فخ كورونا وحرب الأدوية
صادق الطائي
من أبرز تداعيات جائحة «كوفيد- 19» انطلاق الصراع الرهيب بين مختلف شركات صناعة الأدوية، في مختلف دول العالم لإنتاج دواء للمرض أولا، والعمل على إنتاج لقاح للفيروس كخطوة مستقبلية. لكن لا أحد حتى الآن أنتج دواء مخصصا لعلاج «كوفيد- 19»، أو لقاحا مضادا لهذا الفيروس مؤكد الصلاحية والنجاح.
وفي زمن الجائحة لا يجلس الأطباء ويضعون أيديهم على خدودهم بانتظار شركات الأدوية وما ستنتجه، تاركين المرضى للفيروس يفتك بهم، لذلك وجدنا في كل دولة من دول العالم، تم تطبيق ما يعرف بـ«بروتوكول» علاجي، استخدم فيه الأطباء علاجا بديلا، أي إنه مخصص لأمراض أخرى، لكنهم استعملوه بشكل مؤقت في علاج «كوفيد- 19»، لحين الوصول إلى إنتاج الدواء الحقيقي. وقد حققت بعض الأدوية نسب شفاء جيدة عبر استخدام هذه العلاجات البديلة، لكن هذا لا يعني قطعا أن هذه الأدوية تمثل علاجات مقرة طبيا لهذا الوباء. مشكلة الأدوية البديلة ليست مشكلة علمية، لأن كل من يتعاطى معها من ذوي الاختصاص يعرف ماهية المادة الدوائية، وأعراضها الجانبية، ويعلم جيدا متى يستخدمها، ومتى يتوقف عن استخدامها، لكن المشكلة الحقيقية في البروباغندا السياسية، التي لعبت على آمال الناس العاديين من غير المختصين، عبر تسويق أخبار يمكن أن توصف بأنها مبالغات، أو بشكل أوضح، أكاذيب، والغايات من ذلك متعددة، فهي سياسية حينا، واقتصادية حينا آخر، وحتى حرب نفسية في بعض الأحيان.
وإذا بدأنا تقصينا من البلد الذي انطلقت منه الجائحة، نجد أن السلطات الصينية أطلقت، وتطلق الكثير من الأخبار عن علاجات ولقاحات يتم العمل عليها، أو أنها في طور الاستخدام التجريبي، لكن الأطروحة الصينية تقدم عادة للمتلقي بطريقة مواربة وغير واضحة، مثال ذلك ما ذكرته وكالة أنباء شينخوا، وهي وكالة الأنباء الصينية الرسمية، في شهر ماي من أن شركة «ييلينغ» الصينية لإنتاج الأدوية، ومقرها في مدينة «شيجيا تشوانغ» في مقاطعة هوبي، أنتجت عقار «ليانهوا تشينغون»، وأظهرت الملاحظة السريرية لعلاج «كوفيد- 19» في المستشفيات الصينية، بحسب الوكالة الصينية أنه فعال في علاج أكثر من 90 في المائة من جميع حالات «كوفيد- 19» المؤكدة، ثم يضيف الخبر أن هذا العقار له تأثير ضعيف في الفيروس، إلا أنه يتميز بفعالية علاجية جيدة للخلايا المتضررة، ويساعد في علاج الالتهاب الرئوي الناجم عن فيروس كورونا.
أما المنافس الأكبر في هذه الحرب، الولايات المتحدة، فقد لعبت أدوارا مختلفة في حرب الأدوية، بدءا بعقار «هيدروكسي كلوروكين» الخاص بعلاج الملاريا، الذي مارس الرئيس ترامب جهدا محموما للترويج له، حتى قيل في عدد من الصحف والقنوات الإعلامية تهكما، إن ترامب بات وكيلا إعلانيا لهذا الدواء، واتضحت بعد ذلك نتائجه الكارثية، حتى منع الأطباء استعماله. صفحة أخرى من صفحات البروباغندا السياسية الأمريكية في حرب الأدوية، فتحت على الترويج لعقار «رمديسيفير» الذي بشر به الأمريكيون العالم، وقالوا بملء الفم، إنه العقار المنقذ. وواقع الحال هو أن «رمديسيفير» عقار تجريبي مضاد للفيروسات، طورته شركة الأدوية الأمريكية «غيلياد ساينسيز»، في البداية لعلاج الإيبولا عام 2015، وأظهر نتائج واعدة في تجربته على الحيوانات، لكنه فشل فشلا ذريعا في النهاية كعلاج لفيروس إيبولا. نحن مساكين العالم بدورنا نتلقف القشة، ونصدق أنها ستنجينا من الغرق، فنقرأ مثلا في ما يخص هذا الدواء، أن مصر بدأت بإنتاج دواء لعلاج «كوفيد- 19»، مع العلم أن شركة «غيلياد ساينسيز» الأمريكية المصنعة للدواء قالت، إنه دواء تجريبي تمت تجربته سريريا في مركز كليفلاند الطبي على أكثر من ألف شخص، وإن المرضى الذين يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي، تحسنوا بنسبة 31 في المائة، كما إنه؛ «ينقذ الأرواح لكنه لا يغير قواعد اللعبة. التجارب السريرية أظهرت أنه أدى إلى التعافي لدى 4 – 10 في المائة من المرضى، الذين يعانون من مرض شديد». بينما قال المفوض المساعد السابق لإدارة الأغذية والأدوية الأمريكية، بيتر بيتس، في حديثه مع «نيويورك بوست» عن عقار «رمديسيفير»؛ لم «يظهر واعدا أبدا. فشل نسبيا ضد الإيبولا. لذا، قال الأطباء دعونا نرى ما إذا كان يعمل ضد «كوفيد-19»».
وربما تجدر الإشارة إلى جهود الولايات المتحدة في حرب اللقاحات أيضا، إذ صرح الرئيس دونالد ترامب بهذا الشأن، يوم الجمعة 6 يونيو، في مؤتمر صحافي في البيت الأبيض، حيث قال: «إن الولايات المتحدة أنتجت بالفعل مليوني جرعة لقاح لفيروس كورونا المستجد، وإنها جاهزة للاستعمال، بمجرد أن يتحقق العلماء ما إذا كانت آمنة وفعالة». ونقلت هذا التصريح قناة (CNBC)، إلا أن المفارقة جاءت من سؤال المستشار الصحي في البيت الأبيض، الدكتور أنتوني فوتشي، الذي يشارك في الجهود الأمريكية لإنتاج لقاح، الذي رفض التعليق على ما قاله ترامب قائلا: «لم أسمعه يقول ذلك».
بريطانيا دخلت على خط حرب الأدوية، وصرحت جهات مسؤولة بطرح دواء رخيص وفعال يعالج «كوفيد- 19»، وقالت وزارة الصحة البريطانية، في بيان رسمي أصدرته يوم 16 يونيو، بعد ساعات من إعلان علماء جامعة أكسفورد نجاح اختبارات عقار «ديكساميثازون» جاء فيه: «صادقت الحكومة على استخدام هيئة الصحة الوطنية أول دواء في العالم ضد فيروس كورونا المستجد، ثبت أنه قادر على خفض خطر الوفاة». لكن المفارقة أن هذا العقار هو نوع من الكورتيزون الذي يقلل المناعة، ويكون استعماله خطرا جدا، إذا أخذ بداية الإصابة بالفيروس، ويجب أن يعطى للمرضى الذين يحتاجون إلى أن يوضعوا على أجهزة التنفس الصناعي. وأوضح علماء جامعة أكسفورد، أن اعتماد هذا الدواء لعلاج المرض يخفض خطر الوفاة بين المصابين، الذين يتلقون الأكسجين بنسبة 20 في المائة، ولا ينصح الأطباء بأخذه ككبسولات، أو حقن في المنزل، بدون استشارة طبية لأنه سيمثل خطرا على حياة المريض.
روسيا بدورها لم تقف مكتوفة الأيدي في حرب الأدوية واللقاحات، إذ بشرت بدورها مطلع شهر يونيو، بأنها تعلن طرح أول دواء معتمد لكورونا، يعالج المرض في أربعة أيام فقط، هذا العقار هو «أفيفافير»، وهو عقار قديم أيضا، إذ اعتمدته المؤسسات الصحية اليابانية سابقا، في علاج الحالات الشديدة من فيروس الأنفلونزا الموسمي، وقد طوره الروس وطرحوه تجاريا، مع بروباغندا صاخبة على أنه العلاج المنقذ من الوباء.