عام بلا راس
هذه السنة لن يكون لها «رأس». ببساطة لأن دمها تفرق بين القبائل. سنة مرت، بمحطاتها الكثيرة وارتجاجاتها الكبيرة والصغيرة، وخيبات الأمل التي تسبب لنا فيها أولئك السياسيون الذين يحسنون الحديث في كل شيء إلا المعقول والسياسة بطبيعة الحال.
نحن محظوظون لأننا وصلنا إلى آخر يوم من أيام دجنبر بأقل الخسائر. شعب عاجز تماما عن الادخار، ونخبة مخدرة أو في طريقها إلى الانقراض، والكثيرون من المستحاثات يشقون طريقهم بثبات نحو الجدار، مساهمين دائما في تمييع المشهد السياسي والثقافي والفني.
هذا الشعب يُمضي السنة كلها في تجنب الضربات والسكتات القلبية المفاجئة، ومخاطر الدخول إلى المستشفيات العمومية وعدم الخروج منها مجددا حتى لو كان الأمر يتعلق بعملية تافهة لانتزاع «اللوزتين». لذلك يصل إلى آخر محطة منهكا وربما مجروحا، يكابر لدخول السنة الأخرى لتلقي المزيد من الضربات أو تجنبها في انتظار العناية الإلهية.
هذه السنة مرت لأن الأرض تدور. نحن محظوظون لأن الأرض لا تزال تصر على الدوران برغم ملايين السنين التي مرت عليها وهي تدور حول نفسها وحول الشمس. ولا بد أن الأرض تحس بالدوار الشديد، ليس لأنها تعبت من الدوران، ولكن لأن شيخا شابّا قال إن الأرض لا تدور، ليعيدنا إلى القرون الوسطى حيث كان الناس يعتقدون أن الأرض مثل الزربية، منشورة في مكان ما أمام الشمس، وأن المشي المتواصل لا بد أن يوصلهم إلى نهاية الكرة الأرضية، لكنهم للأسف لم يتوصلوا إلى أي شيء، وتركوا حفيدا لهم، ليخرج عن صمته بعد كل هذه القرون.
صُدمنا مجددا عندما رأينا كيف أن الحكومة لا تتوفر على أي سياسة لحماية جيب المواطن المغربي، وأن أول الحلول التي تلجأ إليها كحكومة، هي أن تدخل يدها مباشرة في جيب الفقير، لتأخذ منه ما ترمم به الميزانية. رأينا كيف أن مرور الأيام لا يزيد رئيس الحكومة إلا قدرة إضافية على الحديث لساعات دون أن يقول جملة مفيدة، وأن بعض الذين يشتغلون معه يصلحون ليكونوا عينات بشرية في دراسات نفسية واجتماعية معقدة.
يُمضي المغاربة السنة كلها، منذ بدايتها إلى نهايتها، في انتظار «الصولد». لا يهم المغاربة إن كانت السنة ستنتهي وتدخل أخرى، لأن الأعمار بيد الله، وهذا أمر جيد، لأنها، أي الأعمار، لو كانت بيد أحد آخر، مثل التقاعد، لاقتطعت لهم منها الدولة، وربما سترسلهم إلى دار البقاء قبل الأوان ترشيدا للطاقة الكهربائية وتجنبا للازدحام في القطارات.
وربما سيخرج رئيس الحكومة إلى الشعب ليقول من جديد، بكل صفاقة، إنه نقص من أعمار المغاربة، حتى يستطيع الباقون أن يركبوا الحافلات ويستنشقوا الهواء، ويجدوا الكهرباء في المنازل بعد كبس «الساروت».
حجج الحكومة مثلها، واهية وبلا رؤية واضحة. وطيلة السنة ونحن نتابع كيف أن رئيس الحكومة ووزراءه يتخبطون بين الملفات والكوارث التي أغضبت المغاربة، وأحيانا كان وزراء الحكومة ومسؤولوها هم أبطال تلك الكوارث.
سيشتري المغاربة حلوى بالكريم، بدون فواكه، توفيرا للمصاريف واستجابة لدعوة الحكومة للتقشف، وسيقتسمونها في ما بينهم، وينتظرون قدوم منتصف الليل على أحر من الجمر، وسيقتطع البائسون والقدامى آخر ورقة من «يومية بوعياد» العتيقة، لتدخل سنة أخرى إلى حظيرة الحياة.
من المضحك أحيانا أن تعود بالذكرى إلى الوراء، وترى كيف أننا أمضينا سنوات عمرنا ونحن نتخيل أن ما بعد الـ2000 ستكون سنوات فارقة في تاريخ البشر، لكن للأسف ما زلنا نتخبط في الدائرة نفسها، ولا زلنا نعاني من مشاكل في «الريزو» بعد أن كنا نحلم أن تكون سنة 2015 انطلاقا لرحلات من محطة «اولاد زيان» إلى الفضاء الخارجي، والحال أننا لا زلنا نجد صعوبة في الوصول، عبر القطار أعزكم الله، من الدار البيضاء إلى الرباط، في الوقت المحدد، أو بعده بقليل.