![](https://www.alakhbar.press.ma/wp-content/uploads/2025/02/page-22.jpg)
فاجأ الرئيس السلفادوري نجيب بوكيلة، المعروف بنهجه الصارم تجاه العصابات، الولايات المتحدة الأمريكية بعرض خاص لاستقبال السجناء الأمريكيين وغير الأمريكيين في سجنه الضخم، مقابل رسوم. المقترح لاقى موافقة مبدئية من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
إعداد: سهيلة التاور
أعلنت السلفادور استعدادها لاستقبال جميع المهاجرين المرحلين من الولايات المتحدة، بمن في ذلك المجرمين المصنفين كخطرين. وجاء هذا الإعلان بعد محادثات مطولة عقدها ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، مع نجيب بوكيلة، الرئيس السلفادوري، حيث أكد روبيو أن السلفادور عرضت استقبال المرحلين من أي مكان في العالم، بمن فيهم أعضاء العصابات الإجرامية والمجرمون الخطيرون.
ووفقا لما صرح به روبيو، فإن بوكيلة اقترح إيواء المجرمين المرحلين، سواء كانوا مهاجرين غير شرعيين في الولايات المتحدة أو حتى مواطنين أمريكيين مدانين بجرائم خطيرة، في سجون السلفادور، وذلك مقابل رسوم مالية تدفعها الولايات المتحدة. وأوضح بوكيلة في منشور على منصة «إكس» أن هذه الرسوم ستكون منخفضة نسبيا بالنسبة إلى واشنطن، لكنها ستساعد في جعل نظام السجون في السلفادور مستداما.
ووصف بوكيلة هذا الاتفاق بأنه فرصة للولايات المتحدة لتفويض جزء من نظام سجونها إلى السلفادور، مؤكدا أن هذه الرسوم ستكون منخفضة نسبيا للولايات المتحدة، لكنها ستوفر دعما ماليا كبيرا للسجون السلفادورية.
من جانبه، رحب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بالعرض، واصفا إياه بأنه «عرض صداقة غير مسبوق»، وأضاف أن الولايات المتحدة «ممتنة للغاية» للرئيس السلفادوري، موضحا أن الاتفاق يشمل استقبال المجرمين المرحلين من الولايات المتحدة، بغض النظر عن جنسيتهم، بمن فيهم أعضاء عصابات خطيرة.
وقال روبيو إن المزيد من التفاصيل عن الاتفاقية سيصدر قريبا. ويشير موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الإنترنت إلى أن ظروف السجون في السلفادور «قاسية وخطيرة». ويقول الموقع: «الاكتظاظ يشكل تهديدا خطيرا لصحة السجناء وحياتهم. ففي كثير من السجون، تكون المرافق الصحية والمياه الصالحة للشرب والتهوية والتحكم في درجة الحرارة والإضاءة غير كافية أو غير موجودة».
جدل حول حقوق الإنسان
حظيت حملة بوكيلة ضد العصابات بدعم شعبي واسع داخل السلفادور، إلا أنها لم تخلُ من الانتقادات، خاصة من قِبل منظمات حقوق الإنسان، التي وصفت إجراءات بوكيلة بأنها «استبدال تدريجي لعنف العصابات بعنف الدولة»، محذرة من أن هذه السياسة قد تؤدي إلى انتهاكات جسيمة لحقوق المواطنين الأبرياء.
على الجانب الآخر، يرى مؤيدو بوكيلة أن سياسته الأمنية نجحت في الحد من العنف بشكل ملحوظ، حيث أفاد العديد من السلفادوريين بأنهم باتوا قادرين على العيش دون تهديدات العصابات لأول مرة منذ سنوات.
وقد انعكس هذا الدعم الشعبي في الانتخابات الأخيرة، حيث فاز بوكيلة بولاية ثانية بأكثر من 84 في المائة من الأصوات، مما يعكس تأييدا قويا لنهجه الصارم في التعامل مع الجريمة.
وهذا العرض، إذا تم اعتماده، سيكون الأول من نوعه، حيث لم يسبق أن عرضت دولة استقبال مُرَحَّلِينَ من دول أخرى مقابل رسوم. إلا أن هناك تساؤلات قانونية حول ما إذا كانت الولايات المتحدة يمكنها قانونيا ترحيل مواطنيها إلى دولة أخرى، وهو أمر غير ممكن حاليا وفق القوانين الأمريكية.
رد الرئيس الأمريكي
رد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أول أمس الثلاثاء، بموافقة «مبدئية» على عرض نظيره السلفادوري نجيب بوكيلة، بشأن استعداد بلاده لاستقبال «مجرمين» مدانين، مقابل رسوم.
وعبر ترامب خلال توقيعه أمرين تنفيذيين في البيت الأبيض، عن انفتاحه على فكرة سجن الأمريكيين المدانين بـ«أشنع الجرائم» في دول أخرى، ومنها السلفادور.
وقال: «هناك مجرمون مرضى، إذا ما استطعنا إخراجهم برسوم ضئيلة بالمقارنة مع ما ندفعه هنا، سأكون سعيدا».
وأضاف: «يمكن أن نتحدث عن إبعاد المجرمين من أؤلئك الذين يأتون بطرق غير شرعية إلى بلادنا. يمكن أن نصل إلى صفقات مع هذه الدول».
وقال رئيس السلفادور إن بلاده تريد منح الولايات المتحدة فرصة «لإسناد جزء من نظام سجونها إلى جهة خارجية».
وأوضح بوكيلة أنه منفتح على إجراء مفاوضات بشأن الأمر الذي من شأنه أن يقلل التكاليف بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لكنه سيساعد في تمويل السجن الكبير الذي أنشأته السلفادور.
السياق الإقليمي والتداعيات
يأتي المقترح السلفادوري في ظل تصاعد التوترات بشأن سياسات الهجرة الأمريكية، حيث تواجه إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تحديات كبيرة في تنفيذ خططها لترحيل أعداد كبيرة من المهاجرين. وتسعى واشنطن إلى عقد اتفاقيات مع دول في أمريكا اللاتينية لاستقبال المهاجرين المرحلين، سيما وأن بعض الدول مثل كوبا وفنزويلا تضع قيودا على عدد المرحلين الذين تقبلهم.
وأعلنت كولومبيا والمكسيك رفضهما استقبال رحلات الترحيل الأمريكية دون بروتوكولات رسمية تضمن معاملة المهاجرين بكرامة، مما زاد من الضغوط على الولايات المتحدة لإيجاد شركاء مستعدين لقبول هؤلاء المرحلين. في هذا السياق، تنظر إدارة ترامب إلى بوكيلة باعتباره حليفا رئيسيا في جهودها المتعلقة بالهجرة.
المهاجرون والترحيل الجماعي
منذ توليه منصبه، ركز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تسريع عمليات ترحيل المهاجرين غير المسجلين، متعهدا بتنفيذ «الترحيل الجماعي» للأفراد الذين لا يحملون وثائق قانونية.
ويأتي عرض السلفادور في هذا السياق، حيث تسعى إدارة ترامب إلى إيجاد حلول جديدة لمشكلة الاكتظاظ في السجون الأمريكية، وترحيل الأفراد الذين يشكلون تهديدا أمنيا.
ومع ذلك، فإن هذا النهج يثير تساؤلات حول مدى التزام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان، خاصة في ظل التقارير التي تشير إلى أن بعض المرحلين قد يكونون عرضة لانتهاكات جسيمة داخل السجون الأجنبية.
CECOT» ».. السجن الضخم
يعتبر السجن المركزي في السلفادور (CECOT) واحدا من أكثر السجون تحصينا في العالم، ويعد جزءا أساسيا من حملة بوكيلة لمحاربة العصابات العنيفة. ويتمتع السجن بقدرة استيعابية تصل إلى 40 ألف سجين، وقد تم الترويج له باعتباره نموذجا جديدا للقضاء على الإجرام في البلاد.
ومنذ افتتاحه، نشرت الحكومة السلفادورية صورا ومقاطع فيديو تُظهر آلاف السجناء في أوضاع قاسية، حيث يتم احتجازهم في زنازين مكتظة بلا نوافذ، وهو ما أثار انتقادات حادة من جماعات حقوق الإنسان التي اعتبرت أن هذه الظروف غير إنسانية، وتنتهك المعايير الدولية لحقوق السجناء.
في سجن «سيكوت» الأنوار لا تنطفئ أبدا، فيما تعمل أجهزة التكييف المركزية على ضخ الهواء في المبنى بأسره، ورغم ذلك قد تصل درجة الحرارة في بعض الزنازين إلى 35 درجة مئوية.
ويسمي البعض السجن باسم «الكاتراز أمريكا الوسطى»، لكنه يبدو جديدا ولامعا فكل شيء تم طلاؤه حديثا. وفي الوقت نفسه الحراسة مشددة، وبعض القناصة يتمركزون دوما فوق الأسطح مرتدين الأقنعة.
وفي الزنازين، ينام السجناء في أَسِرَّة من أربعة طوابق، مصنوعة من المعدن، ولا توفر إدارة السجن أي شيء آخر على الأسرة، فالسجناء ينامون فوق السطح المعدني للأسرة مباشرة دون حتى ملاءات أو أغطية، ويأكلون الأرز أو المعكرونة مع البيض المسلوق، بأيديهم دون أي ملاعق أو أدوات أخرى.
وداخل الزنازين، لا يوجد أي شيء آخر، باستثناء حوضين لغسل الأيدي، ومرحاضين مكشوفين للجميع، دون أي ساتر.
ولا يسمح للسجناء بمغادرة الزنزانة إلا لنصف ساعة يوميا، لممارسة الرياضة، دون أي أدوات.
ويتكون السجن من 7 مجمعات للزنازين، وتتسع مساحته لنحو 7 ملاعب لكرة القدم، وتحيط به أسلاك مكهربة، ثم جداران منفصلان من الإسمنت، بني فوقها 19 برجا للمراقبة.
الأمن بأي ثمن
اكتسب بوكيلة، الذي يصف نفسه بأنه «أروع ديكتاتور في العالم»، شهرة بسبب حملته الوحشية ضد العصابات، والتي تم فيها اعتقال أكثر من 1 في المائة من سكان البلاد. ويقول: «لقد تحولنا من أخطر دول العالم إلى أكثر الدول أمنا في النصف الغربي من الكرة الأرضية، وفي كلا القارتين الأمريكيتين، وماذا قالوا عن ذلك؟ اعتبروه انتهاكا لحقوق الإنسان». ويضيف «أي إنسان يتحدثون عن حقوقه؟ الأشخاص الذين لا يتمتعون بالأمانة، ربما نولي الأمناء أولوية الحفاظ على حقوقهم أكثر من المجرمين، هذا كل ما فعلناه».
ويقول نشطاء حقوق الإنسان في البلاد إن الآلاف من المعتقلين لم تكن لهم أي صلة بعمليات العنف أو العصابات، والبعض كانوا مجبرين على التعاون مع العصابات، بحيث يخبئون لها مخدرات أو أسلحة بشكل قسري، بعد تهديدهم بقتل أسرهم.
وبينما تتهم إدارة بوكيلة بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، فقد انخفض العنف أيضا في بلد كان يعرف قبل بضع سنوات فقط بأنه أحد أخطر البلدان في العالم.