عندو القطار
هل سبق للسيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والوزير السابق للعدل ولما أبقى عليه من حريات، وهو محام ورئيس سابق لجمعية حقوقية أن اطلع على وثيقة دولية تسمى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادرة سنة 1948.
ولعلم السيد الوزير فإن هذا الإعلان أصبح اليوم مادة تدرس للأطفال في المدارس خلال المرحلة الابتدائية، ويمكنه الرجوع إليه، فهو ينص في فصله 22 على أن لكل شخص، بوصفه عضوا في المجتمع، حقا في الضمان الاجتماعي.
كيف يمكن لوزير لحقوق الإنسان أن يجالس زملاءه في الحكومة ويخرج فيهم عينيه، وهم يعلمون أنه يقول ما لا يفعل، وأنه أحجم عن تسجيل كاتبة مكتبه في الضمان الاجتماعي لمدة تفوق 24 سنة، وهل يمكن لوزير التشغيل وزميله في الحكومة وفي الحزب وفي المهنة بعدما اتضح أنه هو كذلك لم يسجل مستخدميه بالصندوق الذي يشرف عليه إداريًا إلا قبل أيام قليلة بعد افتضاح أمر الرميد، أن يأمر بإرسال لجنة تفتيش لمكتب الرميد للمحاماة لكي يراقب مدى تقيده بقوانين الشغل والضمان الاجتماعي لبقية مستخدميه الذين لم يموتوا بعد، رغم أن السيد أصبح يعيش في بحبوحة العيش ويرفل في نعيم المنصب وامتيازاته.
كيف يمكن لوزير دولة أن يحاور المنظمات المعنية بحقوق الإنسان الوطنية والدولية، وأن يجالس الفرقاء على طاولة الحوار الاجتماعي، وفي عيونهم نظرة اتهام له بخرق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في أبسط قواعده، وهضم الحقوق الاقتصادية لمستخدمته التي تنص عليها المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي صادق عليها المغرب، والتي تنص على إقرار الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في الضمان الاجتماعي، بما في ذلك التأمينات الاجتماعية.
وهل يمكن أن ننتظر ممن لا يحترمون القانون أن يدافعوا فعلا عن دولة الحق والقانون، وأن يفرضوا على نقابة الباطرونا التقيد بالضمان الاجتماعي وهم الباطرونات الذين لم يضمنوا الحق لمستخدميهم في مكاتبهم، وكيف سيناقشون مشاريع القوانين بعيدا عن مصالحهم الشخصية الضيقة، ويشرعون لنصوص قانونية تشدد العقاب على حرمان المشغلين لأجرائهم من الحق في الضمان الاجتماعي.
نعلم كما يعلم الجميع أن العديد من مكاتب المحامين لا تتقيد بواجب تسجيل كتابهم وكاتباتهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ولا تؤمنهم ضد حوادث الشغل والأمراض المهنية، لأن ذلك يثقل كاهلهم بأعباء إضافية لا قبل لهم بها كان الله في عونهم، وإن كان هذا المبرر غير مقبول حتى بالنسبة لاؤلئك المحامين الشباب الذين قالوا باسم الله في المهنة، فإنه غير مقبول بالنسبة للمحامين الكبار الذين يحتكرون النيابة عن شركات التأمين وعن الإدارات العمومية والوزارات والجماعات المحلية، ولذلك فيجب أن يكون تسجيلهم في الضمان الاجتماعي شرطا لتمكينهم من النيابة في تلك الملفات، ووثيقة لازمة لصرف أتعابهم التي تعد بالملايير، كما يجب أن يشترط القانون في من يريد تمثيل المحامين من نقباء وأعضاء مجالس الهيئات، أن يكون مثالا في احترام الحقوق الاجتماعية لمستخدميه ومساعديه.
أما حين تصبح ما شاء الله عليك برلمانيا لعدة ولايات، ووزيرا عبر استغلال رصيدك المهني واستثمار السمعة الحقوقية والحظوة المهنية التي حصلت عليها بالقفز والركوب في ملفات سياسية كبرى، وحين تضمن لنفسك تقاعدا مريحا ووضعا اجتماعيا رغيدا، فيتعين عليك أن تفكر في من كانوا سندا لك أيام الميزيرية، ومن استحملوا غضباتك وتشنجاتك وسترو عوراتك، وأن تفكر أنه إذا كتب الله لك أن تعود إلى مكتبك العامر لجني ثمار رحلة الاستوزار المطولة، ستجد أن أوضاع مستخدميك قد تحسنت مثلما تحسنت أوضاع الجماهير التي وضعت ثقتها فيك وفي حزبك، وسيستقبلونك وقد ارتسمت البسمة على محياهم استقبال الفاتحين لا استقبال الناخبين الغاضبين، حتى إذا ما لبيت نداء ربك ترحموا عليك، وذكروك بالخير.
قد يقول قائل بأن السيد الوزير كان يعطي لمستخدمته أكثر مما تستحق لو أنه سجلها في صندوق الضمان الاجتماعي، وأنه كان سخيا مع عائلتها، وأنها كانت راضية بالوضع، ولولا أنه وزير الآن لقال بأن سبب امتناعه عن تسجيلها في الضمان الاجتماعي هو أنه غير مستحب، لكن ادعاءه السخاء مع من حرمها من الضمان الاجتماعي يبقى مجرد ادعاء “يعوزه الإثبات” كما يقول المحامون، وإن ثبت يكون عملا خيريا تطوعيا بينك وبين مولاك، فهو لا يضمن لصاحبه الاستدامة والأمن الاجتماعي التي يناضل من أجلها الحقوقيون ديال بصح، إن لم يكن مجرد صدقة باطلة ورياء، فالإثبات الحقيقي في مثل هذه الحالة هو بطاقة الانخراط في الضمان الاجتماعي، وهي غير متوفرة عند وزير دولتنا المكلف بحقوق الإنسان، ولو أنه كان يتوفر عليها لكان قد سارع إلى نشرها بواسطة مستشاره الإعلامي المتخصص في تغسيل زلاته وتنسيق هجومات كتائبه الفيسبوكية وهو يخرج فينا عينيه.
اليوم يكتفي أتباع الرميد بالقول بأن الهجمة الإعلامية التي يتعرض لها الرجل سببها مطالبته بسن قانون الإثراء غير المشروع، ومعارضته لتمديد الحجر الصحي، وقلبه على الضعفاء والمساكين، أما وقد سقط الوزير سقطته المدوية، فهو لا يمكنه سوى أن يتذرع كما قال ذات مرة وهو يحاول التهرب من أسئلة الصحافيين حول أحداث الريف، عندي قطار عندي قطار.
أما وزير الشغل الأعجوبة الذي كشفنا كيف أراد أن يصلح الجرة فكسرها عندما سارع المكلف بمكتب محاماته إلى تسجيل مستخدميه بعدما تفجرت فضيحة الرميد، فمنظره في البرلمان وهو يحملق بعينيه الزائغتين وهو يسمع سؤال البرلماني حول حقيقة ما يتم تداوله من عدم تسجيله لمستخدميه في الصندوق الذي يشرف عليه إداريا كافية لكي تعطيكم فكرة حول حالة الوزير التي تدعو إلى الشفقة.