شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

علاش المغاربة..

تفصلنا أيام قليلة عن حلول شهر رمضان الذي يعتبر فرصة سنوية لتطهير الجسد والروح.. فبالإضافة للقيمة الدينية والعقائدية الكبرى لشهر الغفران، نجد أن رمضان محطة سنوية نتوقف فيها عن فوضى الحياة ونتشافى خلالها من حمى الشهوات. إن رمضان لمن يَتَفَكَرْ هو بمثابة طريق الحق التي دعانا إلى سلوكها مولانا الإمام علي بن أبي طالب. فكيف استوحشنا الرحلة الإيمانية وانحرفنا عن المعنى الرباني لشهر الصيام؟ كيف تحول رمضان من معركة إنسانية ضد شهوة الجسد وعصيان الروح إلى معركة في ساحات الأسواق التجارية الكبرى؟ كيف تحول الإمساك عن الأكل والشرب إلى سباق محموم نحو تخزين كرات الجبن السمينة وعلب الفطر والذرة المصبرة؟ كيف انتقل شهر «الديتوكس» الجسدي إلى شهر نكتنز فيه الدهون الثلاثية القاتلة نتيجة انهيار جبهتنا الدفاعية أمام سلاح البطبوط المعمر وباقي أنواع العجائن والمقليات والمشويات؟

مقالات ذات صلة

كيف تركنا طريق الحق وتتبعنا خطوات شيطان الرأسمالية والاستهلاكية المفرطة؟

هل ظاهرة التخزين والاكتناز تعتبر فعلا ظاهرة دخيلة على الثقافة المغربية؟ أو أن هذه الممارسات الاقتصادية لها جذور أنثروبولوجية يعود تاريخها إلى أزمنة بعيدة؟

من المعلوم أن الإنسان الأمازيغي القديم أهدى العالم أول نظام بنكي يُعرف بـ«إغودار» حيث بينت الاكتشافات الأثرية أن المغاربة القدماء كانوا يستخدمون هذا النظام السوسيواقتصادي الفريد في تخزين الأموال والحبوب والعسل والتوابل والحلي والمجوهرات الثمينة.. نجد كذلك ما يسمى بالمطمورة التي اكتنز فيها المغاربة

مختلف أنواع الأغذية القابلة للتلف السريع. يجوز لنا القول إن أجدادنا ابتكروا طرقا ذكية للنجاة في مواجهة الظروف المناخية والبيئية القاسية. لقد اعتمد المغاربة على وسائل التخزين تحسبا لفترات الجفاف أو المجاعات أو الحروب. تجدر الإشارة أيضا إلى نظام «المطفيات» الذي ساهم ولازال في الحصول على مياه صالحة للشرب في العديد من مناطق المغرب المنسي. والمطفية هي عبارة عن صهاريج مغمورة تحت الأرض مخصصة لتجميع مياه الأمطار.

لذا فإن تخزين المؤونة الغذائية عادة وممارسة مغربية أصيلة، غير أن الفرق بين إغودار والكونجيلاتور الحديث يرجع إلى الابتعاد عن مفهوم الحاجة الغريزية العقلانية للغذاء، وتبني مفهوم الاستهلاك المرضي المفرط. فإذا كان الإنسان الموري القديم اكتنز السمن والعسل والكديد تحسبا لسنوات عجاف يشح فيها الغيث أو تصعب خلالها عمليات التنقل بين تضاريس الجبال الوعرة، فلماذا أصبح الإنسان الموري الحديث يكتنز الفرماج حمر على الرغم من توفر كميات ضخمة منه في ثلاجات المتاجر الكبرى التي تبعد بخطوات قليلة عن منزله؟ ما الدوافع النفسية والاقتصادية التي حولتنا إلى كائنات زومبية تتجول بدون إدراك أو وعي بين أروقة اللحوم المجففة والمعجنات والفيغميسيل؟

يعد الإفراط في الاستهلاك قضية ملحة تمس الجوانب الاقتصادية والنفسية للمجتمع. من الناحية الاقتصادية، يشير الإفراط في الاستهلاك إلى الاستخدام اللاعقلاني للموارد والسلع، والذي غالبا ما يكون مدفوعا بالجشع أو الخوف غير المبرر من الندرة. في الاقتصاد الرأسمالي، يعد الطلب على السلع والخدمات محركا رئيسيا للنمو الاقتصادي. ومع ذلك، عندما يتجاوز الاستهلاك المستويات المنطقية، فقد يؤدي ذلك إلى استنزاف الموارد، والضرر البيئي وعدم المساواة بين المواطنين. تصبح الموارد أكثر ندرة، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار والتضخم وزعزعة استقرار الأنظمة الاقتصادية المختلفة. قد تواجه الصناعات أيضا تكاليف إنتاج أعلى، وقد تواجه الشركات عائدات متناقصة بسبب الإفراط في الإنتاج أو الفشل في خلق قيمة دائمة.

من الناحية النفسية، غالبا ما يكون الإفراط في الاستهلاك مدفوعا باحتياجات عاطفية واجتماعية أعمق. يمكن أن تدفع الرغبة في المكانة أو الانتماء أو الشعور بالإنجاز الأفراد إلى استهلاك أكثر من اللازم. إن التسويق والإعلان يعملان على تضخيم هذه الرغبات، مما يخلق ثقافة من الرغبة المستمرة وعدم الرضا. قد يسعى المستهلكون إلى الحصول على الكماليات كوسيلة للتعامل مع الفشل العاطفي أو الإجهاد أو السعي وراء السعادة الوهمية. توفر دورة الاستهلاك هذه، التي يشار إليها غالبا باسم «retail therapy» أو «العلاج بالتجزئة» (وهو سلوك استهلاكي يشير إلى لجوء الفرد إلى محلات التسوق الكبرى رغبة منه في التنفيس عن ضغوطات الحياة عبر التسوق وإنفاق مبالغ مهمة)، توفر هذه الممارسة راحة مؤقتة لكنها نادرا ما تقدم شعورا أصيلا بالسعادة والامتنان.

بمرور الوقت، يمكن أن تؤدي الحاجة النفسية إلى المزيد من الاكتناز إلى دورة دائمة من الإفراط في الاستهلاك، مما يعزز فكرة أن الراحة النفسية مرتبطة بالإنفاق المفرط. ونتيجة لذلك، قد يعاني الناس من انخفاض في الإحساس بالرضا على الرغم من زيادة الثروة المادية. إضافة إلى ذلك، تساهم الضغوط لمواكبة المحيط الاجتماعي بالاستمرار في هذه الدورة الاستهلاكية المؤذية، مما يعزز عادات الإنفاق غير الصحية ويؤدي إلى عدم الاستقرار المالي للأفراد والمجتمعات على حد سواء. لذا فالحديث «عليك يا الحادر عينيك»، أراك، عزيزي القارئ/المستهلك، تضع الجريدة جانبا بعد الانتهاء من تأمل هذه الأسطر، لتهرول إلى أقرب مركز تجاري وتشرع في ممارسة طقوسك السنوية البهلوانية في اكتناز الفيغميسيل والفطر المجفف وما تيسر من ورقة البسطيلة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى