التي لم يقدم لها جنرالاته أكثر من التصريحات والشعارات، بل ويستغلها اليوم لمحاولة عزل المغرب عن عمقه العربي، لتحقيق أطماعه الانفصالية. لكن ما لا يعلمه نظام «الكابرانات» أن المغرب لن يتأثر بمظاهر الاتجار بالقضية الفلسطينية، فإيمان ملك المغرب وشعبه بعدالة تلك القضية، لن تؤثر عليه أي خيارات استراتيجية يتخذها المغرب، لإعادة تموقعه في الرقعة الإقليمية والدولية وحماية أمنه القومي.
ولنقولها بصراحة، وبدون لف أو دوران، توقيع بلدنا لاتفاقيات عسكرية وديبلوماسية مع إسرائيل، بناء على مرجعية اتفاق الرباط الثلاثي، لن يغير موقف بلدنا من دعم الفلسطينيين، ولن يتوقف جهد رأس الدولة المغربية في إيجاد حل سلمي وعادل ومنصف للفلسطينيين ينتهي بحل الدولتين المتعايشتين. ومنذ اللحظة الأولى للبدء في عملية إعادة العلاقات مع إسرائيل، كان جلالة الملك واضحا في رسائله إلى الرئيس الفلسطيني أو رئيس الوزراء الإسرائيلي أو الرئيس الأمريكي، أن القضية الفلسطينية ستظل قضية وطنية بالنسبة إلى المغرب، ولن يتخلى عن مواقفه الثابتة تجاهها، ولن يقايض بتلك القضية مهما كلف الأمر.
ما ينبغي أن يفهمه الفلسطينيون، قبل غيرهم، أنهم سيكونون الأكثر تضررا من المزايدة بقضيتهم في خلاف بين دولتين، خصوصا من طرف النظام الجزائري الذي اعتاد فقط على إطلاق الشعارات ورفع الذبذبات الصوتية عاليا، بدون أي مساهمة واقعية في حل القضية الفلسطينية، حتى وهي تمر بأحلك الظروف. والأخطر على مصير القضية الفلسطينية، أن تتغذى المزايدات الخارجية للنظام الجزائري من مزايدات داخلية بين الفصائل الفلسطينية، عبر صناعة محاور وهمية، فتتحول تلك الفصائل إلى أدوات للحرب بالوكالة لدولة تستغل هذه القضية لتصفية حساباتها مع المغرب، لتقوية شرعيتها المفقودة.