شوف تشوف

الرئيسية

فراعنة وبابليون وفرس وإغريق ورومان – 3

من أشهر منجزات – الملك سليمان – تشييده لمعبد مبني بالحجارة سمي بهيكل سليمان. وقد أقامه في مكان على جبل هوريا في جنوب شرق القدس القديمة، على شكل مربع طول ضلعه 180 مترا، وكان موقع الصخرة (التي يزعم البعض أنها تقع حاليا تحت قبة مسجد الصخرة) هو هيكل الذبائح التي يسميها اليهود بالمحرقات، وكان مكشوفا ومغطى بصفائح من النحاس في أركانه الأربعة.
وبالرغم من القوة التي أبداها سليمان في حكمه – الذي دام مدة 33 سنة- فقد واجه ثورات عربية مناوئة. وبعد وفاته ضعفت مملكته، وانقسمت إلى دولتين صغيرتين: واحدة في الشمال والأخرى في الجنوب، وقد قضى عليهما الفراعنة والآشوريون. وتذهب بعض مزاعم اليهود إلى أن المسجد الأقصى قد أقيم على أنقاض الهيكل الذي بناه سليمان، غير أن هذه المزاعم ليس لها ما يدعمها، حيث لم تثبت الحفريات أي أثر يدل على بناء الهيكل في ذلك المكان، أو حتى في منقطة القدس.

البابليون قبل الفرس
بقيت القدس رازحة تحت حكم الفراعنة إلى أن حاصرها البابليون/ الكلدانيون بقيادة ملكهم نبوخذ نصر الثاني (593 ق.م)، والذي سبى الكثير من اليهود وحرق الهيكل، وقد فسرت التوراة سبب انهزام اليهود أمام البابليين بتعاظم شر اليهود ومخالفتهم تعاليم الله وعدم امتثالهم لأوامر وتحذيرات نبيهم أرميا، ونظرا لتمردهم على حكم البابليين تعرضت القدس مجددا للحصار البابلي وكان ذلك سنة 590 ق.م، وفي المرة الثالثة أقدم البابليون على حرق المدينة وسبي أهلها. ويذهب جميع المؤرخين إلى أن الوجود اليهودي في فلسطين انتهى بعد السبي البابلي، فصاروا مجرد طائفة دينية حتى عهد المكابيين (167 ق.م)، ويقدر المؤرخون الفترة التي قضاها اليهود في السبي بـ70 عاما.
وبعد البابليين قيض لأورشليم (القدس) أن تفتح من طرف الفرس، الذين أنهوا حكم البابليين بها سنة 526 ق.م بمساعدة من طرف الجواسيس اليهود، وهكذا استطاع اليهود أن يعودوا مرة أخرى إلى المدينة، بفضل الملك قورش الفارسي الذي جازاهم على صنيعهم، فعمدوا مجددا إلى إعادة بناء الهيكل على يد زربابل بن شالتئيل الذي أتمه سنة 515 ق.م، وعلى أي حال فإن مدينة القدس خلال العهد الفارسي تدهورت أحوالها على جميع الأصعدة، وإن كانت عرفت توافد أعداد كبيرة من العرب عليها.

العهد اليوناني والاكتساح الروماني
كانت القدس على موعد مع الفتح اليوناني في سنة 333 ق.م على يد القائد الإسكندر المقدوني الأكبر الذي مهد حكمها للبطالمة، إذا استولى عليها بطليموس الأول وضمها مع فلسطين إلى مملكته في مصر وذلك سنة 323 ق.م، إلا أن بطليموس الخامس فرط في القدس ومملكته يهوذا لصالح السلوقيين بقيادة أنطوخيوس الثالث الكبير، والي سوريا، كان ذلك في العام 198 ق.م.
إذا كان اليهود قد نعموا خلال فترة حكم البطالمة بتوسع نفوذهم، فإن أنطوخيوس شن عليهم حربا شعواء وعاملهم بقسوة لا مثيل لها فقتل منهم الكثير، واستعبدهم وسلب هيكلهم، كما ألغى الدين اليهودي وأكرههم على عبادة آلهة الإغريق. ولعل واقع الاضطهاد هذا هو ما دفع باليهود إلى هجرة القدس، لكنهم عادوا إليها ليحركوا أتون الثورة في عهد ابنه أنطوخيوس الخامس (164 ق.م).
لم يأفل نجم الإغريق في الأرض المقدسة قبل أن يطبعوها بلغتهم وآدابهم، إذ نقلوا إليها حضارتهم وديانتهم الوثنية، وأعقب حكمهم ثورة المكابيين بزعامة يهوذا المكابي الذي استولى على القدس سنة 168 ق.م، وحكم نسله المدينة من بعده حتى حوالي سنة 63 ق.م، لكن عهدهم وسم بالفوضى والحروب الأهلية نتيجة الصراع حول الحكم، وهو ما مهد الطريق لدخول الرومان إلى المدينة في السنة ذاتها (63 ق.م)، ويبقى أهم إنجاز للمكابيين هو إعادة تجديد الجزء الذي دمره أنطوخيوس من الهيكل.
كان القائد بومبي هو من قاد الاكتساح الروماني للقدس، ومن ثمة توالى حكم القادة الرومان للمدينة ولعل أشهرهم المدعو هيرودس الذي حكم المدينة مدة 23 سنة، وفي آخر سنة من حكمه ولد المسيح عليه السلام في مدينة بيت لحم، جنوبي القدس، وقد عمل أبناء هذا القائد وأحفاده على توطيد الحكم الروماني بفلسطين وبالقدس خاصة، غير أن اليهود لم يستسلموا للرومان فقادوا الكثير من الثورات ضدهم، أولها الثورة اليهودية الكبرى التي استمرت من سنة 66 م إلى 70م والتي نجح القائد الروماني «تيطس» في إخمادها بالقوة، فأحرق مدينة القدس وأسر الكثير من اليهود ودُمر المعبد للمرة الثانية، لكن اليهود عاودوا التمرد في سنة 115م و132م وعرف هذا التمرد الأخير بثورة شمعون بن كوكبة، غير أن الإمبراطور «هادريان» هدم القدس ثانية وأخرج اليهود منها وطبعها بطابع روماني صرف، فأصدر مرسوما غير بمقتضاه اسم المدينة التي صارت تعرف
بمستعمرة «إيليا الكابيتولينية»، وأصبحت بالتالي تابعة لمقاطعة سوريا الفلسطينية بدل مقاطعة اليهودية، وكان ذلك تيمنا بالفلستنيين الذي سكنوا الساحل الجنوبي.
وإبان عهد الإمبراطور قسطنطين الأول الذي نقل عاصمة الإمبراطورية الرومانية من روما إلى بيزنطة واعتمد المسيحية ديانة رسمية للدولة، تم تشييد العديد من المعالم المسيحية بالقدس ولعل أهمها كنيسة القيامة التي بنيت عام 326 م، فكان ذاك عنوانا للإشعاع المسيحي بالمدينة، حيث صارت القدس مركزا لبطريركية ذات أهمية بالغة، تنضاف إلى البطريركيات الكبرى وهي: الإسكندرية، أنطاكية، روما والقسطنطينية، وقد أنشئت في مجمع نيقية، هكذا إذا اتسعت ونمت القدس إذ بلغ عدد سكانها آنذاك حوالي 200,000 نسمة ومساحتها 2 كلم مربع، والجدير بالذكر أن اليهود لم يطؤوا أرضها طيلة عهد قسطينطين الأول وحتى القرن السابع الميلادي.
وفي سنة 395 م دب الضعف في جسد الإمبراطورية الرومانية فانقسمت إلى إمبراطوريتين، الأول: الإمبراطورية الغربية وعاصمتها روما، والثانية: الإمبراطورية الشرقية أو البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية، فكان أن خضعت القدس وبقية بلاد الشام للإمبراطورية البيزنطية.
ومن جهتهم، عمل الفرس على استغلال حالة الضعف هاته التي كانت تمر بها الإمبراطورية الرومانية، فتمكن «كسرى الثاني» في سنة 614 م من استعادة القدس من يد الرومان بمساعدة اليهود الناقمين على البيزنطيين، واستمر حكم الفرس لها 15 سنة من ذلك التاريخ، إلى أن استطاع الإمبراطور»هرقل» تخليصها منهم سنة 629 م، وبقيت تحت حكم الرومان إلى غاية الفتح الإسلامي عام 636 م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى