غموض استراتيجي
محسن عقيلان
ما يهمنا من عملية المسيرتين فوق مبنى الكرملين، هو ردة الفعل الروسي وطريقة الرد. وربط ما سبق بما ورد في تسريبات وثائق وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون، وتصوراتها لوقف الحرب في أوكرانيا عن طريق ضرب الكرملين. والتخلص من بوتين أو التخلص من زيلينسكي، والتساؤل الخطير هل حقا هناك توجه لتنفيذ تلك التسريبات، أم كل ما ذكر تفاصيل وأن ما يجري من تحت الطاولة أخطر وأعمق بين القوى العالمية. سنؤجل الإجابة بعد الانتهاء من تحليل الضربة.
في اعتقادي إذا كانت كييف من ضرب الكرملين، فهناك رسائل أرادت إيصالها تضاف إلى الغموض الاستراتيجي من طرف كييف، بعدم الاعتراف والاحتفال بها داخليا فقط. وإذا كانت بدون علم أمريكا، فهذا تكتيك أوكراني خطير ستحاسب عليه. وإذا بعلمها، فهناك رسائل أمريكية أوكرانيا مشتركة.
واذا كانت بعمل داخلي من روسيا من المعارضين للحرب، فالأمر صعب على بوتين. وإذا كانت من الداخل بتحريض أوكراني، فأذرع أوكرانيا طويلة في الداخل الروسي.
وإذا كانت عملا أمريكيا كاملا، فهو خروج عن النص ولنستعد للمواجهة. وإذا كانت الخطة أمريكية والتنفيذ أوكراني، فقد تم إيصال رسائلهما المشتركة.
بعد كل ما ذكر ما هي خيارات روسيا للرد؟
1- رد عنيف بضربات نووية، وهذا أمر مستبعد لتعارضه مع سياسة روسيا الباردة للرد.
2- اغتيال زيلينسكي، وهذا يتعارض مع التصريح العلني لرئيس وزراء إسرائيل الأسبق بأخذ تعهد من بوتين بعدم قتل زيلينسكي.
3- جر موسكو إلى طاولة المفاوضات بسقف مطالب أقل من السابق، وهذا صعب على مستقبل بوتين السياسي أمام شعبه.
4- احتفاظ موسكو بوتيرة الحرب الحالية، وتجرع الضربة، وزيادة عدد الضربات بالمسيرات الانتحارية.
لكن لو تمت بعلم أمريكي، سيكون هناك أكثر من تحليل.
الأول أن أمريكا تريد إرسال رسالة أن كييف تمتلك أسلحة حديثة ومنظومات تشويش وتخفي متطورة، تستطيع الوصول إلى غرفة نوم بوتين. أما التحليل الثاني المتشائم، ما ربطوه بتسريبات الوثائق الأمريكية والسيناريوهات الأربعة لإنهاء الحرب، وأحد هذه السيناريوهات هو التخلص من زيلينسكي.
لكن ماذا لو كانت الضربة من صنع روسي مخابراتي، لتكون مبررا لضربة روسية شاملة ومبررا لاغتيال زيلينسكي؟
رغم كل ما سبق الحرب الروسية الأوكرانية طالت والخسائر من الطرفين كبيرة، ولا يوجد بصيص أمل لإنهاء القتال. وتأثيرات الحرب على العالم أجمع واضحة. إذا يجب أن تكون هناك طريقة ما للتعجيل بإنهاء تلك الحرب المدمرة لجميع الأطراف، لكن لا توجد نقاط ممكن الالتقاء عندها.
حسب سير الأحداث وطريقة وحجم وتوقيت ونوعية المساعدات العسكرية، بدأنا نشعر أن هناك تفاهمات غير مكتوبة بين الأقطاب الدولية أمريكا والصين وروسيا، بعدم المواجهة المباشرة وتقاسم مناطق النفوذ في العالم. حسب القرب والبعد والأهمية الجغرافية الاستراتيجية لأحد الاقطاب، وحجم الخسائر المتوقعة في الأرواح، وحجم المعدات المحرمة داخل المنطقة المستهدفة. وإمكانية التفاهم غير المكتوب على المقايضة بين المناطق المتنازع عليها، تبعا لنسبة أهميتها لأحد الأقطاب. وهذا ما سنراه في الحلول القادمة في كثير من الملفات الساخنة، مثل أوكرانيا وسوريا وإسرائيل وفلسطين وإيران والسودان وليبيا وتايوان ومناطق أخرى لا يتسع المجال لذكرها. كل ذلك بخسائر مقبولة، مع وجود عمليات جراحية إذا لزم الأمر لمنع أي مواجهة نووية، لكن إذا لم يتم صياغة نظام عالمي جديد، فالمواجهة النووية آتية لا محالة.