أستطيع أن أقول دون مبالغة إن المغرب يوجد في حالة حرب باردة تم إعلانها عليه من عدة واجهات، ومن طرف أكثر من خصم يوحد بينهم جميعا هاجس الخروج من أزمة الطاقة التي وضعوا فيها أنفسهم بأنفسهم باصطفافهم في خندق الغرب الأمريكي ضد المعسكر الروسي.
لذلك فعلى المغرب أن يتصرف وفق هذه الوضعية وأن يحشد قواه الحية لخوض هذه المعركة لأنها معركة دفاع عن وحدة البلاد وسيادتها.
عندما نتأمل الجهات التي تتحرش بالمغرب اليوم نكتشف أنها الجهات نفسها التي اجتمعت في مؤتمر مدريد في مؤتمر الجزيرة الخضراء ومؤتمر برلين، وهي نفسها التي خاضت معركة الزلاقة ومعركة واد المخازن وغيرها من الحملات الصليبية الكبرى التي كانت فرنسا حاملة لوائها عبر التاريخ الصليبي الدموي.
ومن يريد أن يفهم جيدا ماذا يحدث للمغرب بمواجهة عواصم أوروبية وغربية عليه أن يعود للكتاب القيم والهام للمؤرخ شارل أندري جوليان الذي عنوانه “المغرب في مواجهة الأمبرياليات” Le Maroc face aux impérialismes 1415-1956.
في هذا الكتاب يشرح المؤرخ بالوقائع والتواريخ كيف تكالبت القوى الإمبريالية عبر التاريخ على المغرب لتمزيقه إلى أشلاء في ما بينها.
هذه الأمبرياليات التي لا تستطيع اليوم أن تهضم أن المغرب الذي استعمرته بالأمس ليس هو مغرب اليوم، وأن البلد استطاع بعد نيل استقلاله التحول إلى رقم صعب في المنطقة.
عندما نراجع دروس التاريخ نكتشف أن الدول التي كانت مجتمعة حول طاولة مؤتمر مدريد سنة 1880 لكي تقسم كعكة المغرب هي نفسها المجتمعة اليوم كل بطريقته طمعا في اقتسام الكعكة نفسها، خالقة للمغرب المشاكل في المحافل الدولية.
إنها نفس الدول بنفس الجشع الأمبريالي ونفس النظرة الاستعلائية التي تبحث لكي تضع الدول الضعيفة تحت أقدامها لكي تمتص خيراتها.
الفرق الوحيد أنهم في ما قبل كانوا يصنعون ذلك تحت يافطة حمل مشعل الحضارة والمسيحية للبلدان المتوحشة، واليوم يصنعون ذلك تحت يافطة الدفاع عن حقوق الإنسان.
إن الغرب سواء الأوروبي أو الأمريكي ليس لديه أية دروس يعطيها للعالم، فقد أظهرت الأحداث والوقائع التاريخية القريبة والبعيدة أن ما يحرك الغرب هو مصالحه ولا شيء آخر غير مصالحه. وكل من يعتقد أن الغرب يبحث عن مصلحة الشعوب الفقيرة والمقهورة فهو جاهل.