شوف تشوف

الرئيسيةسياسية

عيدي أمين:أوغندي عيَّن نفسه ملكا لأسكتلندا

لم تخل إفريقيا من زعماء غرباء بكل ما تحمل الكلمة من معنى، خصوصا الزعماء الذين تولوا الحكم بعد الفترة الاستعمارية، فحولوا الجمهوريات إلى ملكيات، والاستبداد إلى نضال ضد المستعمر و«أذنابه»، ومن فرط استفرادهم بالسلطة دون رقابة، لم يعد لقراراتهم وخطبهم وتصريحاتهم أي ضوابط، أكانت سياسية أو أخلاقية.. وعيدي أمين، رئيس أوغندا، أحد هؤلاء.

مقالات ذات صلة

 

الرئيس الملاكم

تُرسم صورة قاتمة لفترة حكم عيدي أمين في أوغندا، ويتهم بقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وبأنه أفسد اقتصاد بلاده بطرده عشرات الآلاف من الهنود والباكستانيين، لاعتقاده أن هؤلاء كانوا يستغلون ثروات أوغندا، وأنهم بمثابة حجر عثرة أمام تطوره، فيما ترى قلة قليلة وجود تهويل في تلك الاتهامات، بسبب معاداة أمين لبريطانيا وللولايات المتحدة، وقطعه العلاقات مع إسرائيل. فلم يتمكن عيدي أمين دادا من تعلم الكياسة، وكان مشاغبا ينفر من الدبلوماسية، وأطلق على نفسه خلال 8 سنوات من رئاسته لأوغندا العديد من الألقاب، منها الحاج الدكتور، وقاهر الإمبراطورية البريطانية في إفريقيا بشكل عام وفي أوغندا بوجه خاص.

كان عيدي أمين بطلا للملاكمة في الوزن الثقيل بشرق إفريقيا بين عامي 1955-1959، وظل شغوفا بهذه الرياضة بعد وصوله إلى السلطة، حتى أنه افتتح في دجنبر سنة 1974 في كامبالا بطولة الملاكمة للهواة، بخوض مباراة مع مدرب الملاكمة الأوغندي جريس سيروواجي، وانتصر بالطبع بالضربة القاضية الفنية.

أما العلاقة المسمومة التي تسببت في الإطاحة به سنة 1979، فكانت مع جوليوس نيريري، رئيس تنزانيا المجاورة، حيث ظهر العداء المستحكم بين الرجلين منذ اللحظات الأولى لوصول عيدي أمين إلى السلطة، في انقلاب ضد صديق مقرب من نيريري. حيث واجه عيدي أمين نيريري بحرب كلامية شديدة، وسخر منه بطريقة لاذعة، ووصفه في حديث مع السفير السوداني في كامبالا سنة 1974 بأنه «يعاني من مرض مزمن يتسبب في سوء التفاهم بين الدول، وأنه قد يصيب شعب السودان بهذا المرض».

التلاسن بين الرئيسين تحول إلى حرب بين البلدين في أكتوبر 1978، حين أرسل عيدي أمين قوات الجيش الأوغندي إلى داخل تنزانيا، وأعلن ضم جميع الأراضي الواقعة شمال نهر كاجيرا، ليرد جوليوس نيريري بإعلان التعبئة العامة، وتمكن الجيش التنزاني من إجبار القوات الأوغندية على الانسحاب من المنطقة الحدودية التي سيطر عليها، ولاحقت القوات التنزانية مع قوات من المنشقين الأوغنديين الجيش الأوغندي في جنوب البلاد، وتمكنت في سلسلة من المعارك من هزيمته، على الرغم من إرسال الزعيم الليبي معمر القذافي في ذلك الوقت قوات لمساندة الجيش الأوغندي.

وفي أبريل من عام 1979، سيطرت القوات التنزانية على العاصمة كامبالا ونصبت فيها حكومة بديلة، وفي يونيو تم القضاء على القوات الموالية لعيدي أمين، وانتهت بذلك الحرب، وطويت صفحة عيدي أمين.

ويقول هذا الرئيس الإفريقي المشاغب في وصف نفسه: «المشكلة معي تتمثل في أنني سبقت عصري بخمسين أو مائة عام. سرعتي كبيرة جدا. واضطر بعض الوزراء إلى ترك حكومتي، لأنهم لم يتمكنوا من مواكبة ذلك». وفي هذا السياق قال عبارة صادمة مختصرة مفادها: «أكلتهم قبل أن يأكلوني»، مشددا في تصريح آخر بقوله: «يجب كي أحافظ على القانون والنظام أن أقتل أعدائي، قبل أن يقتلوني».

عيدي أمين قارن نفسه أيضا بدولة عظمى، حيث قال: «لا أريد أن أكون تحت سيطرة أي قوة عظمى. أنا أعتبر نفسي أقوى شخصية في العالم، ولهذا السبب لا أسمح لأي قوة عظمى بالسيطرة عليّ».

 

أعلن نفسه ملكا على أسكتلندا

لقب نفسه بـ«آخر ملوك أسكتلندا»، وذلك لإعجابه الشديد بأسكتلندا ومحاولته الاقتداء ببروتوكولات العائلات المالكة، شابت فترة حكمه الصراعات الأهلية الشديدة بين الأعراق المختلفة بأوغندا، وشهد عصره عنفا مستمرا واغتيالات للمنافسين السياسيين، اتهم من القوى الغربية بالديكتاتورية، يقدر عدد القتلى في فترة حكمه ما بين 80 ألفا و500 ألف، حسب تقديرات المنظمات الغربية.

مع مرور الوقت أصبح سلوك أمين غريبا ولا يمكن التنبؤ به وأكثر حدة. وقطعت المملكة المتحدة جميع العلاقات الدبلوماسية مع نظامه في عام 1977، أعلن عيدي أمين أنه هزم البريطانيين، ومنح لنفسه وسام CBE، ومعناهُ «فاتح أو غازي الإمبراطورية البريطانية».

أصبح لقبه الكامل الذي منحهُ لنفسه: «فخامة الرئيس الأبدي المشير الحاج الدكتور عيدي أمين دادا سيد جميع وحوش الأرض وأسماك البحار وفاتح الإمبراطورية البريطانية في إفريقيا بشكل عام، وأوغندا بشكل خاص»، بالإضافة إلى ادعائه المعلن رسميا بأنه ملك أسكتلندا غير المتوج.

منح درجة الدكتوراه في القانون لنفسه من جامعة ماكيريري، بالإضافة إلى صليب النصر، وهي ميدالية صنعت لمحاكاة صليب فيكتوريا البريطاني. أصبح أمين موضعا للشائعات، مثل الاعتقاد السائد بأنه كان من آكلي لحوم البشر. كما نُشر أنه تفاخر باحتفاظه برؤوس مقطوعة في الثلاجة تابعة لأعدائه السياسيين، وقال إن اللحم البشري كان بشكل عام «مالحا جدا» بالنسبة إلى ذوقه.

ومن غرائب شخصيته أنه يوم 9 غشت 1972 أمهل ما يقارب 70000 مقيم آسيوي 90 يوما لمغادرة البلاد، بناء على رؤية رآها في منامه، ادعى فيها أن الله أوحى إليه بطرد هؤلاء الناس. وأما من بقي منهم فقد تم ترحيلهم من المدن إلى القرى. وفي العام نفسه قطع أمين العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وبريطانيا عام 1976.

وبمرور الزمن زادت غرائب تصرفات أمين، وبدأ يرتدي ميداليات كثيرة على قميصه. ومع تنامي غروره الشخصي -كما شخصه البعض- منح نفسه ألقابا كبيرة، بما في ذلك رئيس مدى الحياة، وهازم الإمبراطورية البريطانية، بل وصل الأمر إلى أن سمى نفسه ملك أسكتلندا.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى