يونس جنوحي
الذين لا يعرفون عمر رداد، لا يعرفون بالضرورة الإحساس الذي يخالجه هذه الأيام، بعد معركة لقرابة ثلاثة عقود لكي يثبت براءته من تهمة قتل مواطنة فرنسية، اسمها غيلان مارشال، كان يعمل بستانيا لديها.
في عهد الرئيس الفرنسي جاك شيراك، حظي عمر بعفو رئاسي خلق زلزالا سياسيا في فرنسا، خصوصا في أوساط المحافظين وأنصار اليمين المتطرف.
قصة عمر بدأت عندما ألقي عليه القبض بتهمة قتل مشغلته الثرية، لأن المحققين وجدوا في مسرح الجريمة عبارة بالفرنسية مكتوبة بالدماء، كما لو أن الضحية كانت تحاول كشف اسم قاتلها للشرطة في لحظات احتضارها، حيث كتبت «عمر قتلني». وهذه العبارة أصبحت شعارا وقتها لأنصار اليمين الذين استغلوا القضية لطرد المهاجرين من فرنسا.
لكن المثير في الموضوع، أن التحقيق وقتها لم يشمل مسرح الجريمة بالجدية التي تتطلبها القضية وتمت إدانة عمر رداد مباشرة بقتل مشغلته، رغم أنه كان لا يتحدث الفرنسية ولم يكن يعرف ما يدور في المحكمة ولا حتى أثناء التحقيق معه.
لم يتم التحقيق بشكل كاف في الأدلة الجنائية وما إن كان الخط الذي كُتبت به العبارة التي كتبت هكذا، وبشكل خاطئ «OMAR M’A TUER»، هو خط غيلان مارشال فعلا أم أن قتلتها حاولوا توريط البستاني في الجريمة.
لأن التحقيقات التي فتحت بعد أن حظي عمر بتخفيف بعد العفو الرئاسي، كشفت وجود حمض نووي لأربعة أشخاص آخرين في نفس مكان الجريمة، وهو ما لم تدقق فيه الشرطة أثناء التحقيق الذي أدين بسببه عمر رداد. وبفضل هذه الجزئية، استفاد عمر من العفو الرئاسي.
كانت قضية هذا المواطن المغربي البسيط هشة إلى درجة لم تستطع معها مقاومة الضغط الإعلامي الكبير الذي أحاط بها. ومما تمت مؤاخذة القاضي الأول عليه، هو تأثره بالإعلام الفرنسي، خصوصا التابع لحزب اليمين، للانتقام من عمر رداد، رغم أنه كان بدون سوابق قضائية في فرنسا، ولم تكن لديه أية عداوة مع الضحية ولم تحجز لديه أية أغراض مسروقة من مكان الجريمة، وهو ما ينسف عنصر التورط. وتم الاقتصار على العبارة التي أجمع أقارب مارشال على أنها لا يمكن أن تكون بخط يدها.
بوسائل التحقيق الجنائي المتاحة اليوم، يمكن بسهولة التأكد من الخط ومعرفة ما إن كُتب فعلا بيد مارشال أم بيد أخرى كانت تريد توريط عمر رداد في القضية. وحتى لو كان هناك ضغط إعلامي شرس للنيل من المهاجرين واستعطاف الرأي العام الفرنسي لكي يصطف إلى معسكر اليمين الذي يعلق كل مشاكل الجمهورية الفرنسية على المهاجرين من المغرب، فإنه من الصعب اليوم إرسال شخص إلى المشنقة فقط لإسكات الشارع.
في أمريكا تمت الأسبوع الماضي تبرئة أمريكي من أصول إفريقية من تهمة اغتصاب شابة أمريكية في ثمانينيات القرن الماضي. وتمت إدانته بعقوبة سجنية طويلة فقط لأنها أشارت إليه بأصبعها وهو في صف المشتبه فيهم. وبعد أن كتبت مذكراتها وحصدت ملايين الدولارات، بعدما باعت أزيد من مليون نسخة من المذكرات التي تصف فيها المأساة التي مرت بها من اختطاف واغتصاب، تم تحريك الدعوى من جديد، لكي يستعيد المُدان سابقا كرامته وتزال من سجله جريمة الاغتصاب التي أثبتت وسائل التحقيق الحالية المتطورة أنه لم يرتكبها، وأن الضحية أشارت إليه لأن هيأته كانت تشبه هيئة مُغتصبها الذي لم يعرف إلى اليوم.
هل يمكن أن نرى سيناريو مشابها في قضية عمر رداد؟ صحيح أن الضحية ليست على قيد الحياة، لكن ربما يتم التوصل إلى الذين كتبوا العبارة وضمنوها اسمه فقط لأنه مجرد بستاني بسيط ومهاجر مغربي من آلاف المهاجرين الذين يعيشون بسلام في فرنسا وينتظرون طوال السنة إلى أن تحل عطلة الصيف، لكي يذهبوا إلى مسقط رأسهم محملين بالهدايا ويعودون إلى فرنسا في شتنبر لجز العشب وانتظار العطلة المقبلة.
إذا حدث منعطف جديد في القضية، فإننا سوف نكون أمام واحدة من أعقد القضايا المعروضة أمام القضاء في العالم وليس في فرنسا وحدها. السؤال الآن، من سيحدد مقدار كرامة عمر؟