عبثية الصراع الديني والمذهبي
بقلم: خالص جلبي
مع دخول رمضان لعام 2021م (13 أبريل الماضي) ونهايته مع 13 ماي الجاري، فاضت روحي بالسلام فقشعت عيناي التاريخ المؤسف لبني الإنسان وصراعاتهم العبثية الإيديولوجية. وأضع بين يدي القارئ خلاصة أفكاري في إلقاء ضوء على هذه الصراعات العقيمة العبثية والمحرضة على الكراهية والمفضية إلى العنف والاحتراب. وقد أجملتها في مجموعة من الوصايا، يمكن أن تقرأ على مهل وترسل إلى صديق أو تعمم. ومع كتابة هذه الأسطر وأنا في كندا، بلد البعد والبرد والغلاء، تردني الأخبار عن احتدام الصراع مجددا في أرض حمل فيها يوما عيسى بن مريم (يسوع المسيح) غصن الزيتون، إشارة ورمزا إلى السلام بدون فائدة على ما يبدو، وقد جاءني (CD) من مجلة «المرآة» الألمانية «دير شبيغل» يستعرض سلسلة الحروب في المنطقة بعنوان (من حرب إلى حرب)، ومن غزة بعث إلي أبو رتيمة بفيديو يظهر الألعاب النارية في سماء بني صهيون، وأفادتني الأخت رهف من غزة بمصرع عشرات الشباب الفلسطينيين بينهم تسعة أطفال؛ فهذه هي الحرب وليس الحديث عنها بالخبر المرجم. وفي الواقع فكرت أنا مليا في النقاش مع المتشددين والموتورين من كل دين، وقلت: «يا ترى هل ينفع معهم نقاش؟». القرآن يمنحنا الإجابة فيقول لو إن السماء انشقت وفتحنا بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون. هي شهادات يوثقها القرآن على عقم النقاش بين أصحاب الأفكار والأديان المتباغضة، الأنبياء صدقوا بعضهم وأتباعم اقتتلوا! والسبب بسيط وهو البرمجة الفكرية؛ فهذه فكرة أولية يجب التأكيد عليها حتى نستوعب رحمة الاختلاف وأن الكون مبني على التباين، ولذلك خلقهم من جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود؛ فهذه هي الطبيعة بصفحتها العريضة. وحين يستعرض القرآن في سورة «الرعد» (الآية) إمكانيات مذهلة من قرآن يكلم الموتى أو يحرك الجبال بما يشبه (ريموت كونترول)، أو شق الطبقات التكتونية للأرض بأشعة فوق لازرية!
وهكذا فالنقاشات التي تعرفت عليها في المغرب من نموذج (الحمامي) الدكالي الهارب إلى أرض الفرنجة مختبئا، الذي يطرح (برنامج سؤال جريء) من قناة فضائية مشبوهة ممولة من جهات مشبوهة، يقول عكس ما وصاه المسيح صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم، أو الآخر الذي يحمل اسمي نبيين دفعة واحدة (محمد والمسيح = باللهجة المغربية تلفظ المسيح بالتشديد) حين جاءني صديقي أنس من الجديدة، وهو يطير فرحا أن حصل توقيع المذكور على نسخة من كتابه حول تكذيب القرآن، وصاحبنا يكفر بالاثنين معا ويعتمد في مصادره على مستشرقين كارهين للنبوات من أمثال (نولدزه) ذكرته في مقالة سابقة لي من هذا المنبر، أو ثالث مصري شارد من أرض الكنانة (حامد عبد الصمد)، لتحتضنه أيضا مؤسسات مشبوهة تروج لأفكاره بإمكانيات دولية. أو من سويسرا نصراني من القدس يحمل لقب الذئاب (سامي ذيب)، قد طلق عيسى والنبوات ويتندر على الوحي والسماء إنها لم يتنزل منها القرآن في ليلة القدر؛ فالسماء لم تمطر سوى النيازك وبراز العصافير!
كنت أقول لزوجتي المغربية: «انظري وتأملي زاوية الرؤية؟ وكيف ينظر كل منا إلى السماء، فصديقنا المقدسي ذيب رأى فيها برازا!»، أما (إيمانويل كانط)، فيلسوف التنوير الألماني، فقد أوصى أن تنقش على قبره عبارة السماء والضمير: شيئان يملآن قلبي بالإعجاب: السماء المرصعة بالنجوم فوق رأسي، والضمير الأخلاقي في وجداني. السماء نفسها التي رأى فيها السعودي التويجري والمقدسي ذيب برازا، كانت مصدر اليقين لإبراهيم بعد أن أصابه السقم من آلهة كائبة، فقال إني سقيم فنظر نظرة في النجوم.
وفي سورة «الأنعام» استعراض جميل في ثلاث نقلات عن إبراهيم الساهم الواجم الأواه الحليم، وهو يتأمل السماء ليصل إلى اليقين. «وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات وليكون من الموقنين». هذه السماء الرائعة هي التي يحلق فيها الطيران تنقل البشر عبر المشارق والمغارب في ساعات، وهي التي فتحت طرق الاتصالات المجانية بين البشر ليقوم المسوخ بنقل أوساخهم عبرها، وهو يذكرني دوما بالتقنيات وماذا تفعل، فحين اخترع غوتنبرغ المطبعة، كانت أكثر المطبوعات رواجا هي كتب الخرافات، وكذلك الحال اليوم مع «اليوتيوب» والقنوات الفضائية، فيستطيع أي تافه أن يقوم فيتحدث عن لعق الأعضاء التناسلية، ليكون عدد المشاهدات مليونا ومائة ألف.
إننا نعيش عصر التفاهة والضياع، فقد تحول «اليوتيوب» إلى أوقيانوس مدمر بأمواج كالجبال تغرق فيها أعظم عابرات المحيطات، كما حصل يوما مع أشرطة «البورنو» فاحتشدت بها رفوف مكتبات إعارة الأفلام الإباحية.
أنا آسف لذكر أسماء بعينها، ولكن الحرب المشبوبة اليوم جعلت امراة من القنيطرة تستغيث بي أن زوجها فتن ببعض هؤلاء من أئمة الكفر، ووصلت الحالة إلى حافة الطلاق!
الحرب اليوم ليست تنصير الناس كما جاء في كتاب «التبشير والاستعمار» لعمر فروخ، الهدف هو (لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا)، وإدخال البلبلة، وصولا إلى حرب أهلية مبطنة، تقود إلى حرب بالبنادق والحراب وخناجر الحشاشين.
إلا أنهم أعداء محمد والمسيح وموسى والصديقين. وأنا أكرر: «كن مسيحيا لا تكن صليبيا، كن يهوديا لا تكن صهيونيا، كن مسلما لا تكن داعشيا».
الحرب اليوم ليست تنصير الناس كما جاء في كتاب «التبشير والاستعمار» لعمر فروخ، الهدف هو (لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا)، وإدخال البلبلة