شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

شخصية المسيح

بقلم: خالص جلبي

 

 

أكتب هذه المقالة من كندا والحرب تأكل الأرواح في غزة، وهي الأرض التي بعث فيها المسيح برسالة السلام بين الأنام. ومن قبل كانت أوكرانيا. وحول الحرب ثمة ثلاثون قاعدة تشرحها، ويعتبر الفيلسوف هرقليطس أبو نظرية الحرب ومآلاتها. ولكن الحرب في عمومها تجمع الخطايا العظمى، أيا كان من يخوضها، فهي جنون في أولها، ودماء وموتى في وسطها، وندامة ودمار في نهايتها. يحصد منجل الموتى الآية معكوسة؛ فيدفن الآباء أبناءهم، بدل أن يدفن الأبناء آباءهم (الشارفين بتعبير المغاربة)، ويتعجب المرء كما قال فولتير يوما يتم العناية بالإنسان طفلا، حتى إذا استوى شبابا تحصده طلقة. كما أن من يخوضها يمكن أن يشعل فتيلها في أيام، كما حصل مع الحرب العالمية الأولى، ولكن نهايتها كانت وبالا كما نعرف نهاية دولتين من أقوى دول الأرض، الإمبراطورية العثمانية وإمبراطورية النمسا وهنغاريا هلكتا، هل تسمع لهم ركزا؟ كما جاء في آخر سورة «مريم» (وكم أهلكنا من قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا).

في العادة لا يقرأ مسلم الإنجيل، وأنا كسرت هذه القاعدة وليست الوحيدة، فاطلعت على معظم ثقافات الأرض، بما فيها مدارس الإلحاد والشعوذة والطب البديل والعلاج بالطاقة بدون طاقة. ومن يقرأ الإنجيل يكتشف نفسه في عالم مليء بالقصص المشوقة والأمثال المعبرة والنور الإلهي، كما جاء في تعبير القرآن في وصف المسيح «وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين». بل ومخاطبة صارمة لهم أن يقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم. وأنه لا قيمة لأي عمل حتى يقيموا التوراة والإنجيل (وما أنزل إليكم من ربكم ـ «المائدة»، الآية: 68).

وهذا المرض متبادل، ومنه يقول القرآن إن هذه التهمة تقاذفت بها اليهود والنصارى، ليقول كل فريق عن الآخر إنه ضال للطريق، «وقالت اليهود ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء»، وكلمة شيء تعني أي قدر من الحقيقة، بل والزعم أنهم أبناء الله وأحباؤه، ليكون الجواب: فلم يعذبكم بذنوبكم وأخطائكم، فالمرء يدفع ثمن أخطائه، وليس ثمة محاباة ورشوة ووساطة.

ويمكن أن نضيف إليها في هذا الصدد، وقال المسلمون ليس اليهود ولا النصارى على شيء، ليأتي الحكم على الجميع وطرائق تفكيرهم في آخر الصفحة من سورة «البقرة»، أن هذا دأب من لا يعلم، وأن زاوية الرؤية موحدة (تشابهت قلوبهم ـ «البقرة»، الآية: 118).

ومنه جاء الحديث ليشرح طرائق التفكير الموحدة، أنه سيصيب المسلمين ما أصاب غيرهم ممن سبقهم من الأمم «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن إذا؟

ومع كل سلامية المسيح عليه السلام فإننا نرى بعض النصوص الإنجيلية في غاية الشدة والحدة في مواجهة القيادة اليهودية، التي تقود المجتمع وتوجهه: «أيتها الحيات أولاد الأفاعي الويل لكم يوم الدينونة». أو: «أيها القادة العميان إنكم كالقبور من خارج مطلي أبيض ومن داخل نجاسات وعظام أموات». وحول مشكلة اصطياد الأتباع والدراويش كان يصف (القادة) العميان بأنهم يجوبون السهل والجبل ليصطادوا أحد المغفلين، فيجعلونه ابنا لجهنم مضاعفا. وكان ينصح الحواريين بالانتباه إلى رجال الدين الذين يعرِّضون عصائبهم وعمائمهم ويحبون المتكأ الأول في الولائم، وأن يناديهم الناس سيدي فقال: «جلس الكتبة والفريسيون على كرسي موسى فكل ما قالوا لكم افعلوه فافعلوه، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا». وهذا المرض ليس مسيحيا أو يهوديا، بل ثقافي يصيب أهل أي ملة ونحلة، وينطبق على كل الدعوات والأديان. وقد خلت من قبلهم المثلات. وفي الحديث أن المسلمين سوف يتفرقون بأكثر من اليهود والنصارى بثلاث وسبعين فرقة، وهناك من عبد عليا، أو الحاكم بأمر الله الفاطمي. وأوصانا القرآن أن لا يسخر قوم من قوم فعسى أن يكونوا خيرا منهم. ومن الضروري أن نعرف شيئا عن ظروف مجيء المسيح عليه السلام، فقد واجه مجتمعا غارقا في الطقوس والتمسك بحرفية النصوص ومتدين بطريقة مقلوبة، ومحمد صلى الله عليه وسلم جاء في وسط قوم غير متدينين يعشقون الحرية والمتعة، وهذا يعني أن المسيح جاء في وسط أقرب إلى ما نحن فيه. ومحمد (ص) في وسط أقرب إلى الأمريكيين (الحاليين القرن 20 – 21). ومنه نفهم أن كل رسول واجه مشكلة مختلفة؛ فموسى واجه الطغيان السياسي كما هو الحال في الغابة العربية اليوم، في حين أن لوط كان يواجه تورط مجتمع بأكمله في الشذوذ الجنسي، وشعيب الفوضى الاقتصادية.

أما المسيح فقد بعث بين ظهراني قوم متشددين نصوصيين، كما هو الحال في بعض أوساط التشدد الإسلامي كما رأيتها أنا في منطقة القصيم من السعودية. ويبقى سليمان (عليه السلام) في الصورة الإمبراطورية الذي يريد أن يذبح الهدهد ويخرج الناس من بيوتهم أذلة وهم صاغرون، كما وصفه القرآن، مقابل المرأة السلامية التي طوقت التوتر العسكري بحكمة يمانية فقالت وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين. تأمل الكلمة من هذه المرأة الحكيمة (مع) وليس لسليمان، فهذا الحلف هو لنشر العدل في العالم.

 

نافذة:

من الضروري أن نعرف شيئا عن ظروف مجيء المسيح عليه السلام فقد واجه مجتمعا غارقا في الطقوس والتمسك بحرفية النصوص ومتدين بطريقة مقلوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى