شوف تشوف

الرأي

شغب القمصان

لشغب ملاعب الكرة عدة أوجه كالمنافق، والاستفزاز في عالم الكرة لا يتم بقنطرة صغيرة أو هدف أونطولوجي، بل يمتد إلى رسومات وكتابات في الجسد وفي الحيطان وعلى القمصان، وأحيانا يندلع بين مناصري الفرق بإشارة أو سلوك مستفز يكون له وقع رصاص مسدس كاتم للصوت.
بعد تسجيله لهدف من ركلة جزاء، لفريقه الفتح ضد الرجاء، اختار اللاعب رضى الهجهوج استفزاز الرجاويين حين كشف أمام الكاميرات عن قميص فصيل ودادي وعليه عبارة «فدائيو الوداد». كانت الرسالة واضحة، فقد كانت الغاية إفساد فرحة الرجاويين رغم أنه أغضب أنصار فريقه من حيث لا يدري لأن قدمه مع الفتح وقلبه مع الوداد.
تلقى رضى عبارات اللوم من إدارة الفتح الرباطي، وقبل أن يخلد للنوم كتب اعتذارا على صفحته في «إنستغرام» يعتذر فيها للفتحيين عن هذا السلوك، «أعدكم أنه لن يتكرر». قبل هذه الواقعة استفز الولد جماهير الرجاء حين كان لاعبا لأولمبيك خريبكة بإشارة زادت من احتقان الشارع البيضاوي.
نسي رضى أن سلوكه، الذي يتقاسمه لاعبون رجاويون آخرون هوايتهم استفزاز الخصوم خارج رقعة الملعب، مرفوض من طرف رئيس الفتح الذي يتحمل مسؤولية تخليق المشهد الكروي داخل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ومن مدرب الفتح الذي كان لاعبا في الرجاء وكان والده لاعبا ومدربا للوداد، ومن السلطات الأمنية التي تعتبره جمرة في فرن الاحتقان بين مشجعي الوداد والرجاء.
سيقبل الفتحيون اعتذار لاعبهم، لأن الاعتراف بالخطأ فضيلة، وستظل صورة اللاعب تجوب مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن يركب لاعب منافس صهوة الاستفزاز ويخترع مسحوقا آخر لتنظيف بقع الحزن في ثوب العلاقات بين فريقين يقتسمان قلوب ساكنة الدار البيضاء.
تستطيع إشارة مستفزة في مباراة لكرة القدم أن تعيد ترتيب أثاث العاصمة الاقتصادية على نحو آخر، وتزرع في شوارعها علامات تشوير تجعل المنع قاعدة والسماح استثناء، ولأن الرجاء والوداد تحولا إلى طوائف ومذاهب فإن كل الوزارات تصبح معنية بمباريات الفريقين، ابتداء بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي تستنفر خطباء الجمعة ليدسوا في خطبهم ما تيسر من تحذير، ضد مواجهات تزرع الفتن ليحصد الأهل المحن، وانتهاء بوزارة الداخلية التي تستعد لمباراة كرة أكثر من استعدادها لتجمع سياسي، لأن الوداد والرجاء يتفوقان على أعتد الأحزاب السياسية في الاستقطاب الجماهيري.
في ملاعب الكرة تستحم العبارات الساقطة في حوض الدناءة وحين تنتهي المواجهة ليلا ويعود المشجعون إلى هواتفهم الذكية لممارسة لعبة الاستفزاز، ومنهم من يجفف شتائم النهار بدعاء الاستغفار. لحسن الحظ أن كورونا فرضت علينا حظر التجول في المدرجات ومنعت الأنصار من الاقتراب من ملاعب تقطر استفزازا وتبعث أطوارها على الاحتقان.
ولاية أمن الدار البيضاء تعلم أن أغلب المعتقلين مدانون بتهمة العشق الأحمر أو الأخضر مع سبق الإصرار والترصد، ومنهم متهمون بالضرب والجرح وإحداث عاهات مستديمة في طبول مخصصة للتشجيع، كل المصابين يحجزون في قلوبهم، مساحة لعشق الوداد أو الرجاء، ومنهم ضحايا لا منتمون يؤدون فواتير الاجتياح.
يصر مناصرو الوداد والرجاء المعتمدون في الفيراج، على أن وجود عقاب يقضي بحرمانهم من «الزهو» الأسبوعي، فيمارسون في ظل الحجر الصحي غارات سجلت كثير منها ضد «مهبول».
في الوطن العربي، يمكن للزعيم أن يحل البرلمان ويجري انتخابات مبكرة، وحدها الكرة تظل خارج السيطرة، وقد يمل الزعيم فيحل الأحزاب ويعيد تلميعها، لكن أقصى ما يمكن أن يفعله في الكرة إجراء المباريات بدون جمهور.
لكن هناك في قنافذ الكرة كائن أملس، هناك لاعبون يلقحون الملاعب بلقاح الإنسانية، فقد حمل أشرف حكيمي قميص زميله الراحل محمد أبرهون، وارتدى لاعبو المغرب التطواني قمصانا فيها كلمة وداع لفقيدهم، كما حمل لاعبو الوداد صور الراحلين شاكر بن جلون وسعيد بوحاجب.
الشهامة كالأراضي السلالية لا تباع ولا تشترى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى