شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرثقافة وفن

 سردية الموت والحياة في الأدب السّوري الراهن

 إعداد وتقديم: سعيد الباز

 

 

تواترت بشكل كبير الكتابات الأدبية المرتبطة بالحروب والنزاعات المستشرية عبر أرجاء العالم، خاصة في بعض المناطق من البلدان العربية. وتعتبر سوريا من أكثر البلدان العربية التي عانت من الاقتتال وأهوال الحرب المدمرة التي لم تكن فقط سببا في ما خلفته من ضحايا، بل أفضت إلى موجات متتابعة لهجرة أبنائها ونزوحهم فرارا من ويلاتها. في مقابل ذلك كان هذا الواقع المؤلم سببا آخر في انكباب كتّابها لأكثر من عقد من الزمن على الكتابة عن هذه الحرب وتسجيل وتوثيق مآسيها عبر أعمال روائية إبداعية، ويوميات وشهادات مختلفة غالبا ما يتم إدراجها وتصنيفها ضمن أدب الحرب.

 

خالد خليفة.. لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة

 

 

 

الروائي السوري الراحل خالد خليفة، الحائز على العديد من الجوائز العربية والعالمية، من أكثر الكتاب السوريين انشغالا بالحرب الدائرة في بلاده منذ اندلاع الثورة. في روايته «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة»، بسردها المتدفق وشخصياتها المتعددة الموسومة بمشاعر العار في لحظة خرجت السكاكين من مطابخ المدينة لتعيث تقتيلا في شوارعها وأرجائها، نصادف في أحد شخوصها «جان»، أستاذ اللغة الفرنسية العائد من سويسرا ليتفقد أمّه المريضة وبيت العائلة، ليأخذ نصيبه من العار الذي شمل البلاد برمتها، ويكتشف الحقيقة المرعبة التي يواجهها وطنه: «… لم يكن سهلا انتظاره التحقيق، لم يتأخر رقيب من المخابرات العسكرية في قرع بابه صباحا، اصطحبه إلى فرع السريان في سيارة قديمة، أجلسه في ممرّ بارد وطلب منه الانتظار، فكّر باستخدام جنسيته السويسرية، اضطربت دقّات قلبه، إلّا أنّه لم يكن خائفا، قضى نهاره كاملا في انتظار التحقيق، وقبل منتصف الليل بدقائق أخبره الرقيب نفسه بأنّ عليه العودة غدا في الثامنة صباحا. خرج من الفرع جائعا، وفي ساحة باب الفرج على بسطة شواء، تأمّل لأوّل مرّة حياة أخرى لا يعرفها في أحياء حلب الخلفية، حيث حياة آخر الليل الحافلة بسكارى ومدمنين وبدو باحثين عن عاهرات كذئاب جائعة.

سبعة أيام قضاها «جان» في ممرّات فرع الأمن العسكري، جعلته يكتشف بأنّ ما قالته «إيميلي» عن الحياة هنا حكايات تؤلّفها فتاة عزباء خيالها ضحل، لا تعرف شيئا عن سجناء سياسيين معلّقين بخطافات كخراف في مسلخ، ولا تعرف أيّ شيء عن خوف رجل يدّعي الشجاعة، ودون إرادة منه يفتح الصحف المحلّية ليمتدح مقالات محرّريها للحزب القائد والرئيس بعد جلوسه على سرير عسكري، وفُهّم أنّه لم يعتقل ويعذّب، لأنّ عمّه بائع المفروشات تدخّل بشكل سرّي وقدّم ثلاث غرف نوم من خشب الجوز لرئيس الفرع وضبّاطه، الذين اعتبروا التقارير التي كتبها زملاؤه عن شتمه الرئيس كيديّة، ووقّع على ورقة كتب فيها أنّه مؤمن بحكمة القائد ومعجب جدا بخطابه الأخير، ويحفظ فقرات كاملة منه عن ظهر قلب، قال الجمل الأخيرة بتهذيب كبير لا يمكن لأحد أن يكذبه.

وقّع على أوراق كثيرة تضمّ أسماء خالاته وعمّاته وأزواجهنّ وأعمامه وأقربائه، كما قام في لحظة خاطفة باختراع صلة قرابة مع عائلات مسيحية تعمل بالسمسرة في «تجارة» وأعمال رئيس الفرع وأولاده اللامتناهية، من «بيع» أخبار المعتقلين وزياراتهم، إلى الاستيلاء على أملاك الدولة وبيعها كمقاسم صالحة للبناء، كما فعل الرفيق فوّاز بالأرض المصممة كحديقة عامّة قرب منزلنا، اخترع سيرة متخيّلة لأسماء وأقرباء زوجته «كوليت» حين سُئل عنهم، لإغلاق الملف والسماح له بالعودة إلى منزله بعد محاضرة عن الوطن ومواصفات المواطن الشريف ارتجلها رئيس الفرع في اليوم السابع. هزّ «جان» رأسه موافقا على أقوال رئيس الفرع، وحين خرج من المبنى الكئيب، وصف هذه اللحظة بقمّة العار الذي بقي من أجله في هذه المدينة العتيقة، بدأ يراها متشابهة معه باستسلامها للعار المتجلّي بلوحات وشعارات ورموز علّقت على جدرانها، وتماثيل الرئيس القائد المنتشرة في ساحاتها».

 

عبد الله مكسور.. عائد إلى حلب

 

 

 

يقوم عبد الله مكسور، في روايته «عائد إلى حلب»، بعملية استقصاء لواقع اللاجئين في نقاط العبور الخطيرة تبدأ من لحظة اندلاع الثورة سنة 2011 متتبعة موجات المهاجرين ومعاناتهم بين مناطق النزاع العسكري في اتجاه المعابر المؤدية إلى خارج البلاد: «… في مواجهة الوطن أقف وحقيبتي الصغيرة ناظرا إلى الأفق البعيد، ثمّة قصص لم ترو بعد، ثمّة عائلات بلا مأوى، وأطفال بلا حليب، ورجال على طريق الموت بلا أدوية، في هذه البلاد حين يحضر الموت يهرب كلّ شيء، أشعر بضيق في التنفس، صدري يطبق على الحجاب الحاجز، فيكبس الرئة التي تكاد تخرج من ظهري، لاهثا مشدوها أمام مواجهة الموت مستعيدا في مخيلتي بعض المشاهد التي صوّرتها وأفرغتها في فيلم سينمائي قصير قبل قدومي إلى هنا. مرة أخرى، وربّما أخيرة، ما إن انتهت الصلاة حتّى صاح أحد الشبّان مكبرا، فبدأت الحشود تتجمع باتّجاه الشارع الذي دائما كنتُ أراه مكتظا لا يتسع لعشرات، ولكنّه في تلك المشاهد بات يتسع لآلاف وآلاف. على باب المسجد رأيتُ شبح الموت يجهّز نباله ليحصد وجوها جديدة ذلك اليوم. مشى القوم وكأنّ الشمس وعدتهم بأسماء جديدة، وألوان جديدة، وأعمار جديدة، والموت قادر على تمييزهم، سواء تلثموا أم لم يضعوا غطاء على وجوههم. وكأنّهم يقولون لشبح الموت أنت عبث لا نقيم لك وزنا أبدا. ويتقدمون وأصواتهم ترتفع إلى السماء قبلهم. أحاول أن أتخلّص من هذه المشاهد ولكن كيف السبيل وكلّ من حولي يهرب منها إلى اللّامكان، أهزّ راسي رافضا إيّاها وإذ بصورة عبد العزيز تقفز أمامي، لقد رافقني في رحلتي من حمص إلى حماه وجلسنا معا على ضفاف العاصي وأعطاني سيارة للعبور بها على الحاجز الكبير واستخرج لي هوية مدنية لأقدّمها كإثبات شخصيتي لمن يسأل عنها، على ضفاف العاصي اجتمعنا وها هو يعود إلى ذاكرتي بعد أشهر تقريبا من فراقنا الأخير، وصلني خبر موته عبر رسالة على الفيس بوك، كلمتان فقط، عبد العزيز استشهد، لا يهم الطريقة التي مات بها وبأيّ وقت رحل، أقبل الصلاة أم بعدها؟، أقبل الإفطار أم بعده؟ أكان معه أحد أم مات وحيدا؟، هل اعتقلوه وعذّبوه ثم قتلوه؟ كلّ تلك التفاصيل لا تهم أبدا فالثابت أمامي أنّه مات ولم يعطني فرصة لأقول له شكرا على كلّ شيء، ربّما لم يكن ينتظر أن أقولها له فهو نذر نفسه لله ولخدمة الناس كما قال لي مرّات عديدة، تفاصيل موته عرفتها في ما بعد فقد قتل بعد الإعلان عن معركة تحرير حماه، قتل بعد أن طلبوا من المجلس العسكري تزويدهم بكمية من الأسلحة لصد الهجوم المتوقع بين ليلة وضحاها، وحين قال ضابط كبير في المجلس إنّ القيادة لم تدرس تغطية جبهة بطل 72 كلم !! قرر أن يمضي برفقة بعض أصحابه ليهاجم الحاجز الرئيس في مدخل المدينة، فشل الهجوم ولقي حتفه، وبعد أيام وجدوا جثته متفسخة في مياه العاصي!!

لم أستطع الحضور في تشييعه، أن أبكيه، أن أصرخ بعالي الصوت فوق جثته الهامدة، أن أنتقم من كلّ قاتليه ومن تورط بموته، بينما ظل العاصي على هيبته بعد أن ابتلع كل تلك الدماء. عاش فقيرا ومات فقيرا ورحل على فقره… عندما رويتُ لناجي ما حدث لي في رحلتي الأولى قال تعليقا واحدا فقط:

«عندما تقيم في سوريا بعد عام 2011 يصبح الموت اعتياديا، فتشعر بملك الموت زائرا مقيما بين البشر، فيبني له بيتا ومنزلا ومضافة كبيرة، ويقوم بفحص الراكبين الجدد في حافلته كلّ يوم، يؤكد وجودهم ويحملهم على النهوض نحو حتفهم حملا ومن لا ينصاع فهناك قذيفة تأتي بعد تغيير مسارها لتجعله أحد حاملي التذاكر في الرحلة الأبدية».

 

مها حسن.. عِمْتِ صباحا أيتها الحرب

 

 

تصوّر الكاتبة السورية مها حسن، في روايتها «عمتِ صباحا أيتها الحرب»، الشتات السوري في مخيمات اللاجئين في تركيا وفي اليونان، ثم مغامرة الإبحار التي تشبه انتحارا اجتماعيا للانتقال إلى البلدان الأوروبية في مخيمات أخرى للاجئين، حيث تفتقد تلك الأسر السند الذي يقوي لحمتها العائلية التي تراه الروائية مجسدا في شيء واحد، هو البيت. تقول الرواية في هذا الصدد: «… البيت يعني سريرا وغطاء، والحلم بالنوم بين جدران آمنة، تحمي من البرد والخوف والمباغتة. البيت يعني أن تدخل إلى مكان مغلق، تقفل عليك بابه، فتشعر بطمأنينة السلام. هو السلام، الوقاية من الآخر، وعلى نقيضه اللا بيت، هو التواجد في احتمالية الخطر: هجوم ما من طرف ما، إنسان، حيوان، طبيعة…

سيكون حلم السوريين، بعد حلم طويل من الحرية والمساواة، والتحرر من الخوف، فقط: بيت! سيتنازل السوريون عن أحلام الأفكار الكبرى في العدالة والحق والحرية، وسيكتفون بحلم الأمان في مكان، يقيهم من الخوف. الخوف الغريزي الذي يشعر به المتشرد والمحروم من أمن البيت.

أمّا أنا، فسوف أقضي حياة طويلة مليئة بالبيوت، وأمتلك بيتا آمنا، جميلا وواسعا، أصادق داخله كائنا سحريا: كلبتي التي تقاسمني الأمان والسلام، ولكنني كلما أغمضت عينيّ، تخيلت أنّ معنى البيت لاصق هناك: في سورية، حيث بيتي الأول، وحيث حنيني الأزليّ.

… البيت الأول بمنزلة الحب الأول، يبقى الحامل القوي لكل المعاني المعادلة للبيت. كلما أشرقت الشمس في مطبخي الفرنسي، تسرّب خيال مطبخ بيت أهلي داخل مطبخي هنا: بروائح الثوم والبصل والزيت المقلي ودبس البندورة وعلب النعنع اليابس والكمون والكزبرة.. المطبخ السعيد كأحلام الأطفال، هو مطبخ أمي، والبيت السعيد هو ذلك البيت القديم الذي كنت أكرهه، حالمة بالخروج منه صوب الانفلات والحرية والضوء.

أنا لدي بيت هنا، لكن غرام البيوت ظل عالقا هناك.

من ليس لديه بيت يحلم ببيت له جدران، يضع عليها صور الطفولة، أو العائلة، أو الأم التي ماتت في الحرب، بيت يحمل رائحة الحماية».

تروي الكاتبة أيضا تفاصيل يوم سقوط حلب: «… لم أنم منذ عدّة ليالٍ، رأسي داخل الأخبار، تتمّ المساومة على المدنيين المحاصرين داخل حلب الغربية. الفصائل المتعددة تتحكّم بمصائر النساء والأطفال. اتفاقيات بين الروس والمعارضة في الداخل لإخراج المحاصرين، ينتظر الناس الفرح في الصباح، وتبدأ رحلات الإجلاء، تقوم فصائل ما (أحرار الشام وجبهة الشام) بإطلاق النار. يعدّ الروس أنّ المعارضة نقضت الاتفاق، تتوقف عملية الإجلاء، الناس يحلمون بالنجاة، لقد قبلوا بترك بيوتهم والخروج دون أيّ شيء سوى غريزة البقاء على قيد الحياة. نسمع صيحات الاستغاثة من الداخل: ناشطون وصحافيون ومدنيون: (طالبوا بوقف القصف، لا نريد سوى أن نعيش). أخبار عن إعدامات ميدانية. أبكي وحدي خلف جهاز الكمبيوتر وأنا عاجزة، أنقل الفيديوهات على صفحتي في الفيسبوك.

الأطباء يناشدون العالم لإنقاذ الجرحى. الجرحى مرميون في الشارع تحت البرد، يمضون الليل في الخارج، بانتظار حافلات تنقلهم إلى الريف الغربي، بحسب الاتفاق بين الروس والفصائل. نشرات الأخبار الفرنسية تقدم تقارير من حلب. الكاميرا تصور من الأعلى، أتفرّج على الأنقاض، أحاول التقاط مشهد لبيت واحد نجا من الخراب. البيوت كلها تحوّلت إلى حجارة متساقطة على أطراف بقاياها، أضع صورة طفلة تركض وسط الجثث على صفحتي أيضا، تشبه طفلة النابالم الشهيرة التي تركض عارية في حرب فيتنام، الميليشيات تدخل البيوت، وتعدم العائلات عن بكرة أبيها، صرخات الاستنجاد والاستغاثة في رأسي تمنعني من النوم».

 

هيثم حسين.. الروائي يقرع طبول الحرب

 

يتحدث الكاتب السوري هيثم حسين عن ذكرياته قبل مغادرة البلاد: «حين كنتُ في ريف دمشق منتصف 2012، قبل أن أغادر بلدي، كانت المعارك تحتدم بين الليلة والأخرى. بدأت بمناوشات ليلية، ثم تصاعدت إلى اشتباكات دائمة في محيط البلدة، شبعا. وحين انتقلت إليها، شهدتُ لحظات مريعة، ورأيتُ مشاهد فظيعة. رائحة البارود تزكم الأنوف في الغوطة الشرقية، الطائرات تقصف بلداتها، والانتقامات قائمة على قدم وساق. كانت الجثث تبقى في الشوارع لساعات ولا يجرؤ أحد على الاقتراب منها، وكان من السهل على كلّ طرف اتّهام الآخر بالخيانة وتبرير قتله».

كتب هيثم حسين أيضا عن تجربة اللجوء في سيرته الروائية «قد لا يبقى أحد»: «أصبحت حياة اللاجئين عبارة عن دمية روسية تعيد محنتها، ونسخها المشوّهة، وتُنتج مآسيها المتجدّدة تباعا. أفكّر أنّ أسرتي أصبحت أسرة عالمية، انتشرت في عدّة قارات، وفي عدد من الدول بين الشرق والغرب. لي أخت في السويد، وأختان في تركيا، وواحدة في كردستان العراق، وخامسة في سوريا، ولي أخ في النمسا، والآخر في الإمارات، وثالث في تركيا… أمّي وأبي في سوريا… وأنا هنا في بريطانيا. حين أحاول تخطيط لقاء عائلي مفترض في خيالي، أجد ذاك موضوعا في باب الاستحالة، وأنتكب حين حين أتذكّر اجتماعنا حول مائدة الطعام البسيطة ونحن نتسلى بالمشاكسات، وأجد ذاك حلما بعيدا جدا. أقول لنفسي إنّ مجرّد التفكير في الترتيب لأيّ لقاء عائلي واقعي، وليس مفترضا، سيكون عبثا وتضييعا للوقت والجهد. أكتفي بالتحسّر. أواسي نفسي أننا جزء بسيط محظوظ من كثير من الأسر السورية التي شردتها الحرب، وهناك أسر أفنتها الحرب، وتلك مأساة عظمى».

كان كتاب هيثم حسين «الروائي يقرع طبول الحرب» كتابا نقديا عن أدب الحرب وخصوصياته من وجهة نظره: «حاولتُ توثيق جزء من التجربة، لكنّني وجدتُ الجرح أعمق من محاولة توثيقه، فانتقلتُ إلى إجراء دراسة عن أدب الحرب… حاولتُ توثيق شهادات روائيين، في الشرق والغرب، عالجوا وتناولوا وحشية الحرب وكانوا شهودا عليها أو مشاركين فيها بطريقة ما. ولكن للأسف اكتشفتُ أننا نعيد قراءة التاريخ ولا نستقي منه أيّ عبر، نقرأ عن وحشية الحرب لكنّنا نتفوّق عليها بوحشية معاصرة. فقدت بعد ذلك عنصر الاستغراب من أيّ فعل إجراميّ فظيع قد أسمع عنه أو أشاهده. أيقنتُ أنّه في أوقات الشدّة، وحين تجد الموت قريبا منك، يدور من حولك، تكتشف فداحة الخسارة التي يتعرّض لها الإنسان في حربه الخاسرة ضدّ الحياة، وضدّ الحرب نفسها».

 

سمر يزبك.. تقاطع نيران

 

يعتبر الكثير من الدارسين والمتتبعين أنّ كتاب «تقاطع نيران.. من يوميات الانتفاضة السورية»، الصادر عن دار الآداب سنة 2012، للكاتبة والصحفية السورية سمر يزبك نقطة البداية لجيل جديد من الكتاب السوريين الذين انخرطوا في الكتابة عن المأساة السورية من خلال كلّ جوانبها الإنسانية. كتبت سمر يزبك كتابها وهي تخوض تجربة يوميات ميدانية من خلال تسجيل مشاهداتها الشخصية ومشاركتها الفعلية، ما جعل كتابها في بعض يومياته بمثابة شهادة الكاتبة على الحدث. حظي الكتاب بمتابعة كبيرة وترجمات سريعة إلى الفرنسية والإنكليزية.

تكتب سمر يزبك عن بداية الأحداث في السنة الأولى للانتفاضة السورية: «… دوريات الأمن تنتشر بكثافة في الشوارع، في كلّ مكان أذهب إليه، سيارات تروح وتجيء. سيارات مسرعة وبطيئة، حافلات ضخمة تعجّ بعناصر أمن، وبرجال يرتدون خوذاتهم وثيابهم العسكرية، تنتشر في الأسواق والساحات وعلى مفترقات الطرقات العريضة وفي بعض الأماكن التي تصلح للتظاهر. اجتمع الرجال بلباس مدني، لكنّ ثقل حضورهم يكشفهم، كيف صرتُ أفرّق بين رجل أمن، ورجل عادي في دمشق؟ حقيقة من الصعب التكهّن متى بدأت لعبتي هذه، ومتى صارت فراستي تسبق السؤال والكلام. أعرفهم من عيونهم، من طريقة ارتداء ملابسهم، من أحذيتهم. رجال الأمن اليوم أكثر الناس في شوارع المدينة، في الأزقة، وأمام الأكشاك، في الساحات، وأمام المدارس، في كلّ مكان أذهب إليه ينتشر رجال الأمن.

دوريات الأمن تنتشر قرب مدخل الحميديّة، وقرب ساحة باب توما، يوقفون بعض الرجال، يحققون معهم، يأخذون هوياتهم. لم أتوقّف كثيرا لأعرف إن كانوا سيحتفظون بهويّاتهم، تسارعت خطواتي. تجاوزتهم، وأنا أنظر بطرف عيني، ثمّ دخلتُ الأزقّة. بالكاد هنا بشر، لكن حول الجامع الأموي، كان الأمن ينتشر بكثافة، والكثير من حشود البشر يرفعون الأعلام وصور رئيس البلاد.

الجامع مغلق، لم يتسنّ لي الدخول. قالوا إنّ هناك مصلّين في الداخل، وبقيت جالسة أدخّن بهدوء أراقب، ومن ثم انصرفتُ. كانت الحشود الحاملة لصور الرئيس كبيرة، ورجال الأمن يزرعون المكان، وكأنّ هؤلاء الناس نبعوا من الأرض.

فجأة صرتُ أرى في الشوارع أشكالا غريبة لم ألمحها من قبل. رجال ضخام، صدورهم عريضة منفوخة، يرتدون ثيابا سوداء بأكمام قصيرة تكشف عن العضلات المفتولة بالوشوم فوقها، وبرؤوس حليقة، ويحدّقون في كلّ شيء. يحدّقون ويمشون وأيديهم تهتزّ على الجانبين ويحرّكون هواء ثقيلا. أشكال تبعث على الرعب، أين كان هؤلاء من هذه المدينة قبلا؟ أين عاشوا؟ وكيف ظهروا اليوم؟

أخرج باتّجاه سوق الحميديّة، شبه الفارغ إلّا من بيّاعي البسطات. المحلات مغلقة. عناصر الأمن هم فقط من يجوب المكان، وفي نهاية السوق حافلات أخرى تعجّ برجال مسلّحين. أصبحتُ أعرف الآن معنى الهدوء الحذر، كنتُ أسمع هذا المصطلح وأقولُ إنّه مصطلح إنشائي غير بليغ، هذه الأيام في دمشق، أعرف معنى الهدوء الحذر في عيون الناس وفي حركاتهم. أتجاوز الحميديّة باتّجاه ساحة المرجة، وكنتُ قررتُ عدم المرور من هذا المكان، بعد ما حصل منذ عدّة أسابيع أمام وزارة الداخلية.

ساحة المرجة فارغة، إلّا من رجال الأمن، يصطفون بكثافة ملفتة. الكثير منهم يتوزعون في الساحة، وغير بعيد عنهم أيضا حافلة مدجّجة بالرجال والأسلحة. ساحة المرجة تبدو مع فنادقها البائسة أكثر وضوحا عندما يختفي البشر، وتكون محلّاتها التجارية مغلقة. لا تشبه ذلك اليوم في 16 آذار مارس، عندما اجتمع العشرات من أهالي المعتقلين أمام مقرّ وزارة الداخلية، في الواقع لم يتجمعوا، بالكاد تجمّعوا! وقفوا بهدوء. كان منظرهم غريبا. وقفوا بأناقة، يحملون صور ذويهم المعتقلين السياسيين. كنتُ أقف معهم إلى جانب زوج معتقلة وطفليها. فجأة انشقت الأرض عن رجال الأمن والشبّيحة، وبدأوا يضربون الناس…».

            

 رف الكتب

 كافكا على الشاطئ

 

رواية «كافكا على الشاطئ» للروائي الياباني هاروكي موراكامي- Haruki Murakami، الأكثر شهرة ومبيعا في اليابان والعالم، جعلته مرشحا دائما لجائزة نوبل دون أن يظفر بها لحدّ الآن. الكتابة الروائية لدى هاروكي موراكامي مختلفة تماما عن الإرث الروائي الياباني، فهو يمزج في رواياته الضخمة، عادة، بين الحوارات الفلسفية ذات الطابع الميتافيزيقي وتأملاته الشخصية التي تكون في غالب الأحيان على حساب الحبكة الروائية نفسها. لكنّها، في العموم، تخلق لها قارئا متتبعا لخطوط الرواية المتشابكة أحيانا، والمتسمة عموما بغرائبيتها الشديدة. هنا نجد الفتى المدعو «كرو» أي الغراب، في الخامسة عشرة من عمره، الهارب من العائلة وسطوة الأب بحثا في مغامرته ورحلته بحثا عن ذاته، في حواره الداخلي المزدوج: «(لقد حللت مشكلة المال إذن؟) يسأل الفتى المدعو كرو (الغراب) بصوته الاعتيادي البليد الذي يشبه شخصا استيقظ توا من النوم وما زال فمه ثقيلا. لكنه يتظاهر بهذا فحسب، فهو صاح كليا. كعادته.

أومئ برأسي إيجابا.

«كم؟».

أراجع الرقم في ذهني. «حوالي 400 ألف ين، بالإضافة إلى ما يمكن سحبه من ماكينة الصراف الآلي. أعرف أنه ليس بالمبلغ الكبير، لكنه يكفي في الوقت الحالي».

«ليس سيئا في الوقت الحالي»، يقول الفتى المدعو كرو (الغراب)

أومئ مجددا.

«أحسب أنك لم تتلق هذا المبلغ هدية ميلاد من بابا نويل».

«صحيح»، أجيبه.

يتبسّم كرو بتكلّف ويجيل نظره في الغرفة، «أرى أنك بدأت بنبش الأدراج، أليس كذلك؟».

لا أجيب. فهو يعرف نقود منْ التي نتحدّث عنها، ولا داعي لأيّ استجوابات مطوّلة. إنّه يستفزّني فحسب.

«لا يهم». يقول كرو، «أنت في حاجة فعلية إلى هذه النقود، وسوف تحصل عليها، اضطررت إلى تسوّلها أم اقتراضها أم سرقتها. إنّها نقود أبيك، ولا دخل لأحد بهذا؟ اليس كذلك؟ خذ المتوافر لك الآن، وسوف تتدبّر أمرك في الوقت الحالي. ولكن ماذا ستفعل بعد نفاد النقود منك؟ فهي كما تعلم لا تنبت كالفطر في الغابة. وكما تعلم ستحتاج إلى المأكل والمأوى، ويوما ما ستنفد نقودك».

«سأفكّر في ذلك في أوانه».

«في أوانه»، يكرّر كلماتي كأنّه يزنها بيديه.

أومئ.

«كأن تحصل على وظيفة أو شيء كهذا؟».

«ربما».

يهزّ رأسه. «أتعلم، لا يزال أمامك الكثير لتتعلمه عن الحياة. اسمع –أيّ وظيفة يمكن لفتى في الخامسة عشرة أن يحصل عليها في مدينة بعيدة لم يذهب إليها من قبل قط؟ أنت لم تنه تعليمك حتى؟ من في اعتقادك سيرضى بتوظيفك؟».

يحمرّ وجهي قليلا. في الحقيقة وجهي يحمرّ بسهولة. «لا تشغل بالك». يقول كرو، «مازلت في بداية الطريق، ولا يجوز أن أثبط عزيمتك الآن بكلّ هذه الهموم، لقد حسمت أمرك بالفعل، وما عليك سوى أن تنطلق. أقصد هذه حياتك أنت في الأساس، ولك أنت أن تفعل بها ما تراه مناسبا».

هذا صحيح. هذه حياتي أنا في نهاية الأمر.

«ومع هذا أقول لك شيئا واحدا: عليك أن تصبح أكثر صلابة إذا أردت أن تفلح».

«إنني أبذل قصارى جهدي».

«وأنا واثق من هذا، فقد ازددت صلابة خلال السنوات الأخيرة، أعترف لك بذلك».

أومئ ثانية.

«ولكن لنواجه الحقيقة، أنت ما زلت في الخامسة عشرة»… «وقد بدأت حياتك للتو، وهناك آلاف الأشياء في العالم التي لم ترها من قبل. أشياء تفوق خيالك».

كعادتنا، نجلس متجاورين على الأريكة القديمة في مكتب أبي. هذه الحجرة المحتشدة بالأشياء الصغيرة. يلعب الآن بثقالة ورق زجاجية على هيئة نحلة، لكن لو كان أبي في المنزل، فمن المؤكد أنّ كرو ما كان ليقترب من هذه الحجرة.

«لكنني يجب أن أرحل من هنا»، أقول له، «ما من سبيل آخر».

«نعم، أحسب أنك مصيب». يعيد كرو وضع ثقالة الورق على المكتب، ويشبّك يديه خلف رأسه، «وهذا لا يعني أن الهروب هو الحلّ لكلّ شيء، لا أريد أن أفسد عليك خططك، لكنني لو كنت مكانك لن أهرب من مكان كهذا. مهما ابتعدت فلن تحلّ المسافات شيئا».

يتنهد الفتى المدعو كرو، ويغمض عينيه ويضع سبّابة على كل منهما ويحدثني من ظلماته.

«ما رأيك في أن نلعب لعبتنا؟»، يسألني.

«وهو كذلك»، أقول وأغمض عينيّ وآخذ نفسا عميقا.

«تخيّل عاصفة رملية رهيبة… ولا تفكّر في أيّ شيء آخر».

أفعل كما يقول. أخرج من دماغي كل شيء آخر، حتى أنني أنسى من أكون. أصبح صفحة بيضاء، وحين تأخذ الأشياء في الطفو على السطح، أشياء في وسعنا نحن فقط –هنا على الأريكة الجلدية القديمة في مكتب أبي- رؤيتها.

«القدر، أحيانا كعاصفة رملية صغيرة لا تنفكّ تغيّر اتجاهاتها»، يقول كرو».

 

 

 مقتطفات

 صدمة المستقبل.. المتغيرات في عالم الغد

 

 

 

 

يقوم الكاتب الأمريكي والمتخصص في مجال المستقبليات ألفين توفلر (1928- 2016) Alvin Toffler، في كتابه «صدمة المستقبل» بشرح مفهومه الجديد الذي يختلف تماما عن مفهوم «صدمة الثقافة»، ويعتبره بالتحديد مرضا نفسيا خطيرا: «… إنّ الكثير مما يبدو لنا الآن مستعصيا على الإدراك سيغدو أقلّ غموضا إذا ما نظرنا نظرة جديدة إلى معدل التغيير الذي يجعل الواقع يبدو أحيانا كالخيال المجنون، فالتغيير المتسارع لا يقرع أبواب الصناعات والشعوب فحسب، ولكنه يتغلغل في أعماق حياتنا الشخصية، ويرغمنا على أن نلعب أدوارا جديدة ويواجهنا بأخطار مرض نفسي جديد عنيف مدمر، هذا المرض يمكن أن نسميه «صدمة المستقبل» وبعض المعرفة بمسبباته وأعراضه تساعد، بلا شك، على تفسير بعض الأشياء التي ستبدو دون ذلك وكأنّها تتحدى أيّ تحليل عقلاني». ويضيف الكاتب، في المقابل، تعريفا آخر لصدمة الثقافة: «لقد أصبح تعبير «صدمة الثقافة» تعبيرا شائعا لدى الكافة. وصدمة الثقافة تعني ذلك التأثير الذي يحدث للغريب عندما يجد نفسه فجأة، وبلا استعداد سابق، وسط ثقافة غريبة عنه… صدمة الثقافة هي ما يحدث للفرد عندما يجد أنّ المحركات النفسية المعتادة التي تساعده على معايشة المجتمع أبطلت فجأة واستبدلت بها أخرى غريبة وغير مفهومة… إنّها تسبب القطيعة والإدراك الخاطئ للواقع وعدم القدرة على المواجهة. ومع كلّ ذلك فصدمة الثقافة تُعتبر شيئا هينا إذا ما قورنت بذلك المرض الأحدث والأخطر، صدمة المستقبل. فصدمة المستقبل هي العجز المذهل عن التكيّف الذي يأتي في ركاب الميلاد المبتسم للمستقبل. ومن ثم فقد تكون هذه الصدمة هي أخطر أمراض الغد. وصدمة المستقبل مرض لن تجد له ذكرا في أيّ معجم «قاموس» طبي، أو أية قائمة للأمراض النفسية، ومع ذلك، فما لم تتخذ خطوات واعية لمواجهته سيجد ملايين الناس أنفسهم تحت وطأة العجز المتزايد عن التكيّف مع بيئتهم. إنّ ظواهر الانحراف، والعصاب الوبائي، والهوس والعنف، التي تبدو واضحة في حياتنا المعاصرة ما هي إلّا عينة متواضعة لما ينتظرنا في المستقبل ما لم نفهم ذلك المرض ونعالجه. إنّ صدمة المستقبل ظاهرة زمنية من نتاج المعدل المطرد السرعة للتغيير في المجتمع، وهي تنشأ من عملية التركيب لثقافة جديدة فوق أخرى قديمة. إنّها صدمة الثقافة للفرد في نفس مجتمعه وليس في مجتمع أجنبي، ومن ثم فإنّ آثارها أخطر وأسوأ، فالمسافر يجد سلواه في علمه بأنّه عائد إلى ثقافة مجتمعه التي تركها خلفه. ولكن ضحية صدمة المستقبل لا سلوى له، حيث لا عودة هناك…

انتزعْ فردا من بيئته الثقافية وألقِ به فجأة إلى بيئة حادة الاختلاف عن بيئته، وبمجموعة من المحركات النفسية ليتعامل بها، ومفهومات مختلفة عن الزمان والمكان، والعمل، والحب، والدين، والجنس، وغير أولئك، واقضِ على أيّ أمل لديه في العودة إلى بيئة تشابه بيئته المعتادة، وانظر كم ستكون معاناته من التمزق مضاعفة وقاسية. ولسوف يزداد الطين بلة إذا ما كانت البيئة الجديدة نفسها عرضة للتغيرات المستمرة، فإذا ما كان ذلك الفرد التعس، بالإضافة إلى ذلك، لا يملك إلّا القليل من الإرشادات عن كيفية السلوك الراشد تجاه الظروف الجديدة، سيصبح هو ذاته كارثة يصيب بها نفسه ومن حوله». ليستخلص الكاتب في النهاية مدى خطورة «صدمة المستقبل على البشرية»: «والآن تخيّل وقوع تلك الحالة، ليس لفرد، ولكن لأمة بأسرها، ولجيل كامل بمن في ذلك أكثر أفراده ضعفا وأقلّهم ذكاء، وأكثرهم افتقارا إلى الرشد، ينتقل فجأة إلى العالم الجديد… إنّ النتيجة الحتمية لذلك هي حالة من العجز الجماعي، أي صدمة المستقبل على أوسع قياس. هذا هو ما ينتظرنا، وما بدأنا بالفعل نحسّه، طوفان التغيير ينحدر بسرعة مخيفة فوق رؤوسنا، والغريب أنّ معظم الناس غافلون عنه وغير مهيئين لملاقاته».

 

 متوجون

 جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية

 

تمّ، أخيرا، الإعلان عن القائمة الطويلة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية في دورتها السابعة (2024- 2025) في الكويت. وتضمنت القائمة عشر مجموعات قصصية لكاتبات وكتّاب من البلدان العربية التالية: «حفيف صندل» لأحمد الخميسي من مصر، و«ليلة صيد الخنازير» لإيناس العبّاسي من تونس، و«الجِراح تدلّ علينا» لزياد خدّاش من فلسطين، و«الإشارة الرابعة» لمحمد الراشدي من السعودية، و«إقامة في القلق» لمحمد خلفوف من المغرب، و«كنفاه» لنجمة إدريس من الكويت، و«صوت الصمت» لخالد الشبيب و«شائعات عابرة للمدن» لسامر أنور الشمالي و«روزنامة الأغبرة أيام الأمل» لعبد الرحمن عفيف و«رصاصة بألف عين» لهوشنك أوسي من سوريا.

ووصف بيان الجائزة الأعمال القصصية التي تحقق لها الوصول إلى القائمة الطويلة بأنّها تقدّم مشهدا إبداعيا قصصيا عربيا يعالج أهم القضايا التي تهمّ المواطن العربي. وأشار البيان إلى أنّ لجنة التحكيم ركّزت في اختياراتها على عناصر فنية، تشمل جدّة بناء النص من خلال طريقة السرد التي يتخذها الكاتب… وابتكار صيغ لغوية وتراكيب جديدة، وقدرة الرؤية الفنّية للنصّ على طرح القيم الإنسانية، وكذلك حضور تقنيات القصّ الحديث كالمفارقة، وكسر أفق التوقع، وتوظيف الحكاية، والانزياح عن المألوف، ومحاكاة النصوص للواقع، وتمتُّع الفضاء النصّي بالخصوصية، من خلال محلّيته وانفتاحه على قضايا إنسانية النزعة.

ترأس لجنة التحكيم الكاتب السوداني أمير تاج السر، وعضوية الكاتب العماني محمد اليحيائي، والكاتبة السعودية نورة القحطاني، والكاتب والناقد والمترجم المصري شريف الجيّار والكاتب الكويتي فهد الهندال.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى