شوف تشوف

الرأي

شاعر مأجور

هناك اختلاف كبير بيننا، في كل شيء تقريبا، هي جميلة وفاتنة كذَّبت ما يقال عنهن من سمنة وبشاعة ورجعية. وجهها ملائكي تتخلله مسحة جذابة، وعينان شبيهتان بتلك التي وصفها عنترة في قصائده. ثغر بقياس الفراولة وبجاذبيتها. قامة شهية ومثيرة بأنوثتها الفارعة. كلها عسل على سمن. تتحدر من أسرة ميسورة بل فاحشة الثراء، ولا تعرف أدنى فكرة عن الحاجة إلى ثمن كسرة الخبز. أما أنا فأخجل من الحديث عن عوزي، وهيئتي تنطق بلسان حالي، تقول كل شيء عن خلقتي دون أن أكلف نفسي الحديث. أما عن الوسامة، فلا أمت لها بصلة، ولو كنت جذابا لسحرتها وغرقتُ في دولاراتها حتى أختنق بالربو أو ما شابه. لا أدري لمَ يصاب الميسورون بأم الأمراض وأخبثها، وتجد فقيرا لا يركب سيارات فخمة ولا يختا ولا يتناول جمالا مشوية ولا خرافا مبخرة عدا الخبز والشاي والقطاني ويدخن السجائر الرخيصة وبصحة جيدة؟ ربما لكل شيء ثمنه. الغني يضحي بالصحة وهذه الأخيرة تتنكر للغني.
وبالنسبة لي، فأنا أجدها مميزة جدا في عصر المظاهر. ولا أخفي سرا، فلو طلبت مني الزواج لقبلت بسرعة البرق ومددت لها خنصري لتركب الخاتم قبل أن يرتد لها طرف، رغم أنها تكبرني بخمس عشرة سنة. فلا يهم. فالفقر يغشي العيون. وعلاوة على ذلك، النساء يتشابهن في الظلام. وأنا أحب نساء الظلام. وأحب الستر. وهناك هواجس تخامرني في الظلام، وتنصحني شياطينها بالمكر، تقول لي عندما تطبق عليها بكفيك وتضمن خزينتها الفائضة، آنئذ يمكنك البحث عما يرضي ذوقك، فالمال يشتري كل شيء، إلا الصحة. الأصعب في المرحلة الأولى هو كيفية الإطباق عليها بين الكفين. فموضة العصر أن النسوة هن اللواتي أصبحن يتساقطن كالذباب وهن اللواتي أصبحن يطلبن الرجال للزواج، وبات الرجل يشترط جملة أشياء غريبة قبل القران، ولم يعد يأبه للمسكينات والعاطلات حتى ولو كنّ لؤلؤا إيطاليا؛ أولا أن تكون موظفة، ولديها سيارة وشقة، وألا تكون تنفق على أهلها، فالعريس يريد عائلة يستند عليها لا أن تستند عليه، وعلاوة على كل هذا تكون الزوجة نشيطة وليست خاملة، فنانة تثقن طهي الوجبات الشهية التقليدية والعصرية، يعني تكون حاصلة على شهادة الدكتوراه في الطبخ وتكون قادرة على أعباء المنزل؛ من تنظيف وشطف وديكور. كما يشترط التصرف في أجرة الزوجة، أي هي تعمل وهو ينقد. كما تعتبر من لها سوابق عاطفية ملغاة، يجب ألا تكون قد تأبطت ذراع أي رجل ورافقته إلى ضفة النهر أو إلى البحر أو الحدائق الكثيفة، ولا تعرف أي شيء عن عالم المقاهي والمطاعم، ولم تجرب الجلسة الحميمة مع الحبيب وتناول العصير والسفر في أوهام الأحلام، وفوق كل هذا تكون جميلة.
شرعت بين الفينة والأخرى أكتب أشعارا تتغنى بجمالها الخمسيني، بدون أن أتجرأ كثيرا، لعلي أؤثر في نياط قلبها وتحبني من خلال أشعاري المراهقة. هل كل من يحب وينشد شعرا مراهق؟ لست أدري. لكنها لم تبالِ، ولم تؤجج أشعاري سواكنها، وأنا أكتب لها قصيدة من أعماق القلب كل يوم حتى بدا لي أنني صرت أحبها، وأصبحتْ كل همي وشغلي الأوحد، وعلي أن أقصف قلبها وآتي بها خاضعة أو شامخة لتعترف بحبها لي وإعجابها بكتاباتي التي قالت عنها إنها رائعة وصنفتها في خانة الشعر، أما أنا فكنت أعتبرها هواجس مضطربة أو خواطر جائعة ونصابة.
أكتب بلا سأم ولا ملل وأرسل في صندوق بريدها الإلكتروني، مدعيا طلب التشجيع وإبداء الرأي في قصائدي المرتجلة والتي ألفتها وأنا محموم قبل أن أنام، والتي أنتقي كلماتها القاصفة بعناية وألعب بحيلي على قاموس العواطف. ويوم وجدتها قد كتبت لي عبارة عامية ردا على ما أرسلته لها كدت أطير من الغبطة، وفكرت في كثير من الأوهام. وبتُّ أنتظر اللحظة التي ستقول لي فيها إنها أحبتني وتلخص عني أشياء أخرى.
وفي الوقت الذي كنت أنتظر ردا يعصف بي إلى دنيا النجوم، وأحلق في الشارع مبتسما وفرحا أداعب هذا وأمزح مع ذاك وأهمس لهذه، كما أشاهد في الأفلام، تلقيت عبارة وقحة أربكتني. هكذا حسبتها في الأول، لكن سرعان ما تأقلمت معها بعدما فكرت فيها مليا، وأنا أقرؤها للمرة الألف «ما رأيك في أن تبيع لي أشعارك؟». أشعاري؟ هل أنا أصبحت شاعرا بدون علم أحد؟ شاعر ومضطر لبيع أشعاري؟ مهلا، كلا، لست شاعرا سيدتي بل أنا تاجر، أتاجر في الهلوسات والهواجس والأحلام.
استسلمت ويدي فوق رأسي. وما عساي أفعل..؟ أن أبيع ما أكتبه، فهذه حظوة مهمة وخطوة ناجحة، في الوقت الذي يشقى مشاهير الكتاب بالدعاية والزبونية والزمالة بخلفيتها السيئة واللطيفة، وينفقون أموالا من أجل النشر، في زمن لا يقرأ المجتمع سوى ورقة الكهرباء. سأبيع هواجسي بلا حنين، فيم ستنفعني لو احتفظت بها، حتى ولو نشرتها في الجرائد باسمي؟
لمَ طلبت أشعاري ولم تطلبني؟ لمَ خيبت آمالي؟ لم أكن أنتظر منها هذه الخيبة التي تشبه دورة الزمن الماكرة. لمَ رفضتني؟ هل تواعد حبيبا وأنا أبحر في الأوهام؟ أم أني لم أملأ عينيها؟
اتفقنا وبدون أي شروط. أ إلى هذا الحد أصبحت الكتابة رخيصة؟! وبدأت تطالب بقصيدة في كل يوم. كما لو كنت مأجورا لدى جريدة. وأحيانا تغضب وتصرخ بكلماتها المحلية، عندما لا تروقها القصيدة فتطالب بأخرى. وأنا أرى أمطار الإعجاب تتهاطل على صفحتها الخاصة بالأنترنيت. وأنا لا أحسدها أو أكيل لها حقدا لأنها تشتهر بأشعاري، لقد أخذت أجري وما عادت تعنيني تلك الأشعار، فقط، بقيت أفكر في الفروق بيننا، فأنا لما نشرت القصائد قبل أن أقبل بصفقة البيع لم تحصد أي إعجاب. هل لأنها أنثى؟ هل لأنها خليجية غنية؟ هل تشتري حتى بصمات الإعجاب؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى