«سونتر دابيل»
عند مدخل البناية الكل يتكلم لغة العمل: الفرنسية و«بالتفرنيس»، فالابتسام مطلوب لأداء عمل جيد ولإعطاء انطباع إيجابي للزبون. وإذا كان النطق والتكلم بـ«طلاقة» بلغة موليير شرطا ضروريا لولوج مركز الاستقبال، فإنه غير كاف للعمل فيه، إذ يجب أن يكون المرشح قادرا على التأقلم مع طبيعة العمل وتحمل الإرهاق وضغط الأعصاب لخدمة الزبائن المختلفة أمزجتهم وطبائعهم. في إحدى الدورات التكوينية أشارت المؤطرة الفرنسية إلى أنه «عدا الطائرات والسلاح والبشر نبيع كل شيء..»، فقط يجب اختيار اسم غربي لاستعماله عند الحديث مع الزبون. ولأن المهم هو العمل والمردودية وإرضاء الزبائن لمضاعفة الأرباح التي تعد بالملايين في الدقيقة الواحدة، يُمنع منعا كليا إزعاج الزملاء والتدخل في طريقة لباسهم، وإن كانوا من ذوي الميولات المثلية، حيث يمكن للمثلي أن يشتغل بسرواله الضيق وبمساحيق الزينة على وجهه دون أن يتعرض لأي إزعاج.
بأحد مراكز الاتصال المشهورة بالرباط هناك قصص حب بين العاملين انتهت بتكوين أسر؛ وفي السنوات الأخيرة، ولتسهيل مأمورية العاملين المتزوجين وتشجيعهم على أداء عمل جيد والبقاء في المؤسسة، أنشأت هذه الأخيرة في مدخل البناية روضا للأطفال ليستطيع الآباء اصطحاب أبنائهم والاطمئنان عليهم، مقابل مساهمة نقدية بسيطة، في حين يتكلف المركز بباقي المصاريف. وللراغبين في أداء الصلاة، يوفر المركز مسجدا صغيرا، كما يوفر فضاء للمدخنين ولاحتساء القهوة في وقت الاستراحة، بالإضافة إلى مطعم يقدم وجبات مختلفة بأثمنة مناسبة، وإن كانت ليست في متناول الجميع، حيث يفضل كثير من العاملين إحضار الطعام من المنزل أو تناول وجبات خفيفة عند بقال الحي لتوفير المصروف…
المدة التي قضيتها بأحد المراكز كانت كافية لمعرفة طبيعة العمل وظروفه، فبغض النظر عن الإرهاق والتعب بسبب الضغط، هناك طرائف مضحكة تحدث للعاملين.. مثل حكاية الفرنسي الذي اتصل بالإرشادات يطلب مساعدة غريبة: «ألـو.. أرجوك سيدي، ساعدني، في هذه اللحظة التي أكلمك فيها أرى زوجتي في أسفل العمارة مع عشيقها في سيارته، إنها تقبله وتداعبه.. ولا أعرف ماذا يجب علي فعله». بنبرة هادئة أجابه مستقبل المكالمة وهو يكتم ضحكة: «اهدأ سيدي، سنجد الحل لمشكلتك سويا، أصغي إلي جيدا: إن كانت النافذة التي ترى منها زوجتك مفتوحة أغلقها وابتعد عنها، وأغلق جميع النوافذ..». «أغلقتها.. شكرا، والآن ماذا أفعل؟». «اذهب إلى الصالون وتمدد على الأريكة، حاول الاسترخاء، خذ نفسا عميقا وانتظر دخول زوجتك إلى البيت». «ألـو.. ألـو..» انقطع الخط.
«صوفي»- اسم مستعارـ هي مضيفة مغربية شابة مرحة نشيطة تم تكليفها ببيع تذاكر اليانصيب وكان ذلك في شهر رمضان، فوقعت صدفة على مواطن فرنسي، حاولت بكل الطرق الحرفية إقناعه بشراء تذاكر القمار، لكن دون جدوى، لقد كان من أصل مغربي وهو صائم. انتهت المكالمة بقهقهات من كلا الطرفين دون أن يعرف الزبون المفترض أن المتصلة مثله مسلمة وصائمة.