شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

سوبر ماركت للمسيرين

حسن البصري

 

أغلق باب انتقالات اللاعبين، الذي يصطلح عليه بـ«الميركاتو» الشتوي، وشرع رؤساء الفرق المغربية في قراءة تداعيات التسوق كل حسب ما ملكت يداه، رغم أن الأزمة المالية ترخي بظلالها على محيط الكرة.

في عالم كرة القدم ضوابط تمكن الاستعانة بها لتخليق المشهد السياسي، والحد من فوضى الانتقالات من حزب إلى آخر، وتقنين عمليات تغيير الجلد التي تمليها عادة نوايا التجميل والتخسيس المصلحي.

الرجوع إلى دستور الكرة يمنحنا فرصة الحد من رياضة القفز بالزانة من هيئة سياسية إلى أخرى، والعمل بصفقات انتقال لا تكتمل إلا بجلوس طرفين حول مائدة الحوار، ووجود عقد انتقال ووسيط أشبه بالمأذون.

تلزم الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم الفرق الرياضية بتسديد ديونها وتمنعها من شراء اللاعبين وتسحب منها شيكات كانت تقدم على بياض، بينما ظلت زينب العدوي تطالب الأحزاب بتسديد ما بذمتها وتبرير نفقاتها دون جدوى.

تماما مثل ما يحدث في عالم كرة القدم، يحرص قلة من السياسيين على إحاطة صفقة انضمام سياسي آخر بالسرية التامة، على الأقل من باب «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان» ليس المثبت في الأذنين طبعا. لا فرق بين صفقة انضمام الوافد الجديد والصفقات التي تتم في عالم الكرة، هناك منافع متبادلة وأموال من تحت الطاولة ووسيط يستعجل التعاقد، الشيء الوحيد الذي يسقط من التعاقدات السياسية هو الاختبار البدني والطبي والتقني.

في دستور الكرة المغربية، يمنع على المدرب التعاقد مع فريقين أو أكثر في موسم رياضي واحد، فيما يشبه منع التعدد والدفع بأحادية الزواج الكروي، وإذا حصل أبغض الحلال إلى الله فإن المدرب يقضي ما تبقى من موسم الكرة هائما على وجهه أو محرما في القنوات التلفزيونية وفي مقاهي القرب، بينما اختارت فئة أخرى أن تلعب دور «جمع مذكر سالم».

لا فرق بين الكرة والسياسة، فالنفس هنا وهناك أمارة بالسوء، ساعية إلى تحقيق المكاسب والرؤساء يدخلون سوق الانتقالات الصيفية والشتوية بهاجس كسر شوكة الخصم، في ظل تآكل مواثيق الشرف.

يقول العارفون بشؤون الكرة إن دخول حمام «الميركاتو» ليس كالخروج منه، فمجرد جولة في السوق تشعل في دواخل البائع والمشتري رغبة التفاوض، فلا مجال هنا للقول المأثور «اللي ما شرا يتنزه»، سيما في ظل دخول مواقع البيع الإلكتروني على الخط ومنافسة الوكلاء في لقمة عيشهم.

للأمانة فإن كثيرا من الوسطاء عديمي الأخلاق، الذين لا فرق عندهم بين بيع لاعب وبيع سروال، يعمدون إلى تسمين اللاعبين قبل عرضهم للبيع، بالوصفة نفسها التي تحول حملا وديعا في هيئة سياسية إلى صقر من صقور المؤتمرات. وغالبا ما يقدمون علفا محشوا بمنشطات تجعل المعروض في قمة لياقته البدنية والسياسية، لكن أعراض التسمين الاصطناعي سرعان ما تظهر في أول اختبار.

ولأننا نعيش أجواء سجال سياسي أطاح بكثير من القيادات السياسية، فإن خصاصا رهيبا يتطلب انتدابات أخرى لاستبدال القيادات الرافضة للاعتزال تراعى فيها شروط الجدية والنزاهة والقدرة على تسجيل أهداف في مرمى التنمية، حتى لا يصبح الوافد الجديد مجرد لاعب يركل الكرة والآدميين كما يقول بيلي.

ما أحوجنا إلى «ميركاطو» قطاعي ينهي فوضى التسوق، والبيع المشاع في معارض الجماعات المحلية التي تعرض فيها الأواني البلاستيكية جنبا إلى جنب الشقق الاقتصادية، وما أحوجنا أيضا إلى آلية لوقف المد السلفي الذي غزا ميركاتو السياسة. فحين ينشط بطولتنا السلفيون ستتغير بنية المنافسات، وسيسمح البوليس لإلتراس السلفيين بإشعال البخور في المدرجات بدل الشهب النارية، وسيعفو المحللون الرياضيون عن لحيهم ويقضون وقتا طويلا في الاختلاف حول حكم الدين في الهجوم المرتد، وسنظل إلى يوم يستفيقون شعبا مغلوبا على أرضه وبين جمهوره.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى