عطب بروتوكولي
بعد سنوات الاستقرار، أصيبت تقاليد البروتوكول الخاص بالوزراء الأوائل ورؤساء الحكومات إصابات بالغة بوصول قادة حزب العدالة والتنمية بشعبويتهم إلى رئاسة الحكومة، فعبد الإله بنكيران كان يرفض الانتقال للإقامة في مقر رئاسة الحكومة، لأن ذلك البروتوكول يمس بصورته، مع العلم أن قراره بالبقاء بفيلا حي الليمون كان يوفر له تعويضا إضافيا بمليوني سنتيم. وزاد الأمر استفحالا مع سعد الدين العثماني، الذي تسببت تصرفاته غريبة الأطوار في تعريضه للعديد من حملات السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، كما حدث مع استقباله، وطريقة سلامه على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مخاطبا إياه: «أنا رئيس حكومة المغرب… هل تعرف المغرب؟».
سياق هذا الكلام هو تلك الطريقة الغريبة التي استقبل بها العثماني، ضيفه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بمقر إقامة رئيس حكومة المغرب، بما يحمله المكان من دلالات رمزية، حيث حطم رئيس الحكومة قواعد البروتوكول تحطيما، وظهرت عليه فرحة طفولية مبالغ فيها، جعلته يمشي بطريقة غريبة ويصافح بشكل مرتبك، ويخاطب ضيوفه بلغة لا هي بالعربية ولا باللهجة الدارجة ولا هي باللهجة الفلسطينية.
لا يمكن لأي مواطن مغربي يفتخر بعراقة بلده وهيبة مؤسساته، قبول تلك الطريقة التي استقبل بها رئيس الحكومة ضيوفه، وكأن العثماني بدأ للتو التعرف على قواعد البروتوكول الرسمي للمرة الأولى، مع العلم أنه سبق له أن شغل منصب وزير الخارجية، الذي يفترض أنه أتاح له الإلمام بقواعد البروتوكول مسبقا، وهو ما ظهر جليا خلال الاستقبال وفي غيره من المناسبات.
إن إثارة انتباه رئيس الحكومة لبعض تفاصيل البروتوكول، ليس تغليبا للمظهر على الجوهر، وليس إضاعة الوقت بالشكليات والقشور بدل صلب الموضوع، وما ينبغي أن يستوعبه أن بروتوكول مؤسسة رئاسة الحكومة ليس قواعد «إيتيكيت» فقط، هو تعبير عن تاريخ دولة عريقة لها تقاليدها وأعرافها التي لا يمكن أن تتكسر بتصرفات وحركات صبيانية، وهي جزء من نظام يحدد قواعد العمل داخل السلطة التنفيذية، وتتفق في أجزاء كثيرة مع البروتوكولات المماثلة بدول العالم، باستثناء اختلافات بسيطة تراعى فيها طبيعة كل بلد وخصوصيته.
لذلك فتصرفات رئيس حكومتنا ليست مسألة شخصية، فكيفية الحديث واختيار الألفاظ المناسبة وطريقة المشي، وشكل مصافحة الضيوف، بالإضافة إلى اختيار الملابس، وطريقة تناول الطعام والشراب والجلوس مع الضيوف في المناسبات الرسمية ليست أمرا ثانويا، هي سلوكات أساسية وتتطلب الاشتغال عليها مع المسؤولين عن المراسيم والبروتوكول داخل رئاسة الحكومة بالمشور السعيد، خاصة أن المنصب يفرض على صاحبه القيام بالعديد من المقابلات والاجتماعات مع رؤساء حكومات ودول.
لا أحد يحب أن يرى كيف يتحول السيد رئيس الحكومة إلى موضوع للسخرية في العالم، لأن مسؤولا حكوميا في دولة عريقة لا يولي اهتماما لتصرفاته ويعتبر الخضوع لطقوس بروتوكولية أمرا متصنعا ولا فائدة منه، فإذا لم تكن تهمك صورتك أمام العالم فعلى الأقل اضغط على نفسك قليلا لما تبقى لك من وقت في منصبك، لكي لا تسيء إلى صورة بلدك.