شوف تشوف

الرأي

«شيخة» روسية

شامة

 

انهالت التعليقات على مقطع فيديو انتشر بقوة على «يوتيوب المغرب»، داعيا لمشاهدة فتاة روسية ترقص مع «الشيخات المغربيات».

ضغطت على زر المشاهدة، ولم أتوقف أمام المقطع كثيرا، وترحمت على والدي الذي لم يمنعه انحداره من مدينة وزان من الافتتان بـ«الشيخات» وعالمهن.

الفتاة الروسية كانت جميلة، ذات شعر أشقر طويل، وعينين خضراوين واسعتين وقوام ممشوق. كانت الفتاة تحمل في جسدها ووجهها كل ما لا يجعلها «شيخة مغربية».

فـ«الشيخة المغربية»، كما اعتدنا أن تطالعنا، تكون فارعة الطول، وكانت الفتاة كذلك، لكنها لم تكن ممتلئة بما يكفي لتكون «شيخة بطعم مغربي»، لم يكن شعرها أسود كثيفا مجعدا، بل حتى لم يكن شعرها الأسود مشقرا بأصباغ رخيصة فشلت في جعله أشقر طبيعيا.

الفتاة الروسية فشلت في أن تكون «شيخة مغربية»، فلون بشرتها السمراء كان مزيفا يفضح لون بشرتها الأشقر، في حين أن بشرة «شيخات المغرب» تكون شمس البادية التي تتحدر منها أغلبهن قد لفحته فبات مسمرا، وحتى الشقراوات منهن تسمر بشرتهن بلون السهر والسمر والدخان. سمرة «شيخات المغرب» سمرة خلفها تقبع شمس قوية أو تعب أقوى، أما فتاة روسيا فكانت سمرتها سمرة بذخ، والبذخ لا تأتي منه «شيخات المغرب»، وقلة منهن يرفلن فيه إن أصابهن سهم الحظ، وكثيرات منهن يرحل عنهن الحظ، فيرحل معه النعيم، وتظل فقط سمرة الماضي الجميل.

قالت «الشيخة الروسية»، في تصريح لها، إنها أستاذة رقص، وأحبت أن تتعلم رقص «الشيخات»، وتخوض تجربة الرقص معهن، فانضمت إلى مطرب شعبي في إحدى حفلات الأعراس المغربي، وانتشر مقطع الفيديو لها وهي تمسك بـ«الطعريجة»، وتتمايل على إيقاعات مغربية شعبية، وحتى في تمايلها ذاك فشلت في تقليد تمايل «الشيخة المغربية».

فـ«الشيخة» لا تتمايل، بل تتخذ وقفة حصان جامح، يصهل صهلة واحدة، قبل أن ينطلق راكضا في الأرجاء، يحرك رأسه من الأعلى إلى الأسفل، ومن الأسفل إلى الأعلى، وهو يضرب بقوائمه على الأرض.

«الشيخة» لا تتمايل، بل «تتشيخ» فريقا من النساء والرجال، تنظر بقوة في عيني اللاهثين، وترميهم بنظرة ازدراء، تتركهم قتلى لجموحها وقسوتها، تستهزئ بهم وتتجاهل تواجدهم، فتنطلق راقصة وهي ترفع رأسها.

«الشيخة» لا ترقص.. بل تتحدى قيود المجتمع، تقود فريقا، تقف وسط مجموعة، أمام غرباء، تلفت انتباههم، تشد اهتمامهم، تفضح بجرأتها رغباتهم المكبوتة في مجتمع يدعي أنه ينشد الطهارة.. ترميهم بنظرة التي كشفت ضعفهم، فتقف أمامهم شاهرة جسدها وهي تعلم أنهم لن يقربوه، فلا أحد سيقترب من حصان جمح، بدون فارس قوي يلجمه، وقد يكون حزن «الشيخة» على غياب هذا الفارس هو ما يجعلها تحرر شعرها الأسود الطويل، وتطلق عنانه، لعل في هزاته تصل صرخاتها وأنينها من رجال لا فارس بينهم.

«الشيخة» الروسية فشلت فشلا ذريعا، ليس فقط في تقليد رقص «الشيخة المغربية»، بل في فهم أن الأخيرة ليست جسدا يرقص، بل هي حصان جامح يصهل غضبا من شوق لفارس غاب، فبات غيابه جرحا غائرا في جسد «الشيخة»، لا يطيب إلا إن رقصت.

وذكرت الفتاة الروسية، في تصريحها ذاك، أنها تلقت إعجابا كبيرا من «الجمهور المغربي». الفتاة لا تعرف أن هذا الجمهور المغربي الذي تتحدث عنه هو نفسه الجمهور الذي يتابع عرض «الشيخات» بلهفة، وينتقدهن في الوقت نفسه، يتتبعهن أينما كن، لا يحلو له المجون والسمر إلا بحضرتهن، يصاحبهن، ولا يشبع غرائزه إلا طيبهن، ومع ذلك يهاجمهن، ويعتبرهن مجرد بائعات هوى يحملن لقب «فنانات»، بل حتى «الشيخات» أنفسهن، أو لنقل «شيخات اليوم»، بدأن يسقطن فريسة هذه الصورة، ولا يرين في أنفسهن سوى مجبرات على بيع صوتهن كـ«شيخات»، بدل بيع أجسادهن كبائعات هوى.

«شيخة» الأمس كانت «قائدة»، أو بتعبير الأمريكان «LEADER»، تتحدى أهلها والمجتمع ليعلو صوتها شدوا. «الشيخة» هي شاعرة أولا قبل أن تكون راقصة، هي الصوت الذي كان يستأجره الرجل، والضعيف والمظلوم، ليحتج على كل ذي سلطان، «الشيخة» كانت هي مذياع الاحتجاج، مكتب الشكوى، قبل أن تكون مجرد شكل جميل يرقص.

«شيخة اليوم» لا تعرف من هي «الشيخة»، تعتقد أنها مجرد مؤخرة كبيرة ترقص على كلمات بذيئة، تحلم بجمع الكثير من المال الذي يكفيها، ويكفي توبتها بعدما يهجم عليها الزمن، وترحل عنها الأعين اللاهثة إلى مؤخرة أكبر، وجسد أكثر إغراء، في حين أن «شيخة الأمس»، حتى إن شاخت، تبقى كلماتها، وصوتها وعيوطها راسخة في الأرواح، فلا أحد ينسى حصانا جامحا يصهل، لكن قلة سيتذكرون مؤخرة كبيرة تتراقص.

سمعت مقطعا من لقاء مع المسماة «الشيخة تسونامي»، تقول فيه إن والدها لو كان حيا ربما ما كانت لتكون «شيخة»، وإن وفاة الأب دفعتها إلى «تاشياخت» لكي تعيل أهلها، وإنها كانت تريد أن تكون شخصا يمتهن مهنة أخرى غير «تاشياخت»، وإن المجتمع المغربي ينظر بنظرة سوء إلى «الشيخة»، وإن لا حيلة لها في الأمر لأن هذا هو «طرف لخبز ديالها».

قالت «تسونامي» كل ما يجعلها مثل «الشيخة الروسية»، مجرد جسد يرقص، يلزمه الكثير حتى يحصل عن جدارة على لقب «شيخة». فـ«الشيخة» هي من تحدت أهلها لتكون «شيخة». هي التي تحدت المجتمع الذي يرى أن المرأة الصالحة هي التي تقبع في البيت، فخرجت هي إلى الشارع، تحدت المجتمع الذي يرى في صوت المرأة عورة فشدت و«عيطت» وأطربت. «الشيخة» هي التي ضحت بكل شيء لتكون «شيخة»، وواصلت حياتها وهي «شيخة»، وربت أبناءها وهم يحترمون «الشيخة»، وماتت وهي فخورة بأنها «شيخة»، ومن «الشيخات» من هن مثل فاطنة بنت الحسين، التي ماتت أياما بعدما أقعدها المرض عن «تاشياخت».

«الشيخة الروسية» مثلها مثل «الشيخة تسونامي»، مجرد نسخة ممسوخة عن «الشيخة المغربية»، الشاعرة، القائدة، الحصان الجامح بحثا عن فارس لاجم، لا جسد مزيف يرقص بدون بوصلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى