عاملات
حرارتي مرتفعة، لوزتايّ منتفختان تكادان تنفكان عن حدود جيدي، رأسي يؤلمني، جسدي يرتجف ومعه قلمي يرتعش رغبة في البوح لهذا الليل الذي طويت فيه 26 كيلومترا أو أكثر، وصولا إلى وكر الحمام هذا الذي يحتويني منذ أسبوع غير مكتمل.
ظروف العمل الذي تجاوزت فيه الخمسة عشر يوما منهكة ومتعبة، صعب جدا على فتيات مثلي، وهن كثيرات، تحمل ظروف العمل المحيطة، بدءا بالحرارة المتقلبة من مكان لآخر، وانتهاء عند تلك التي يكنونها «السيدة». عندما نراها كأننا رأينا خنزيرا بريا، وعندما نسمع جعجعتها كأنها صوت حمار وحشي، لا يروضه إلا أسد أشد شراسة منه أو ضبع أكثر مكرا ودهاء.
عندما أدخل دائرة الشر تلك، أحسني ببحر لجي فيه الحوت الأكبر يلتهم الحوت الأصغر بتراتبية واضحة. الفتيات الجديدات العاملات كمتدربات، يشتكين من سوء الوضع، ويعلن خفية استسلامهن، ورغبتهن بالتحرر من ذلك الزي الليموني، وحتى الأبيض لأنهما يتساويان واللا إنسانية ونحن عُلمنا من خلال المقررات الدراسية أشياء كثيرة متعلقة بحقوق الإنسان التي تخولها لنا خارطة الوطن والمنظمات الدولية، المندرجة تحت عنوان حقوق الإنسان. أصواتهن أبغض الأصوات عند الله، يصممن آذانهن ادعاء أن ذلك جزء من العمل، وبند أساسي يجعلوننا كل صباح نعبأ به كما تشحن الآلات بالكهرباء.. تبا لهم ولتلك التي أحضرت لي ورقة هذا المساء لأوقعها وهي تقول لي إن بعض الأسلاك التي أستعملها دون استعمال القفازات، مسمومة وتحتوي على نسبة عالية من «الهلوجين»، جعلتني أوقع وثيقة الموت وأنا أضحك ساخرة على الموقف. أما قصة الأمس ونحن نوقع عقود العمل المدونة باللغة الفرنسية، فلم يكن مسموحا لنا بالاطلاع عليها حتى. فكرت أني قد أكون ورفيقاتي وقعنا على وثائق تنص على تنازلنا عن أجورنا، زيادة على العمل المجاني لصالح الشركة لمدة عامين، وفي حال عدم إتمام شروط العقد، فبموجب المضامين حق علينا دفع كفالة مقابل نجاتنا من السجن.
لست أدري حقا ما الذي ساقني إلى تلك المهزلة البشرية، التي تكتب وتعاد كل يوم على لوائح التاريخ بقلم جف مداده. إنه ظلم لا إنساني ذلك الذي تجسده تلك الشركات والمصانع والمعامل متعددة الجنسية التي تشبه وحشا كاسرا أطرافه تشمل كل أركان الكرة الأرضية.