شوف تشوف

شوف تشوف

غصة في حلق بوستة اسمها شباط

رحم الله الأستاذ محمد بوستة، برحيله يفقد حزب المغرب رجلا سياسيا حكيما حنكته التجارب، عرك الأحداث وعركته، عاش مرحلة الحماية وبدايات الاستقلال وعاشر عن قرب ثلاثة ملوك.
الجميع كان على اطلاع بالحالة الصحية الهشة التي كان عليها الراحل محمد بوستة، فقد عانى مؤخرا من نزلة برد تسببت له في عسر في التنفس ظل معه يتعاطى الكورتيزول بجرعات مستمرة.
وهو نفسه كان يستعد لهذا اليوم حيث اشترى قبره قبل أربعين سنة بالقرب من قبر والديه بمراكش بسيدي بلعريف.
وكانت الحالة الصحية لبوستة قد عرفت بعض التحسن، خصوصا بعد العناية التي أحاطه بها الملك، الذي كان يسهر شخصيا على تتبع حالته. وقبل عام تقريبا علم الملك بأن محمد بوستة ليس على ما يرام، والذين يعرفون بوستة عن قرب يعرفون أن الرجل كان لا يحب كثيرا الذهاب إلى المستشفيات مكتفيا باستقبال الطبيب في بيته، فكان لا بد من نقله نحو المستشفى لإجراء الفحوصات، فما هي إلا لحظات حتى كانت سيارة إسعاف واقفة أمام باب فيلا بوستة وطبيب يطرق الباب طالبا أخذ بوستة نحو المستشفى العسكري بأمر من الملك.
وبعد إجراء الفحوصات اللازمة، غادر بوستة المستشفى على قدميه واستعاد حيويته ونشاطه. إلى أن جاءت الأزمة مع موريتانيا التي تسبب فيها تصريح حميد شباط يوم السبت 24 دجنبر عندما كان يرتجل كلمة أمام جامعات الاتحاد العام للشغالين مشيرا إلى كون موريتانيا جزءا من المغرب.
يومين بعد إلقاء هذا الكلام الخطير الذي يمس بسيادة دولة جارة، نظم شباط اجتماعا عاديا للجنة التنفيذية، وتقرر خلال الاجتماع القيام بزيارة ود ومجاملة لمحمد بوستة ومثلها لعباس الفاسي.
لكن، وقبل انفراط عقد الاجتماع، ستنزل قصاصة وكالة المغرب العربي للأنباء التي تحمل بلاغا قاسيا من وزارة الخارجية يدين ويستنكر مس حميد شباط أمين عام حزب الاستقلال بسيادة موريتانيا.
اختلط الأمر على أعضاء اللجنة التنفيذية واعتقد بعضهم أن الأمر يتعلق بسحابة صيف ما تلبث أن تزول، وقرروا التوجه نحو بيت محمد بوستة، لأن شباط كان يستعجل التقاط الصورة التاريخية من بوستة لإقناع الدولة بأنه ما زال يحظى بمساندة حكيم من حكماء الحزب.
في بيت الأستاذ محمد بوستة دار نقاش حاد بين هذا الأخير وحميد شباط، والسبب هو إصرار شباط على الرد على بلاغ الخارجية عن طريق بلاغ مضاد.
الجميع خلال اللقاء لاحظ أن ملامح محمد بوستة تكدرت وبدا عصبيا أكثر من المعتاد، لكن شباط أصر على موقفه من إصدار البلاغ، رغم أن بوستة كان واضحا، فقد استشعر بحاستة السياسية خطورة الأمر، وهي الحاسة التي يفتقدها شباط، إلى درجة أن بوستة صاح بالفرنسية مستهجنا تصلب شباط c’est pas possible.
قام الجمع وغادر بيت محمد بوستة، لكن الرجل بقي متوترا، إلى درجة أن البيت ضاق به فخرج إلى الحديقة يتمشى في تلك الليلة الباردة وهو يدمدم بكلمات غاضبة مسموعة.
مباشرة بعد عودته إلى غرفته أصيب بنزلة برد حادة صاحبها ارتفاع في الحرارة وحمى تطلبت خضوعه لعلاج مكثف.
في هذه الأثناء كان شباط قد حرر البلاغ وتلاه ناطقه الرسمي، فتعقدت الأمور أكثر، بعدها جاء التدخل الملكي في الملف لحل الأزمة عندما اتصل الملك بالرئيس الموريتاني لطمأنة هذا الأخير بأن المغرب يحترم سيادة موريتانيا على أراضيها في إطار حسن الجوار واحتراما للقوانين الدولية.
ومن تلك الليلة الصاخبة التي رفض فيها شباط اتباع نصيحة بوستة في بيته والعدول عن إصدار البلاغ، وصحة الراحل في تدهور، خصوصا بعد زج شباط بحزب الاستقلال في متاهات فرانس 24 واتهام الدولة بتصفية السياسيين في واد شراط، ومطالبة الداخلية العدل بفتح تحقيق في الموضوع، وظهور مغارة علي بابا التي يخفي فيها آل شباط ثروتهم.
لن نقول إن شباط قتل محمد بوستة، لأن الأعمار بيد الله، لكن يمكن أن نقول إن «الفقصة» التي تسبب فيها شباط لمحمد بوستة، كما لغيره من رجالات الحزب، كانت سببا في تعجيل وفاته، فرحل بوستة وفي حلقه غصة «شباط».
بوستة ترشح بالإجماع لأمانة حزب الاستقلال في المؤتمر 12 عام 1989، فترشح شباط ضده فكان أضحوكة لأن بوستة حصل على الإجماع فيما شباط حصل على صفر صوت. فأحيا الله حزب الاستقلال حتى أصبح الأضحوكة أمينا عاما له.
وعلى عادته في قتل الميت والمشي في جنازته سارع شباط إلى نشر بلاغ للحزب يعزي فيه في وفاة محمد بوستة، معلنا عن إلغاء لقاء من لقاءاته بتطوان، والتي تعود أن يحشد لها الناس حشدا في «الكيران» لملء القاعات وإظهار نفسه بمظهر الزعيم، متناسيا أن آخر ما قام به محمد بوستة هو توقيعه لبلاغ المطالبة بالإطاحة بشباط من الأمانة العامة لحزب الاستقلال، فهل يحقق شباط الطلب الأخير للراحل محمد بوستة و«يترجل» عن كرسي الأمانة العامة ويذهب لحال سبيله لكي «يأكل» ما جمعه من ثروة، أم أنه سيستمر في عقوقه وتنكره للعهود والوصايا على عادته ؟
وهل سيتنازل شباط ويرضخ للشروط الأربعة التي اشترطها مولاي محمد الخليفة لكي يظل شباط داخل حزب الاستقلال، والتي أولها كشفه عن مصادر ثروته وتقديمه اعتذاره عن عشرة أخطاء ارتكبها في حق حزب الاستقلال، بمقر الحزب المركزي وأمام عموم الاستقلاليين، وثانيها إعلان العفو الشامل عن كل الاستقلاليين الذين قررت في حقهم لجنه التأديبية قرار التوقيف أو تجميد العضوية أو الطرد، ويرجعوا إلى الحزب معززين مكرمين، وثالثها أن يعلن عن التحاق مولاي امحمد الخليفة وعبد الواحد الفاسي، باللجنة الثلاثية التي فوض لها بعضا من صلاحياته لتصبح هي الأمانة العامة التي ستعمل على الإعداد للمؤتمر الوطني القادم لاختيار أمين عام جديد، ورابعها أن يعلن استعداده للرحيل عن الأمانة العامة للحزب ؟
فهل صحيح أن شباط قبل شروط مولاي محمد الخليفة على باب فيلا الراحل بوستة الذي كانت جثته في تلك الأثناء مسجاة في غرفته، أم أن دموع شباط ليست في النهاية سوى دموع تماسيح يستعملها لتسهيل هضم فريسته موهما الناظرين بأنه يبكي ندما فيما هو يبكي من التخمة ؟
بحكم التجربة يمكن أن نقول إن شباط كذاب محترف، وإنه لن يلتزم بأي شيء لأن ما يهمه الآن شيء واحد هو فك العزلة عن شخصه، وبمجرد ما سيذيب الجليد الذي حوله سيعود إلى تشبثه بمنصبه لأنه ديكتاتور متجبر وأخرق.
والدليل على أن شباط لا خلاق له هو اتفاقه مع مولاي محمد الخليفة على أن يؤبن هذا الأخير الراحل بوستة بعد عصر السبت قبل نقل جثمانه إلى مراكش حيث سيوارى التراب، فترك شباط مولاي محمد حتى ذهب لبيته ليرتاح ويغير ملابسه فجمع زبانيته في بيت الراحل وأبنه بدون حضور مولاي محمد.
فهل مثل هذا النوع من البشر المستعد لاستغلال حتى مناسبات الموت والعزاء يمكن أن يثق به المرء ويبرم معه العهود والمواثيق؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى