شوف تشوف

الرأيسياسية

صاروخ واجتماع وقمة

 

محمد قواص

 

لم يتسرب شيء عن الاجتماع المخابراتي الذي ضم في 14 نونبر، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ويليام بيرنز، ونظيره الروسي سيرغي ناريشكين، مدير جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، بأنقرة، لكن إعلان الأمر من قبل الطرفين رفع مستوى التواصل من واقعه السري الغامض إلى مرتبة علنية، تفصح عن إرادة التخاطب من قبل موسكو وواشنطن.

رفضت موسكو التعليق على أنباء عن تحذيرات حملها بيرنز لنظيره، بشأن أي استخدام روسي محتمل للسلاح النووي ضد أوكرانيا.

وبعد ساعات على اجتماع أنقرة أصدرت قمة العشرين، التي انعقدت في بالي بإندونيسيا، بيانا وسطيا حول الحرب بأوكرانيا، وافقت عليه روسيا والصين والهند ودول أخرى من جانب، كما الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ودول أخرى من جانب آخر.

وفي الجانبين ما يمثل رؤى متناقضة حول قراءة تلك الحرب.

تجنب البيان عبارات مستفزة نافرة وتقصّد اجتراح أبجديات مقبولة، ما كشف عن إرادة جماعية لسلوك معابر التسوية.

وبعد ساعات على انتهاء القمة، أمطرت روسيا كييف ومدنا وأهدافا أخرى بأكثر من 90 صاروخا، وفق ليندا توماس غرينفيلد، المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن.

الأمر يعني أن ديباجة البيان لا تؤثر على سير العمليات العسكرية في أوكرانيا، لكن فحوى ما بين سطور البيان ظهر بشكل جلي واضح في الكيفية التي قاربت بها موسكو والدول الغربية الأطلسية شطط تلك العمليات، إثر سقوط صاروخ داخل الأراضي البولندية، ما أدى إلى سقوط قتيلين.

بدا صعبا على الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي التسويق لدى حلفائه، من واشنطن إلى باريس مرورا بلندن وبرلين، لروايته بشأن مسؤولية روسيا المتعمدة في قصف بلد هو عضو بحلف شمال الأطلسي.

مالت التحقيقات المتعجلة إلى أن القصف غير مقصود، وحصل جراء خروج أحد الصواريخ التابعة لأوكرانيا عن مساره، أثناء التصدي للقصف الصاروخي الروسي على كييف، والجوار القريب من الحدود مع بولندا.

لكن الأرجح أن قرارا سريعا اتخذ بعد مشاورات مع زعماء كبار الدول الغربية، بتكثيف التصريحات المشككة بمسؤولية روسيا، والداعية إلى الروية وعدم التسرع وانتظار نتائج التحقيقات.

أوحت هذه الحكمة الهابطة أن نتائج التحقيقات قد كُتبت قبل أن تبدأ، وأن العالم بشرقه وغربه لا يريد تذكر أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962. فكان أن سارعت موسكو إلى النفي، فسارع الرئيس الأمريكي جو بايدن بسرعة أيضا إلى تصديق روسيا وتبرئتها، وإغلاق النافذة التي أتت منها تلك الريح.

خرج الرئيس الأمريكي من الانتخابات النصفية، التي جرت في 8 نونبر، بأقل الخسائر. حتى هو نفسه لم يتوقع أن ينحسر انتصار الجمهوريين إلى مستوى بسيط، بعدما بشر الرئيس السابق دونالد ترامب بـ«تسونامي أحمر».

الأمر منح بايدن مناعة تزود بها في لقائه مع الزعيم الصيني، شي جين بينغ، الخارج هو الآخر زعيما فوق العادة من مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الأخير الذي أنهى أعماله في 22 أكتوبر.

والظاهر أن المضامين الغامضة لمحادثات الرجلين، في 15 نونبر في بالي، قادت إلى خروج بيان التوافق عن قمة العشرين، وقادت أيضا إلى هذه «التعويذة» التبريدية التي أصابت زعماء الأطلسي بسحرها، بما في ذلك رئيس بولندا، فلم يروا جميعا في الاعتداء الصاروخي على دولة عضو في حلف الناتو، إلا حادثا عرضيا يندرج في سياقات القضاء والقدر.

لا يعني ذلك أن انتهاء الحرب بات قريبا. لم يصدر عن روسيا ما يشجع على ذلك، كما لا توحي الميزانيات المرصودة في الولايات المتحدة وأوروبا لدعم أوكرانيا، بأن الأمور ذاهبة بهذا الاتجاه. فحتى حين تحدث رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال مارك ميلي، عن «نافذة تسوية» مع روسيا في الشتاء، سارع البيت الأبيض إلى طمأنة كييف عن دفعات أسلحة قادمة.

ولئن ما زال من المبكر أن نرصد ما خرج به الاجتماع الروسي الأمريكي المخابراتي في أنقرة، وأن نستنتج أعراض أي تحولات في خطابي الصين والولايات المتحدة، بشأن تلك الحرب بعد لقاء زعيمي البلدين، غير أن «مشهد» صاروخ بولندا، قد يكون واجهة للعرض الكامل الذي قد يشهده «مسرح» الأحداث حول أوكرانيا.

وما يمكن الوثوق به من بالي إلى وارسو، مرورا بأنقرة والعواصم الكبرى، أن الدول الكبرى ممسكة بعناية بمسار الأمور، ولن تسمح بالانحراف نحو «صُدف» قد تتسبب بحرب عالمية كبرى.

ولئن بدا أن المشهد الدولي يتحول باتجاه الاعتراف بتعددية لا مجال لتجاهلها، ويُبرز تلك الحاجة المشتركة إلى الإقرار بموقع ودور كل دولة من دول مجموعة العشرين في توفير استقرار العالم الأمني والغذائي والطاقوي، فإن اللياقة والرشاقة التي أظهرتهما الدول المعنية بالصراع الأوكراني تعكسان نمطا مشتركا في إبقاء ذلك الصراع تحت سقف النظام الدولي الراهن وقواعده.

في بالي أجمع «العشرون» على أن «النزاع يقوض الاقتصاد الدولي». أهدت روسيا العالم تمديدا لاتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية. لكن شيئا ما قد تغير بحيث باتت موسكو تأخذ على كييف رفضها الذهاب إلى التفاوض، وانتهى زيلينسكي إلى رواية أخرى بشأن «صاروخ بولندا» يقول فيها: «لا أعرف ماذا حدث».

 

نافذة:

ما يمكن الوثوق به من بالي إلى وارسو مرورا بأنقرة والعواصم الكبرى أن الدول الكبرى ممسكة بعناية بمسار الأمور ولن تسمح بالانحراف نحو «صُدف» قد تتسبب بحرب عالمية كبرى

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى