شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

شبكة من الفوضى..

 

مقالات ذات صلة

يونس جنوحي

 

لا بد أن يتدخل أحد ما في وزارة الصحة، لكي يضع حدا لتحويل صحة المغاربة إلى أصل تجاري. صارت الأدوية، مجهولة المصدر، تُباع «أونلاين»، وبمكالمة واحدة تصلك إلى عتبة الباب، وفوقها حبة حلاوة.

اشتر مرهما لآلام المفاصل، وتحصل على مرهم لآلام الظهر مجانا.

لم يعد أمر هذه الأدوية محصورا في الأسواق الشعبية، بل أصبحت تباع في المنصات التي يتابعها المغاربة اليوم أكثر مما يتابعون قنوات التلفزيون العمومي. أي أن الأمر يتعلق بتعميم إشهار لمواد مجهولة المصدر، والمكونات، على أكثر الواجهات الإشهارية مشاهدة في البلاد، وإلى حد الآن لم يتحرك أحد لوقف هذه المهازل.

نحتاج فعلا إلى سن قوانين جديدة تتعلق بالإشهار، ومعاقبة المخالفين لها. لا يُعقل أن شركة أجنبية تربح ملايين الدولارات من وراء الترويج لمنتجات مغربية في السوق المغربية، دون أن تستثمر هذه الشركة درهما واحدا داخل المغرب.

جل الدول تعاني حاليا من تغول هذه الشركات وهيمنتها على سوق الإشهار في العالم. والمستثمرون الذين ينفقون أموالهم على تمويل حملات إشهارية من هذا النوع، غالبا ما يُدركون أنهم يبددون أموالهم كمن يلقي دراهمه في بحر متقلب الأمواج.

شركات السياحة الأجنبية التي تعمم إشهارات على منطقة المغرب، تنفق سنويا ملايين الدولارات. وهذه الملايين تذهب إلى حسابات الشركة الأمريكية التي تتحكم في منصة الفيديو، بينما يطالع ملايين المغاربة الذين لا يخططون أبدا للسفر في هذه الفترة، دعايات وحملات إعلانية تشجعهم على الحجز في دول ليست أصلا في قائمة الوجهات التي يتردد عليها المغاربة.

برزت أخيرا شركات دولية متخصصة في الإشهار الموجه، وتعمل وفق نظام خاص يتمثل في التحكم في شبكات الانخراط الشهري في الإنترنت. هذه الشركات تتيح الولوج المجاني للإنترنت حول العالم، لكنها بالمقابل تفرض على المستفيد مشاهدة إشهارات، قبل الولوج إلى الإنترنت المجاني. وتتحكم هذه الشركات في شبكة الإنترنت في المناطق التي يوجد فيها مثلا طلبة جامعيون، وتقترح مجموعة من الإشهارات التي تهم الطلبة. وتتحكم في شبكة إنترنت نوادي الترفيه التي يقصدها الأثرياء، وتبث فيها إشهارات لشركات السيارات وعروض المنتجعات السياحية، وتوجه كل إشهار إلى الفئة التي تهتم به.

وما يميز هذه الشركات، أنها لا تبث أبدا محتوى غير دقيق مثل إشهارات علاج حب الشباب ومشاكل الشيخوخة وأمراض الكبد والكلى. وجدير بالذكر أن شركة مغربية تنشط في هذا النوع من تقديم الخدمات، تفوقت على شركات عريقة في آسيا وفازت، قبل سنوات، بصفقة التحكم في شبكة إنترنت مطار جاكارتا الدولي، أحد أكثر المطارات نشاطا في العالم.

لماذا لا نرى شركات مغربية لتنظيم الإشهار، بدل هذه الفوضى التي تحول تصفح الإنترنت في المغرب إلى معضلة حقيقية؟ إذ للوصول إلى مقال في صحيفة إلكترونية، يتوجب على القارئ أن يغلق إشهارات للمشاكل الجنسية المحرجة، ودعايات الحصول على الجنسية الأمريكية «من المنزل»، دون الذهاب إلى أي سفارة.

لا يمكن نهائيا تقبل مسألة تعميم محتوى يستهدف صحة المغاربة في وضح النهار. تخيلوا كم المغاربة الذين يعانون من الأمراض المزمنة، والمستعدون نفسيا لتجربة أي منتج يعدهم بالقضاء النهائي على معاناتهم مع المرض.. لا يمكن السماح بالاستثمار في أمل المغاربة في الشفاء، لكي يباع لهم الوهم على الطريقة الأكثر حداثة في العالم. وقديما قيل إن الشبكة الممزقة ومتداخلة الأطراف لا تمسك السمك، وغالبا ما تنتهي مطوقة لأرجل الصيادين أنفسهم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى