عن «قيصر»
مروان قبلان
كما شأن كل تفصيل يخص قضيتهم التي تزداد تعقيدا، ينقسم السوريون (في المعارضة في حالتنا هنا خصوصا) بشأن الموقف من «قانون قيصر»، بين مؤيد ومعارض ومتحفظ. يتمحور القانون الذي استغرق العمل عليه سنوات، وتم تمريره من الكونغرس الأمريكي في دجنبر الماضي، ليكون جزءا من قانون ميزانية وزارة الدفاع، حول فرض عقوبات شديدة على النظام السوري، بسبب الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين على مدى السنوات الماضية، ومنع كل أشكال التعامل معه ودعمه، ومعاقبة كل من يفعل ذلك أو يحاول. يأمل مؤيدو القانون أن يحقق ما عجزت عنه الوسائل الأخرى، بما فيها العسكرية، أي إسقاط النظام. كيف يتحقق ذلك؟ من خلال تضييق الخناق عليه، ومحاولة إحداث صدع في بنيته، وخلخلة قاعدة دعمه الشعبية، ودفع السوريين الذين يعيشون تحت سلطته إلى الثورة عليه وإسقاطه. وفي معرض الدفاع عن موقفهم بشأن التأثير المحتمل للقانون على حياة الناس العاديين، يجادل المؤيدون أن القانون يستثني من العقوبات المواد الغذائية والدوائية والمساعدات الإنسانية، وهو لهذا لن يطاولهم.
تعاني هذه المقاربة من عطب فكري وسياسي شديد، خلاف التناقض الكامن فيها، بين النظر إلى القانون باعتباره وسيلة لدفع الناس إلى الثورة على النظام من جهة، والقول إنه لا يمس قوت يومهم واحتياجاتهم الأساسية من جهة أخرى. إذ إنها تنطلق أيضا من تفكير رغبوي بشأن قدرة القانون على تحقيق أغراضه، وتظل أيضا أسيرة تصورات سياسية ساذجة، تتمحور حول أن واشنطن مهتمة حقا بمصير سوريا، دع جانبا الاهتمام بمصالح السوريين، أو تحقيق العدالة لهم، أو التوصل إلى حل سياسي عادل، ينهي مأساتهم المستمرة منذ سنوات.
أولا، يجد المرء صعوبة بالغة في ذكر حالة واحدة أدت فيها العقوبات الاقتصادية إلى إسقاط أي نظام، في القرن الأخير على الأقل. لم يحصل هذا في كوبا ولا في كوريا الشمالية ولا في إيران ولا في العراق، أيام نظام الرئيس صدام حسين. ثانيا، تعد محاولات الفصل بين النظام والناس في تطبيق العقوبات بائسة، في الحد الأدنى. لا بل يكون تأثيرها وضررها على الناس عادة أكبر وأشد. وقد أثبت النظام السوري، مثل كل الأنظمة الاستبدادية، خصوصا في سنوات الحرب، قدرة استثنائية على الاستفادة من أزمات الناس وآلامهم، ابتداء من استغلال قضايا المعتقلين لتقاضي العمولات والرشى، إلى أعمال النهب و«التعفيش»، وحتى بيع أنقاض البيوت بعد تهديمها. «قانون قيصر» لن يكون إلا أداة إضافية في «صندوق العدة» للاستمرار في هذه الممارسات. العقوبات التي يفرضها «قيصر»، مهما حاولنا التلاعب بالألفاظ لتخفيف آثارها، ستؤدي إلى معاقبة عامة الناس، وجزء كبير منهم ليس لهم ذنب إلا أنهم وجدوا أنفسهم يعيشون في مناطق سيطرة النظام. لقد أدت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على العراق، بين 1991- 2003، إلى وفاة أكثر من نصف مليون طفل عراقي، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، ولم يسقط النظام الذي لم يكن له أي حلفاء يعينونه حينها، إلا بغزو عسكري أمريكي شامل. وبعد نحو عقدين على سقوطه، ما زالت آثار تلك العقوبات الصحية والنفسية والمادية ماثلة في الواقع، وفي أذهان العراقيين ونفوسهم.
أخيرا، تبدو فكرة أن هدف «قيصر» أمريكيا تحقيق تغيير في سوريا، منفصلة تماما عن الواقع، فإدارة ترامب، وعلى لسان المسؤول الأول عن الموضوع السوري فيها، جيمس جيفري، لا تسعى إلى تغيير النظام، بل دفعه إلى إخراج إيران من سوريا، وفي الحد الأقصى إبداء مرونة كافية تسمح بحل سياسي، لا يتفق بالضرورة مع رؤية المعارضة. فوق ذلك، من الصعب تصور أن تستسلم روسيا وإيران «لقيصر»، بعد أن أفشلت محاولات إسقاط النظام عسكريا، حتى لو خرج الناس عليه.
لو أن المعارضة تبدي اهتماما أكبر بمصير الناس وحياتهم في مناطق سيطرة النظام، وتتوقف عن النظر إليهم باعتبارهم مؤيدين له، بل جزءا بائسا مغلوبا على أمره، من شعب ضاع، لربما زاد ذلك من مصداقيتها عندهم، ولربما حصدت نتائج ذلك لاحقا. حتى الآن، لا يبدو الفرق واضحا لديهم بين شعاري «الأسد أو نحرق البلد»، و«إسقاط الأسد أو نحرق البلد».